الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡيَا ٱلَّتِيٓ أَرَيۡنَٰكَ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا طُغۡيَٰنٗا كَبِيرٗا} (60)

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن الحسن رضي الله عنه في قوله : { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس } قال : عصمك من الناس .

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { إن ربك أحاط بالناس } قال : فهم في قبضته .

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن قتادة رضي الله عنه في قوله : { إن ربك أحاط بالناس } قال : أحاط بهم ، فهو مانعك منهم وعاصمك ، حتى تبلغ رسالته .

وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } قال : هي رؤيا عين ، أريها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة أسري به إلى بيت المقدس ، وليست برؤيا منام { والشجرة الملعونة في القرآن } قال : هي شجرة الزقوم .

وأخرج سعيد بن منصور ، عن أبي مالك رضي الله عنه في قوله : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } قال : ما أري في طريقه إلى بيت المقدس .

وأخرج ابن سعد وأبو يعلى وابن عساكر ، عن أم هانئ رضي الله عنها ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أسري به أصبح يحدث نفراً من قريش وهم يستهزئون به ، فطلبوا منه آية ، فوصف لهم بيت المقدس ، وذكر لهم قصة العير . فقال الوليد بن المغيرة : هذا ساحر ، فأنزل الله تعالى : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } .

وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر ، عن الحسن رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصبح يحدث بذلك ، فكذب به أناس ، فأنزل الله فيمن ارتد : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية ، قال : هو ما رأى في بيت المقدس ليلة أسري به .

وأخرج ابن جرير ، عن قتادة - رضي الله عنه - { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } يقول : أراه من الآيات والعبر في مسيره إلى بيت المقدس . ذكر لنا أن ناساً ارتدوا بعد إسلامهم حين حدثهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمسيره أنكروا ذلك ، وكذبوا به ، وعجبوا منه ، وقالوا أتحدثنا أنك سرت مسيرة شهرين في ليلة واحدة ! .

وأخرج ابن جرير ، عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني فلان ينزون على منبره نزو القردة ، فساءه ذلك ، فما استجمع ضاحكاً حتى مات ، وأنزل الله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «رأيت ولد الحكم بن أبي العاص على المنابر كأنهم القردة ، وأنزل الله في ذلك { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة } يعني الحكم وولده » .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن يعلى بن مرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أريت بني أمية على منابر الأرض ، وسيتملكونكم ، فتجدونهم أرباب سوء » واهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك : فأنزل الله { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } .

وأخرج ابن مردويه ، عن الحسين بن علي رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أصبح وهو مهموم ، فقيل : مالك يا رسول الله ؟ فقال : «إني رأيت في المنام كأن بني أمية يتعاورون منبري هذا » فقيل : يا رسول الله ، لا تهتهم فإنها دنيا تنالهم . فأنزل الله : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } .

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر ، عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أمية على المنابر فساءه ذلك ، فأوحى الله إليه : «إنما هي دنيا أعطوها » ، فقرت عينه وهي قوله : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } يعني بلاء للناس .

وأخرج ابن مردويه ، عن عائشة رضي الله عنها «أنها قالت لمروان بن الحكم : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لأبيك وجدك «إنكم الشجرة الملعونة في القرآن » .

وأخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما في قوله : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } الآية . قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أري أنه دخل مكة هو وأصحابه ، وهو يومئذ بالمدينة ، فسار إلى مكة قبل الأجل ، فرده المشركون ، فقال أناس قدْ رُدَّ وقد كان حدثنا أنه سيدخلها ، فكانت رجعته فتنتهم .

وأخرج ابن اسحق وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال أبو جهل لما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم شجرة الزقوم تخويفاً لهم يا معشر قريش ، هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوّفكم بها محمد ؟ قالوا : لا . قال : عجوة يثرب بالزبد - والله لئن استمكنا منها لنتزقمها تزقما . فأنزل الله : { إن شجرة الزقوم طعام الأثيم } [ الدخان : 43 ، 44 ] وأنزل الله { والشجرة الملعونة في القرآن } الآية .

وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { والشجرة الملعونة في القرآن } قال : هي شجرة الزقوم خوفوا بها . قال أبو جهل : أيخوفني ابن أبي كبشة بشجرة الزقوم ؟ ثم دعا بتمر وزبد فجعل يقول : زقموني . فأنزل الله تعالى : { طلعها كأنه رؤوس الشياطين } [ الصافات : 65 ] وأنزل الله { ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً } .

وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : { والشجرة الملعونة } قال : ملعونة لأن { طلعها كأنه رؤوس الشياطين } [ الصافات : 65 ] وهم ملعونون .

وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : { ونخوفهم } قال : أبو جهل بشجرة الزقوم { فما يزيدهم } قال : ما يزيد أبا جهل { إلا طغياناً كبيراً } .