ثم قال تعالى : { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس } [ 60 ] .
أي : واذكر يا محمد إذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ، وذلك أن الله جل ذكره وعد{[41309]} نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سيمنعه من كل من بغاه بسوء ، فذكره هنا ما قد قال له أولا{[41310]} .
ومعنى : { أحاط بالناس } أي : هم في قدرته وقبضته فلا يصلون إليك يا محمد بسوء ، فامض لما أمرت به [ من{[41311]} ] تبليغ الرسالة . قال الحسن : معناه{[41312]} : أحاط لك بالعرب{[41313]} ألا يقتلوك ، فعرف أنه لا يقتل{[41314]} .
ثم قال : { و ما جعلنا الرءيا التي أريناك [ إلا فتنة للناس{[41315]} ] } [ 60 ] .
يعني : [ ما أراه{[41316]} ] ليلة أسري به افتتن بها قوم فارتدوا عن الإسلام{[41317]} . وهذا مما يدل على أن الرؤيا التي كانت رؤيا عين لا رؤيا نوم{[41318]} . لأنها لو كانت رؤيا نوم ما افتتن أحد بها{[41319]} ولا ارتد . لأن الإنسان يرى في نومه مثل هذا وأبعد منه . فلما أخبرنا الله [ عز وجل{[41320]} ] أن الرؤيا كانت فتنة للناس ، علمنا أنها رؤيا عين . لأن من كان ضعيفا في الإسلام{[41321]} يستعظم الوصول{[41322]} إلى بيت المقدس والرجوع منها في ليلة فيرتد بجهله ، وقلة علمه{[41323]} .
وأيضا فإنها لو كانت رؤيا نوم ، لم{[41324]} تكن آية{[41325]} ولا فيها دلالة عن نبوة ، لأن سائر الناس ، قد يرى في نومه ما هو أبعد من ذلك .
وعن ابن عباس : إن هذه الرؤيا المذكورة هنا هي رؤيا رءاها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة . رأى أنه يدخل مكة هو وأصحابه . فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، السير إلى مكة قبل الأجل . فرده المشركون . فقال ناس : قد رد{[41326]} وقد كان حدثنا أنه سيدخلها ، فاتتن قوم بذلك{[41327]} .
والصحيح أن الرؤيا هنا ما رأى إذ{[41328]} أسري به . روي{[41329]} أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح – غداة أسري به – على قريش فأخبرهم الخبر ، فقال أكثرهم : إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة ، وشهر مقبلة ، فيذهب محمد ذلك في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة . فارتد جماعة من الناس ، فذلك الفتنة التي ذكر{[41330]} الله [ عز وجل{[41331]} ] .
ويروى أن الناس ذهبوا إلى أبي بكر [ رضي الله عنه{[41332]} ] فقالوا يا أبا بكر : صاحبك يزعم{[41333]} أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة . /فقال أبو بكر : تكذبون عليه . فقالوا : بل ها هو ذا في المسجد يحدث بها الناس . فقال أبو بكر : والله لئن كان قالها لقد صدق ، فما يعجبك من ذلك ؟ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه ، فهذا أبعد مما تعجبون{[41334]} منه . ثم أقبل أبو بكر حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله أحدثت هؤلاء أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال : نعم . قال : يا نبي الله ، فصفه لي ، فإني قد جئته . قال الحسن ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فرفع لي حتى إني نظرت إليه فجعل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يصفه لأبي بكر وأبو بكر يقول : صدقت أشهد أنك رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كلما وصف له منه شيئا قال : صدقت أشهد أنك رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]{[41335]} حتى إذا انتهى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : وأنت يا أبا{[41336]} بكر : الصديق . فيومئذ سماه الصديق . وأنزل الله [ عز وجل{[41337]} ] فيمن ارتد عن إسلامه في ذلك الوقت الآية : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } [ 60 ] الآية .
وقيل : إنها رؤيا رآها{[41338]} النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فغمته : رأى{[41339]} أن بني أمية ينزون على منبره نزو{[41340]} القردة . فساءه ذلك فما{[41341]} استجمع ضاحكا حتى مات{[41342]} .
والقولان الأولان أحسن وأبين لأن هذه الرؤيا لو صحت{[41343]} ما كان فيها فتنة لأحد . وقد{[41344]} أخبرنا الله أنه جعلها فتنة للناس . وأيضا فإن السورة{[41345]} مكية ، والرؤيا التي رآها{[41346]} في المنام بالمدينة كانت .
وقوله : { والشجرة الملعونة في القرآن } [ 60 ] .
قال ابن عباس : هي شجرة الزقوم . وهو قول [ أبي{[41347]} ] مالك ، وعكرمة وابن جبير والنخعي ومجاهد والضحاك{[41348]} .
وقال الحسن : كانت قريش يأكلون الثمر والزبد ويقولون تزقموا من هذه{[41349]} الزقوم فوصفها الله [ عز وجل{[41350]} ] لهم في " والصافات " {[41351]} .
قال الحسن : قال أبو جهل وكفار قريش : أليس من كذب ابن أبي كبشة أنه يوعدكم بنار تحترق فيها الحجارة ويزعم أنها{[41352]} تنبت{[41353]} فيها[ ال{[41354]} ]شجرة{[41355]} .
وعن ابن عباس : [ إنها{[41356]} ] الكشوتا{[41357]} .
وتقدير الآية{[41358]} : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك في الإسرا بك ، والشجرة الملعونة في القرآن ، إلا فتنة للناس ، فكانت فتنة الرؤيا الارتداد ، وفتنة الشجر قول أبي جهل وأصحابه : يخبرنا محمد أن في النار شجرة نابتة{[41359]} والنار تأكل الشجر{[41360]} . فزادت بذلك فتنة المشركين وبصيرة المؤمنين .
وإنما قال الملعونة : وهي لم تلعن في القرآن على معنى الملعون أكلها . وقيل : إنما قيل ذلك : لأن العرب تقول : لكل طعم مكروه ملعون{[41361]} .
أي نخوف هؤلاء المشركين ونتوعدهم بالعقوبات فما يزيدهم تخويفنا إلا طغيانا أي : تماديا في كفرهم كبيرا لأنهم لما خوفوا بالنار التي طعامهم فيها الزقوم دعوا بالثمر/الزبد وقالوا تزقموا من هذا الزقوم{[41362]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.