الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡيَا ٱلَّتِيٓ أَرَيۡنَٰكَ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا طُغۡيَٰنٗا كَبِيرٗا} (60)

ثم قال تعالى : { وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس } [ 60 ] .

أي : واذكر يا محمد إذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس ، وذلك أن الله جل ذكره وعد{[41309]} نبيه صلى الله عليه وسلم أنه سيمنعه من كل من بغاه بسوء ، فذكره هنا ما قد قال له أولا{[41310]} .

ومعنى : { أحاط بالناس } أي : هم في قدرته وقبضته فلا يصلون إليك يا محمد بسوء ، فامض لما أمرت به [ من{[41311]} ] تبليغ الرسالة . قال الحسن : معناه{[41312]} : أحاط لك بالعرب{[41313]} ألا يقتلوك ، فعرف أنه لا يقتل{[41314]} .

ثم قال : { و ما جعلنا الرءيا التي أريناك [ إلا فتنة للناس{[41315]} ] } [ 60 ] .

يعني : [ ما أراه{[41316]} ] ليلة أسري به افتتن بها قوم فارتدوا عن الإسلام{[41317]} . وهذا مما يدل على أن الرؤيا التي كانت رؤيا عين لا رؤيا نوم{[41318]} . لأنها لو كانت رؤيا نوم ما افتتن أحد بها{[41319]} ولا ارتد . لأن الإنسان يرى في نومه مثل هذا وأبعد منه . فلما أخبرنا الله [ عز وجل{[41320]} ] أن الرؤيا كانت فتنة للناس ، علمنا أنها رؤيا عين . لأن من كان ضعيفا في الإسلام{[41321]} يستعظم الوصول{[41322]} إلى بيت المقدس والرجوع منها في ليلة فيرتد بجهله ، وقلة علمه{[41323]} .

وأيضا فإنها لو كانت رؤيا نوم ، لم{[41324]} تكن آية{[41325]} ولا فيها دلالة عن نبوة ، لأن سائر الناس ، قد يرى في نومه ما هو أبعد من ذلك .

وعن ابن عباس : إن هذه الرؤيا المذكورة هنا هي رؤيا رءاها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة . رأى أنه يدخل مكة هو وأصحابه . فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، السير إلى مكة قبل الأجل . فرده المشركون . فقال ناس : قد رد{[41326]} وقد كان حدثنا أنه سيدخلها ، فاتتن قوم بذلك{[41327]} .

والصحيح أن الرؤيا هنا ما رأى إذ{[41328]} أسري به . روي{[41329]} أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح – غداة أسري به – على قريش فأخبرهم الخبر ، فقال أكثرهم : إن العير لتطرد شهرا من مكة إلى الشام مدبرة ، وشهر مقبلة ، فيذهب محمد ذلك في ليلة واحدة ويرجع إلى مكة . فارتد جماعة من الناس ، فذلك الفتنة التي ذكر{[41330]} الله [ عز وجل{[41331]} ] .

ويروى أن الناس ذهبوا إلى أبي بكر [ رضي الله عنه{[41332]} ] فقالوا يا أبا بكر : صاحبك يزعم{[41333]} أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة . /فقال أبو بكر : تكذبون عليه . فقالوا : بل ها هو ذا في المسجد يحدث بها الناس . فقال أبو بكر : والله لئن كان قالها لقد صدق ، فما يعجبك من ذلك ؟ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه ، فهذا أبعد مما تعجبون{[41334]} منه . ثم أقبل أبو بكر حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا نبي الله أحدثت هؤلاء أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟ قال : نعم . قال : يا نبي الله ، فصفه لي ، فإني قد جئته . قال الحسن ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فرفع لي حتى إني نظرت إليه فجعل رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يصفه لأبي بكر وأبو بكر يقول : صدقت أشهد أنك رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] كلما وصف له منه شيئا قال : صدقت أشهد أنك رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ]{[41335]} حتى إذا انتهى ، قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : وأنت يا أبا{[41336]} بكر : الصديق . فيومئذ سماه الصديق . وأنزل الله [ عز وجل{[41337]} ] فيمن ارتد عن إسلامه في ذلك الوقت الآية : { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك } [ 60 ] الآية .

وقيل : إنها رؤيا رآها{[41338]} النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فغمته : رأى{[41339]} أن بني أمية ينزون على منبره نزو{[41340]} القردة . فساءه ذلك فما{[41341]} استجمع ضاحكا حتى مات{[41342]} .

والقولان الأولان أحسن وأبين لأن هذه الرؤيا لو صحت{[41343]} ما كان فيها فتنة لأحد . وقد{[41344]} أخبرنا الله أنه جعلها فتنة للناس . وأيضا فإن السورة{[41345]} مكية ، والرؤيا التي رآها{[41346]} في المنام بالمدينة كانت .

وقوله : { والشجرة الملعونة في القرآن } [ 60 ] .

قال ابن عباس : هي شجرة الزقوم . وهو قول [ أبي{[41347]} ] مالك ، وعكرمة وابن جبير والنخعي ومجاهد والضحاك{[41348]} .

وقال الحسن : كانت قريش يأكلون الثمر والزبد ويقولون تزقموا من هذه{[41349]} الزقوم فوصفها الله [ عز وجل{[41350]} ] لهم في " والصافات " {[41351]} .

قال الحسن : قال أبو جهل وكفار قريش : أليس من كذب ابن أبي كبشة أنه يوعدكم بنار تحترق فيها الحجارة ويزعم أنها{[41352]} تنبت{[41353]} فيها[ ال{[41354]} ]شجرة{[41355]} .

وعن ابن عباس : [ إنها{[41356]} ] الكشوتا{[41357]} .

وتقدير الآية{[41358]} : وما جعلنا الرؤيا التي أريناك في الإسرا بك ، والشجرة الملعونة في القرآن ، إلا فتنة للناس ، فكانت فتنة الرؤيا الارتداد ، وفتنة الشجر قول أبي جهل وأصحابه : يخبرنا محمد أن في النار شجرة نابتة{[41359]} والنار تأكل الشجر{[41360]} . فزادت بذلك فتنة المشركين وبصيرة المؤمنين .

وإنما قال الملعونة : وهي لم تلعن في القرآن على معنى الملعون أكلها . وقيل : إنما قيل ذلك : لأن العرب تقول : لكل طعم مكروه ملعون{[41361]} .

ثم قال { ونخوفهم } [ 60 ] .

أي نخوف هؤلاء المشركين ونتوعدهم بالعقوبات فما يزيدهم تخويفنا إلا طغيانا أي : تماديا في كفرهم كبيرا لأنهم لما خوفوا بالنار التي طعامهم فيها الزقوم دعوا بالثمر/الزبد وقالوا تزقموا من هذا الزقوم{[41362]} .


[41309]:ق: "وعن".
[41310]:ق: "أول" وهذا تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 15/109.
[41311]:ساقط من ق.
[41312]:ق: "معنى".
[41313]:ق: "بك بالغرور".
[41314]:انظر: قوله في جامع البيان 15/110، ومعاني الزجاج 3/247.
[41315]:ساقط من ط.
[41316]:ساقط من ق.
[41317]:انظر: هذا القول في معاني الفراء 2/126، وغريب القرآن 258، وإعراب النحاس 2/430.
[41318]:ط: قوم.
[41319]:ط: بها أحد.
[41320]:ساقط من ق.
[41321]:ط: الإيمان.
[41322]:ساقط من ق.
[41323]:ق: "عمله".
[41324]:ق: "ولم".
[41325]:ق: بآيات.
[41326]:ق: رده.
[41327]:انظر: قول ابن عباس في جامع البيان 15/112، وإعراب النحاس 2/431 وفيه أنها "من أحسن ما قيل وفيها وصحيحه" وأحكام الجصاص 3/205، والجامع 10/183 وفيه "وفي هذا التأويل ضعف لأن السورة مكية، وتلك الرؤيا كانت بالمدينة".
[41328]:ق: ذا.
[41329]:ط: "وروي".
[41330]:ط: "ذكرها".
[41331]:ساقط من ط.
[41332]:ساقط من ط.
[41333]:ط: أيزعم.
[41334]:ط: تتعجبون.
[41335]:ساقط من ق.
[41336]:ط: "يا أبي...".
[41337]:ساقط من ق.
[41338]:ط: رواها".
[41339]:ق: "رؤيا".
[41340]:ق: "تزو".
[41341]:في النسختين "فما".
[41342]:وهو قول سهل بن سعد. انظر: جامع البيان 15/112، ومعاني الزجاج 3/248، والجامع 10/183، والدر 5/309.
[41343]:ق: الوصية.
[41344]:ساقط من ق.
[41345]:ط: النبوءة.
[41346]:ط: آراها.
[41347]:ساقط من ق.
[41348]:انظر: هذا القول في صحيح البخاري، كتاب القدر، 8/156 ومعاني الفراء 2/126، وغريب القرآن 258، وجامع البيان 15/113 ومعاني الزجاج 3/248 وإعراب النحاس 2/431، وأحكام الجصاص 3/205، والجامع 10/183 والتعريف 99 وفيه "لا خلاف أنها شجرة الزقوم" والدر 5/308.
[41349]:ط: هذا.
[41350]:ساقط من ق.
[41351]:ط: "في" والصافات "لهم". وانظر قول الحسن في: جامع البيان 15/113.
[41352]:ط: "إنه".
[41353]:ط: "ينبت".
[41354]:ساقط من ط.
[41355]:انظر قوله: في جامع البيان 15/113.
[41356]:ساقط من ق.
[41357]:انظر: قوله في جامع البيان 15/115، والجامع 10/185 وفيه "الشجرة الملعونة هي هذه الشجرة التي تلتوي على الشجر فتفتله يعني الكشوت".
[41358]:ط: "وتقدير الكلام للآية ...".
[41359]:ق: "ثابثة".
[41360]:وهو قول ابن جرير، انظر: جامع البيان 15/15.
[41361]:انظر: هذين القولين في معاني الزجاج 3/248 والجامع 158.
[41362]:وهو تفسير ابن جرير، انظر: جامع البيان 15/15.