لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَإِذۡ قُلۡنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِۚ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡيَا ٱلَّتِيٓ أَرَيۡنَٰكَ إِلَّا فِتۡنَةٗ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِي ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا طُغۡيَٰنٗا كَبِيرٗا} (60)

قوله عز وجل { وإذ قلنا لك } أي واذكر يا محمد إذ قلنا لك { إن ربك أحاط بالناس } أي إن قدرته محيطة بهم فهم في قبضته وقدرته لا يقدرون على الخروج من مشيئته وإذا كان الأمر كذلك فهم لا يقدرون على أمر من الأمور إلا بقضائه وقدره وهو حافظك ومانعك منهم ، فلا تهبهم وامض لما أمرك من التبليغ للرسالة ، فهو ينصرك ويقويك على ذلك { وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس } الأكثرون من المفسرين على أن المراد منها ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من العجائب والآيات . قال ابن عباس : هي رؤيا عين أريها رسول الله صلى الله عليه سلم ليلة المعراج وهي ليلة أسري به إلى بيت المقدس أخرجه البخاري . وهو قول سعيد بن جبير والحسن ومسروق وقتادة ومجاهد وعكرمة وابن جريج وغيرهم . والعرب تقول : رأيت بعيني رؤية ورؤيا فلما ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس أنكر بعضهم ذلك وكذبوا فكانت فتنة للناس ، وازداد المخلصون إيماناً . وقال قوم : أسري بروحه دون جسده وهو ضعيف . وقال قوم كان له معراجان : معراج رؤية عين في اليقظة ومعراج رؤيا منام . وقيل : أراد بهذه الرؤيا ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية ، أنه دخل مكة هو وأصحابه فعجل المسير إلى مكة قبل الأجل ، فصده المشركون فرجع إلى المدينة فكان رجوعه في ذلك العام بعدما أخبر أنه يدخلها فتنة لبعضهم ، ثم دخل مكة في العام المقبل وأنزل الله عز وجل لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ، وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أن ولد الحكم بن أمية يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة فساءه ذلك . فإن اعترض معترض على هذا التفسير وقال السورة مكية وهاتان الواقعتان كانتا بالمدينة أجيب بأنه لا إشكال فيه فإنه لا يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ذلك بمكة ، ثم كان ذلك حقيقة بالمدينة { والشجرة الملعونة في القرآن } يعني شجرة الزقوم التي وصفها الله تعالى في سورة الصافات والعرب تقول لكل طعام كريه : طعام ملعون ، والفتنة فيها أن أبا جهل قال : إن ابن أبي كبشة يعني النبي صلى الله علي وسلم توعدكم بنار تحرق الحجارة ، ثم يزعم أنه تنبت فيها شجرة وتعلمون أن النار تحرق الشجر . وقيل : إن عبد الله بن الزبعري قال : إن محمداً يخوفنا بالزقوم ولا نعرف الزقوم إلا الزبد والتمر ، فقال أبو جهل : يا جارية تعالي فزقمينا فأتت بزبد وتمر فقال يا قوم فإن هذا ما يخوفكم به محمد ، فأنزل الله سبحانه وتعالى حين عجبوا أن يكون في النار شجر { إنا جعلناها فتنة للظالمين } الآيات . فإن قلت : أين لعنت شجرة الزقوم في القرآن ؟ قلت : لعنت حيث لعن الكفار الذين يأكلونها لأن الشجرة لا ذنب لها حتى تلعن ، وإنما وصفت بلعن أصحابها على المجاز . وقيل وصفها الله تعالى باللعن لأن اللعن الإبعاد من الرحمة ، وهي في أصل جهنم في أبعد مكان من الرحمة ، وقال ابن عباس : في رواية عنه إن الشجرة الملعونة هي الكشوث الذي يلتوي على الشجر والشوك فيجففه { ونخوفهم فما يزيدهم } أي التخويف { إلا طغياناً كبيراً } أي تمرداً وعتواً عظيماً .