المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۖ وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۚ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمۡ يَكُنۡ أَهۡلُهُۥ حَاضِرِي ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (196)

196- وأدوا الحج والعمرة لله على وجه التمام والكمال قاصدين بهما وجه الله ، ولا تقصدوا بهما إصابة عَرَض دنيوي من شهرة ونحوها . وإذا قصدتم الحج والعمرة وأحرمتم بهما فمنعكم عدو في الطريق فلكم أن تتحللوا من إحرامكم بحلق رءوسكم ، ولكن عليكم قبل ذلك ذبح ما تيسر لكم - من شاة أو بعير أو بقرة - والتصدق به على المساكين ، ولا تحلقوا رءوسكم حتى تقوموا بهذه النسك ، ومن كان مُحْرِماً وأذاه شعر رأسه لمرض أو هوام في رأسه فلا بأس أن يحلق رأسه ، وعليه حينئذٍ أن يفدى عن ذلك بصيام ثلاثة أيام ، أو التصدق على ستة مساكين بقوت يوم ، أو ذبح شاة والتصدق بها على الفقراء والمساكين . وإذا كنتم في دار الأمان والسلم ولم يعترض طريقكم عدو ، وقصدتم الحج والعمرة وتمتعتم أولا بالعمرة إلى أن يحين وقت الحج فتحرموا ، فعليكم ذبح شاة لمساكين الحرم وفقرائه ، فمن لم يجد شاة أو لم يقدر على ثمنها صام ثلاثة أيام في مكة وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله ، وهذا على من لم يكن من أهل مكة ، فمن كان من أهلها فلا شيء عليه إذا تمتع .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۖ وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۚ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمۡ يَكُنۡ أَهۡلُهُۥ حَاضِرِي ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (196)

قوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } . قرأ علقمة و إبراهيم النخعي ( وأقيموا الحج والعمرة لله ) واختلفوا في إتمامهما . فقال بعضهم : هو أن يتمها بمناسكهما وحدودهما وسننهما ، وهو قول ابن عباس وعلقمة وإبراهيم النخعي ومجاهد ، وأركان الحج خمسة : الإحرام والوقوف بعرفة ، وطواف الزيارة ، والسعي بين الصفا والمروة ، وحلق الرأس أو التقصير . وللحج تحللان ، وأسباب التحلل ثلاثة : رمي جمرة العقبة يوم النحر وطواف الزيارة والحلق ، فإذا وجد شيئان من هذه الأشياء الثلاثة حصل التحلل الأول ، وبالثلاث حصل التحلل الثاني ، وبعد التحلل الأول يستبيح جميع محظورات الإحرام إلا النساء ، وبعد الثاني يستبيح الكل ، و أركان العمرة أربعة : الإحرام ، والطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة والحلق ، وقال سعيد بن جبير وطاووس : تمام الحج والعمرة أن تحرم بهما مفردين ، مستأنفين من دويرة أهلك ، وسئل علي بن أبي طالب عن قوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } قال : أن تحرم بهما من دويرة أهلك . ومثله عن ابن مسعود ، قال قتادة : تمام العمرة أن تعتمر في غير أشهر الحج ، فإن كانت في أشهر الحج ثم أقام حتى حج فهي تمتعه ، وعليه فيها الهدي إن وجده ، أو الصيام إن لم يجد الهدي ، وتمام الحج أن يأتي بمناسكه كلها حتى لا يلزمه عما ترك دم بسبب قران ولا متعة . وقال الضحاك : إتمامهما أن تكون النفقة حلالاً ، وينتهي عما نهى الله عنه ، وقال سفيان الثوري : إتمامهما أن تخرج من أهلك ، ولا تخرج لتجارة ولا لحاجة . قال عمر بن الخطاب : الوفد كثير والحاج قليل ، واتفقت الأمة على وجوب الحج على من استطاع إليه سبيلاً ، واختلفوا في وجوب العمرة ، فذهب أكثر أهل العلم إلى وجوبها ، وهو قول عمر وعلي وابن عمر .

وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال : والله أن العمرة لقرينة الحج في كتاب الله ، قال الله تعالى : ( وأتموا الحج والعمرة لله ) . وبه قال عطاء وطاووس ومجاهد والحسن ، وقتادة ، سعيد بن جبير ، وإليه ذهب الثوري والشافعي في أصح قوليه ، وذهب قوم إلى أنها سنة ، وهو قول جابر ، وبه قال الشعبي وإليه ذهب مالك وأهل العراق وتأولوا قوله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) على معنى ، أتموهما إذا دخلتم فيهما ، أما ابتداء الشروع فيها فتطوع ، واحتج من لم يوجبها بما روي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن العمرة أواجبة هي ؟ " فقال : لا وأن تعتمروا خير لكم " والقول الأول أصح ، ومعنى قوله ( وأتموا الحج والعمرة لله ) أي ابتدئوهما ، فإذا دخلتم فيهما فأتموهما ، فهو أمر بالابتداء والإتمام ، أي أقيموهما كقوله تعالى : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) أي ابتدئوه وأتموه .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني ، أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا ابن أبي شيبة ، أخبرنا أبو خالد الأحمر ، عن عمرو بن قيس عن عاصم عن شقيق عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب ، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحج المبرور جزاء إلا الجنة " وقال ابن عمر : " ليس من خلق الله أحد إلا وعليه حجة وعمرة واجبتان إن استطاع إلى ذلك سبيلاً كما قال الله تعالى ( وأتموا الحج والعمرة لله ) فمن زاد بعد ذلك فهو خير وتطوع " ، واتفقت الأمة على أنه يجوز أداء الحج والعمرة على ثلاثة أوجه : الإفراد والتمتع والقران .

فصورة الإفراد : أن يفرد الحج ، ثم بعد الفراغ منه يعتمر ، وصورة التمتع : أن يعتمر في أشهر الحج ، ثم بعد الفراغ من أعمال العمرة ، يحرم بالحج من مكة فيحج في هذا العام ، وصورة القران : أن يحرم بالحج والعمرة معاً ، يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل أن يفتتح الطواف فيصير قارناً ، واختلفوا في الأفضل من هذه الوجوه : فذهب جماعة إلى أن الإفراد أفضل ، ثم التمنع ثم القران . وهو قول مالك والشافعي لما أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب ، عن مالك عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بحج ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، فأما من أهل بالعمرة فحل ، وأما من أهل بالحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحلوا حتى كان يوم النحر " .

أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم أخبرنا الربيع ، أخبرنا الشافعي ، أخبرنا مسلم ، عن ابن جريج عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر وهو يحدث عن حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا ننوي إلا الحج ، ولا نعرف غيره ولا نعرف العمرة " ، وروي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج وذهب قوم إلى أن القرآن أفضل وهو قول الثوري وأصحاب الرأي ، واحتجوا بما أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ، أخبرنا محمد بن هشام بن ملا بن النميري ، أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري ، أخبرنا حميد قال : قال أنس بن مالك : أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لبيك بحج وعمرة " . وذهب قوم إلى أن التمتع أفضل ، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ، واحتجوا بما أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا يحيى بن بكير ، أخبرنا الليث ، عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن ابن عمر قال : " تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وأهدى فساق معه الهدى من ذي الحليفة ، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج فتمتع الناس مع النبي صلى الله عليه وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدي ومنهم من لم يهد ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس : من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت ، بين الصفا والمروة ، ويقصر وليتحلل ، ثم ليهل بالحج فمن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فطاف حين قدم مكة ، واستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أشواط ، ومشى أربعاً ، فركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ، ثم سلم فانصرف ، فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أشواط ، ثم لم يتحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ، ونحر هديه يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ، ثم حل من كل شيء حرم منه ، وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى وساق الهدي من الناس " .

وعن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته عن النبي صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالعمرة إلى الحج فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال شيخنا الإمام رضي الله عنه : قد اختلفت الرواة في إحرام النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا وذكر الشافعي في كتاب ، اختلاف الأحاديث ، كلاماً موجزاً أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان منهم المفرد ، والقارن والمتمتع ، وكل كان يأخذ منه أمر نسكه ويصدر عن تعليمه ، فأضيف الكل إليه على معنى أنه أمر به وأذن فيه ، فيجوز في لغة العرب إضافة الفعل إلى الآمر به ، كما يجوز إضافته إلى الفاعل له ، كما يقال بنى فلان داراً ، وأريد أنه أمر ببنائها ، وكما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم " رجم ماعزاً " ، وإنما أمر برجمه ، واختار الشافعي لرواية جابر ، وعائشة ، وابن عمرو ، وقدمها على رواية غيرهم لتقدم صحبة جابر النبي صلى الله عليه وحسن سياقه لابتداء قصة حجة الوداع وآخرها ، ولفضل حفظ عائشة ، وقرب ابن عمر من النبي صلى الله عليه وسلم . ومال الشافعي في اختلاف الأحاديث إلى التمتع ، وقال : ليس شيء من الاختلاف أيسر من هذا وإن كان الغلط فيه قبيحاً من جهة أنه مباح ، لأن الكتاب ثم السنة ثم ما لا أعلم فيه خلافاً ، يدل على أن التمتع بالعمرة إلى الحج ، وإفراد الحج والقرآن ، واسع كله أي التمتع والإفراد والقرآن . وقال : من قال إنه أفرد الحج يشبه أن يكون قاله على ما يعرف من أهل العلم الذين أدركوا دور رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحدا لا يكون مقيما على الحج وقد ابتدأ إحرامه بالحج . قال شيخنا الإمام : ومما يدل على أنه كان متمتعاً أن الرواية عن ابن عمر وعائشة متعارضة ، وقد روينا عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر قال : تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج ، وقال ابن شهاب عن عروة إن عائشة أخبرته عن النبي صلى الله عليه وسلم في تمتعه بالعمرة إلى الحج ، فتمتع الناس معه بمثل الذي أخبرني سالم عن ابن عمر وقال ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذه عمرة استمتعنا بها " . وقال سعد بن أبي وقاص في المتعة : صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه . قال شيخنا الإمام : وما روي عن جابر أنه قال : خرجنا لا ننوي إلا الحج ، لا ينافي التمتع ، لأن خروجهم كان لقصد الحج ، ثم منهم من قدم العمرة ، ومنهم من أهل بالحج إلى أن أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعله متعة . قوله تعالى : { فإن أحصرتم } . اختلف العلماء في الإحصار الذي يبيح للمحرم التحلل من إحرامه ، فذهب جماعة إلى أن كل مانع يمنعه عن الوصول إلى البيت الحرام والمضي في إحرامه من عدو أو مرض أو جرح أو ذهاب نفقة أو ضلال راحلة ، يبيح له التحلل ، وبه قال ابن مسعود وهو قول إبراهيم النخعي والحسن ومجاهد وعطاء وقتادة وعروة بن الزبير ، وإليه ذهب سفيان الثوري ، وأهل العراق وقالوا : إن الإحصار في كلام العرب هو حبس العلة أو المرض ، وقال الكسائي وأبو عبيدة ما كان من مرض أو ذهاب نفقة يقال : منه أحصر فهو محصر ، وما كان من حبس عدو ، أو سجن يقال : منه حصر محصور ، وإنما جعل هاهنا حبس العدو إحصاراً قياساً على المرض إذ كان في معناه ، واحتجوا بما روي عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كسر أو عرج فقد حل وعليه الحج من قابل " .

قال عكرمة : فسألت ابن عباس وأبا هريرة فقالا : صدق . وذهب جماعة إلى أنه لا يباح له التحلل إلا بحبس العدو وهو قول ابن عباس وقال لا حصر إلا حصر العدو ، وروي معناه عن ابن عمر وعبد الله بن الزبير وهو قول سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحاق ، وقالوا الحصر والإحصار بمعنى واحد . وقال ثعلب تقول العرب : حصرت الرجل عن حاجته فهو محصور ، وأحصره العدو إذا منعه عن السير فهو محصر ، واحتجوا بأن نزول هذه الآية في قصة الحديبية وكان ذلك حبساً من جهة العدو ، ويدل عليه قوله تعالى في سياق الآية ( فإذا أمنتم ) والأمن يكون من الخوف ، وضعفوا حديث الحجاج بن عمرو بما ثبت عن ابن عباس أنه قال : لا حصر إلا حصر العدو ، وتأوله بعضهم على أنه إنما يحل بالكسر والعرج ، إذا كان قد شرط ذلك في عقد الإحرام كما روي أن ضباعة بنت الزبير كانت وجعة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " حجي واشترطي وقولي اللهم محلي حيث حبستني " . ثم المحصر يتحلل بذبح الهدي وحلق الرأس ، والهدي شاة وهو المراد من قوله تعالى ( فما استيسر من الهدي ) ، ومحل ذبحه حيث أحصر عند أكثر أهل العلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذبح الهدي عام الحديبية بها ، وذهب قوم إلى أن المحصر يقيم على إحرامه ويبعث بهديه إلى الحرم ، ويواعد من يذبحه هناك ثم يحل ، وهو قول أهل العراق . واختلف القول في المحصر إذا لم يجد هدايا ، ففي قول لا بد له فيتحلل والهدي في ذمته إلى أن يجد ، والقول الثاني : له بدل ، فعلى هذا اختلف القول فيه ، ففي قول عليه صوم التمتع ، وفي قول تقوم الشاة بدراهم ، ويجعل الدراهم طعاما فيتصدق به ، فإن عجز عن الإطعام صام عن كل مد من الطعام يوما . كما في فدية الطيب واللبس ، فإن المحرم إذا احتاج إلى ستر رأسه لحر أو برد أو إلى لبس قميص ، أو مرض فاحتاج إلى مداواته بدواء فيه طيب فعل ، وعليه الفدية ، وفديته على الترتيب والتعديل فعليه ذبح شاة فإن لم يجد يقوم الشاة بدراهم والدراهم يشتري بها طعاماً فيتصدق به ، فإن عجز صام عن كل مد يوماً . ثم المحصر إن كان إحرامه بغرض قد استقر عليه فلذلك الفرض في ذمته ، وإن كان بحج تطوع ، فهل عليه القضاء ؟ اختلفوا فيه ، فذهب جماعة إلى أنه لا قضاء عليه وهو قول مالك و الشافعي ، وذهب قوم إلى أن عليه القضاء ، وهو قول مجاهد والشعبي والنخعي وأصحاب الرأي .

قوله تعالى : { فما استيسر } . أي فعليه ما تيسر من الهدي ، ومحله رفع وقيل : ما في محل النصب أي فاهد ما استيسر والهدي جمع هدية وهي اسم لكل ما يهدي إلى بيت الله تقرباً إليه ، وما استيسر من الهدي شاة ، قاله علي بن أبي طالب وابن عباس ، لأنه أقرب إلى اليسر ، وقال الحسن و قتادة : أعلاه بدنة وأوسطه بقرة وأدناه شاة .

قوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله } . اختلفوا في المحل الذي يحل المحصر ببلوغ هديه إليه فقال بعضهم : هو ذبحه بالموضع الذي أحصر فيه سواء كان في الحل أو في الحرم ، ومعنى محله : حيث يحل ذبحه فيه .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد ابن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرني الزهري أخبرني عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة في قصة الحديبية قال : فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : قوموا فانحروا ثم احلقوا ، فوالله ما قام رجل منهم حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلما لم يقم منهم أحد ، دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس ، فقالت أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج ، ثم لا تكلم أحداً منهم بكلمة حتى تنحر بذلك ، وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً أي ازدحاما غماً .

وقال بعضهم : محل هدي المحصر الحرم ، فإن كان حاجاً فمحله يوم النحر ، وإن كان معتمراً فمحله يوم يبلغ هديه الحرم .

قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه } . معناه لا تحلقوا رؤوسكم في حال الإحرام إلا أن تضطروا إلى حلقه لمرض أو لأذى في الرأس من هوام أو صداع .

قوله تعالى : { ففدية } . فيه إضمار ، أي : فحلق فعليه فدية ، نزلت في كعب بن عجرة .

أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا الحسن بن خلف أخبرنا إسحاق بن يوسف عن أبي بشر ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : حدثني عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه وقمله يسقط على وجهه فقال : " أيؤذيك هوامك ؟ " قال نعم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق وهو بالحديبية ، ولم يبين لهم أنهم يحلون بها ، وهم على طمع أن يدخلوا مكة ، فأنزل الله الفدية فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطعم فرقاً بين ستة مساكين ، أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام .

قوله تعالى : { ففدية من صيام } . أي ثلاثة أيام .

قوله تعالى : { أو صدقة } . أي ثلاثة آصع على ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع .

قوله تعالى : { أو نسك } . واحدتها نسيكة ، أي ذبيحة ، أعلاها بدنة وأوسطها بقرة وأدناها شاة ، أيتها شاء ذبح ، فهذه الفدية على التخيير ، والتقدير ، ويتخير بين أن يذبح أو يصوم أو يتصدق ، وكلهدي أو طعام ، يلزم المحرم يكون بمكة ويتصدق به على مساكين الحرم ، إلا هديا يلزم المحصر فإنه يذبحه حيث أحصر ، وأما الصوم فله أن يصوم حيث شاء .

قوله تعالى : { فإذا أمنتم } . أي من خوفكم وبرأتم من مرضكم .

قوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } . اختلفوا في هذه المتعة ، فذهب عبد الله بن الزبير إلى أن معناه : فمن أحصر حتى فاته الحج ولم يتحلل فقدم مكة يخرج من إحرامه بعمل عمرة واستمتع بإحلاله ذلك ، بتلك العمرة إلى السنة المقبلة ، ثم حج فيكون متمتعاً بذلك الإحلال إلى إحرامه الثاني في العام القابل ، وقال بعضهم : معناه فإذا أمنتم ، وقد حللتم من إحرامكم بعد الإحصار ، ولم تقضوا عمرتكم ، وأخرتم العمرة إلى السنة القابلة ، فاعتمرتم في أشهر الحج ، ثم حللتم فاستمتعتم بإحلالكم إلى الحج ، ثم أحرمتم بالحج ، فعليكم ما استيسر من الهدي ، وهو قول علقمة وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ، وقال ابن عباس وعطاء وجماعة : هو الرجل يقدم معتمراً من أفق من الآفاق في أشهر الحج ، فقضى عمرته وأقام حلالاً بمكة حتى أنشأ منها الحج فحج من عامه ذلك فيكون مستمتعاً بالإحلال من العمرة إلى إحرامه بالحج ، فمعنى التمتع هو الاستمتاع بعد الخروج من العمرة بما كان محظوراً عليه في الإحرام إلى إحرامه بالحج . ولوجوب هدي التمتع أربع شرائط : أحدها : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ، والثاني أن يحج بعد الفراغ من العمرة في هذه السنة ، والثالث أن يحرم بالحج في مكة ولا يعود إلى الميقات لإحرامه . الرابع أن لا يكون من حاضري المسجد الحرام ، فمتى وجدت هذه الشرائط فعليه ما استيسر من الهدي ، وهو دم شاة ويذبحها يوم النحر فلو ذبحها قبله بعد ما أحرم بالحج يجوز عند بعض أهل العلم ، كدماء الجنايات ، وذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز قبل يوم النحر كدم الأضحية .

قوله تعالى : { فمن لم يجد } . الهدي .

قوله تعالى : { فصيام ثلاثة أيام في الحج } . أي صوموا ثلاثة أيام ، يصوم يوماً قبل التروية ويوم التروية ، ويوم عرفة ، ولو صام قبله بعدما أحرم بالحج جاز ، ولا يجوز يوم النحر ، ولا أيام التشريق ، عند أكثر أهل العلم ، وذهب بعضهم إلى جواز صوم الثلاث أيام التشريق . يروى ذلك عن عائشة ، وابن عمر وابن الزبير وهو قول مالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق .

قوله تعالى : { سبعة إذا رجعتم } . أي صوموا سبعة أيام إذا رجعتم إلى أهليكم وبلدكم ، فلو صام السبعة قبل الرجوع إلى أهله لا يجوز ، وهو قول أكثر أهل العلم ، روي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وقيل يجوز أن يصومها بعد الفراغ من أعمال الحج ، وهو المراد من الرجوع المذكور في الآية .

قوله تعالى : { تلك عشرة كاملة } . ذكرها على وجه التأكيد ، لأن العرب ما كانوا يهتدون إلى الحساب ، فكانوا يحتاجون إلى فضل شرح ، وزيادة بيان ، وقيل : فيه تقدم وتأخير ، يعني : فصيام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجعتم ، فهي عشرة كاملة . وقيل : كاملة الثواب والأجر ، وقيل : كاملة فيما أريد به من إقامة الصوم بدل الهدي وقيل : كاملة بشروطها وحدودها ، وقيل لفظه خبر ومعناه أمر أي فأكملوها ولا تنقصوها .

قوله تعالى : { ذلك } . أي هذا الحكم .

قوله تعالى : { لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام } . واختلفوا في حاضري المسجد الحرام ، فذهب قوم إلى أنهم أهل مكة وهو قول مالك ، وقيل : هم أهل الحرم وبه قال طاووس . وقال ابن جريج : أهل عرفة والرجيع وضجنان ونخلتان ، وقال الشافعي : كل من كان وطنه من مكة على أقل من مسافة القصر فهو من حاضري المسجد الحرام ، وقال عكرمة : هم من دون الميقات ، وقيل : هم أهل الميقات فما دونه ، وهو قول أصحاب الرأي ، ودم القران كدم التمتع ، والمكي إذا قرن أو تمتع فلا هدي عليه ، قال عكرمة : سئل ابن عباس عن متعة الحج فقال : أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأهللنا ، فلما قدمنا مكة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة ، وأتينا النساء ولبسنا الثياب ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج ، فإذا فرغنا فقد تم حجنا وعلينا الهدي ، فجمعوا نسكين في عام بين الحج والعمرة ، فإن الله أنزل في كتابه وسنة نبيه وأباحه للناس من غير أهل مكة قال الله تعالى : ( ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ) . ومن فاته الحج ، وفواته يكون بفوات الوقوف بعرفة حتى يطلع الفجر يوم النحر ، فإنه يتحلل بعمل العمرة ، وعليه القضاء من قابل والفدية ، وهي على الترتيب والتقدير كفدية التمتع والقرآن .

أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا أبو مصعب عن مالك ، عن نافع . عن سليمان بن يسار أن هناد بن الأسود جاء يوم النحر وعمر بن الخطاب ينحر هديه فقال : يا أمير المؤمنين أخطأنا العدد ، كنا نظن أن هذا اليوم يوم عرفة ، فقال له عمر : اذهب إلى مكة ، فطف أنت ومن معك بالبيت ، واسعوا بين الصفا والمروة ، وانحروا هدياً إن كان معكم ، ثم احلقوا أو قصروا ثم ارجعوا ، فإذا كان العام القابل فحجوا واهدوا ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع " .

قوله تعالى : { واتقوا الله } . في أداء الأوامر .

قوله تعالى : { واعلموا أن الله شديد العقاب } . على ارتكاب المناهي .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۖ وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۚ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمۡ يَكُنۡ أَهۡلُهُۥ حَاضِرِي ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (196)

{ ولما فرغ تعالى من [ ذكر ] أحكام الصيام فالجهاد ، ذكر أحكام الحج فقال : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }

يستدل بقوله [ تعالى ] : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ } على أمور :

أحدها : وجوب الحج والعمرة ، وفرضيتهما .

الثاني : وجوب إتمامهما بأركانهما ، وواجباتهما ، التي قد دل عليها فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله : " خذوا عني مناسككم "

الثالث : أن فيه حجة لمن قال بوجوب العمرة .

الرابع : أن الحج والعمرة يجب إتمامهما بالشروع فيهما ، ولو كانا نفلا .

الخامس : الأمر بإتقانهما وإحسانهما ، وهذا قدر زائد على فعل ما يلزم لهما .

السادس : وفيه الأمر بإخلاصهما لله تعالى .

السابع : أنه لا يخرج المحرم بهما بشيء من الأشياء حتى يكملهما ، إلا بما استثناه الله ، وهو الحصر ، فلهذا قال : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } أي : منعتم من الوصول إلى البيت لتكميلهما ، بمرض ، أو ضلالة ، أو عدو ، ونحو ذلك من أنواع الحصر ، الذي هو المنع .

{ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } أي : فاذبحوا ما استيسر من الهدي ، وهو سبع بدنة ، أو سبع بقرة ، أو شاة يذبحها المحصر ، ويحلق ويحل من إحرامه بسبب الحصر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، لما صدهم المشركون عام الحديبية ، فإن لم يجد الهدي ، فليصم بدله عشرة أيام كما في المتمتع ثم يحل .

ثم قال تعالى : { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } وهذا من محظورات الإحرام ، إزالة الشعر ، بحلق أو غيره ، لأن المعنى واحد من الرأس ، أو من البدن ، لأن المقصود من ذلك ، حصول الشعث والمنع من الترفه بإزالته ، وهو موجود في بقية الشعر .

وقاس كثير من العلماء على إزالة الشعر ، تقليم الأظفار بجامع الترفه ، ويستمر المنع مما ذكر ، حتى يبلغ الهدي محله ، وهو يوم النحر ، والأفضل أن يكون الحلق بعد النحر ، كما تدل عليه الآية .

ويستدل بهذه الآية على أن المتمتع إذا ساق الهدي ، لم يتحلل من عمرته قبل يوم النحر ، فإذا طاف وسعى للعمرة ، أحرم بالحج ، ولم يكن له إحلال بسبب سوق الهدي ، وإنما منع تبارك وتعالى من ذلك ، لما فيه من الذل والخضوع لله والانكسار له ، والتواضع الذي هو عين مصلحة العبد ، وليس عليه في ذلك من ضرر ، فإذا حصل الضرر بأن كان به أذى من مرض ، ينتفع بحلق رأسه له ، أو قروح ، أو قمل ونحو ذلك فإنه يحل له أن يحلق رأسه ، ولكن يكون عليه فدية من صيام ثلاثة أيام ، أو صدقة على ستة مساكين{[131]}  أو نسك ما يجزئ في أضحية ، فهو مخير ، والنسك أفضل ، فالصدقة ، فالصيام .

ومثل هذا ، كل ما كان في معنى ذلك ، من تقليم الأظفار ، أو تغطية الرأس ، أو لبس المخيط ، أو الطيب ، فإنه يجوز عند الضرورة ، مع وجوب الفدية المذكورة لأن القصد من الجميع ، إزالة ما به يترفه .

ثم قال تعالى : { فَإِذَا أَمِنْتُمْ } أي : بأن قدرتم على البيت من غير مانع عدو وغيره ، { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ } بأن توصل بها إليه ، وانتفع بتمتعه بعد الفراغ منها .

{ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } أي : فعليه ما تيسر من الهدي ، وهو ما يجزئ في أضحية ، وهذا دم نسك ، مقابلة لحصول النسكين له في سفرة واحدة ، ولإنعام الله عليه بحصول الانتفاع بالمتعة بعد فراغ العمرة ، وقبل الشروع في الحج ، ومثلها القِران لحصول النسكين له .

ويدل مفهوم الآية ، على أن المفرد للحج ، ليس عليه هدي ، ودلت الآية ، على جواز ، بل فضيلة المتعة ، وعلى جواز فعلها في أشهر الحج .

{ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ } أي الهدي أو ثمنه { فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ } أول جوازها من حين الإحرام بالعمرة ، وآخرها ثلاثة أيام بعد النحر ، أيام رمي الجمار ، والمبيت ب " منى " ولكن الأفضل منها ، أن يصوم السابع ، والثامن ، والتاسع ، { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } أي : فرغتم من أعمال الحج ، فيجوز فعلها في مكة ، وفي الطريق ، وعند وصوله إلى أهله .

{ ذَلِكَ } المذكور من وجوب الهدي على المتمتع { لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } بأن كان عند مسافة قصر فأكثر ، أو بعيدا عنه عرفات ، فهذا الذي يجب عليه الهدي ، لحصول النسكين له في سفر واحد ، وأما من كان أهله من حاضري المسجد الحرام ، فليس عليه هدي لعدم الموجب لذلك .

{ وَاتَّقُوا اللَّهَ } أي : في جميع أموركم ، بامتثال أوامره ، واجتناب نواهيه ، ومن ذلك ، امتثالكم ، لهذه المأمورات ، واجتناب هذه المحظورات المذكورة في هذه الآية .

{ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } أي : لمن عصاه ، وهذا هو الموجب للتقوى ، فإن من خاف عقاب الله ، انكف عما يوجب العقاب ، كما أن من رجا ثواب الله عمل لما يوصله إلى الثواب ، وأما من لم يخف العقاب ، ولم يرج الثواب ، اقتحم المحارم ، وتجرأ على ترك الواجبات .


[131]:- في ب: أو إطعام ستة مساكين.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۖ وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۚ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمۡ يَكُنۡ أَهۡلُهُۥ حَاضِرِي ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (196)

وقوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } ، قال ابن زيد والشعبي وغيرهما : إتمامهما أن لا تفسخ وأن تتمهما إذا بدأت بهما .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك( {[1813]} ) ، وفعله عمران بن حصين .

وقال سفيان الثوري : إتمامهما أن تخرج قاصداً لهما لا لتجارة ولا لغير ذلك ، ويؤيد هذا قوله : { لله } .

وقال قتادة والقاسم بن محمد : إتمامهما أن تحرم بالعمرة وتقضيها في غير أشهر الحج ، وأن تتم الحج دون نقص ولا جبر بدم ، وهذا مبني على أن الدم في الحج والعمرة جبر نقص ، وهو قول مالك وجماعة من العلماء . وأبو حنيفة وأصحابه يرون أن كثرة الدم كمال وزيادة ، وكلما كثر عندهم لزوم الدم فهو أفضل ، واحتجوا بأنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أفضل الحج ؟ فقال : العج والثج( {[1814]} ) ، ومالك ومن قال بقوله يراه ثج التطوع .

وقالت فرقة : إتمامهما أن تفرد كل واحدة من حجة وعمرة ولا تقرن ، وهذا على أن الإفراد أفضل .

وقالت فرقة : القرآن أفضل ، وذلك هو الإتمام عندهم .

وقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم وغيرهم : إتمامهما أن تقضي مناسكهما كاملة بما كان فيها من دماء .

وفروض الحج : النية ، والإحرام ، والطواف المتصل بالسعي ، والسعي بين الصفا والمروة عندنا خلافاً لأبي حنيفة ، والوقوف بعرفة ، والجمرة على قول ابن الماجشون ، وأما أعمال العمرة فنية وإحرام ، وطواف ، وسعي .

واختلف في فرض العمرة فقال مالك رحمه الله : هي سنة واجبة( {[1815]} ) لا ينبغي أن تترك كالوتر ، وهي عندنا مرة واحدة في العام( {[1816]} ) ، وهذا قول جمهور أصحابه ، وحكى ابن المنذر( {[1817]} ) في الإشراف عن أصحاب الرأي أنها عندهم غير واجبة ، وحكى بعض القرويين والبغداديين عن أبي حنيفة أنه يوجبها كالحج ، وبأنها سنة .

قال ابن مسعود وجمهور من العلماء ، وأسند الطبري النص على ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر والشافعي وأحمد وإسحاق والشعبي وجماعة تابعين : أنها وجبة كالفرض( {[1818]} ) ، وقاله ابن الجهم من المالكيين .

وقال مسروق : «الحج والعمرة فرض ، نزلت العمرة من الحج منزلة الزكاة من الصلاة » ، وقرأ الشعبي وأبو حيوة «والعمرةُ لله » برفع العمرة على القطع والابتداء ، وقرأ ابن أبي إسحاق «الحجِ » بكسر الحاء ، وفي مصحف ابن مسعود «وأتموا الحج والعمرة إلى البيت لله » ، وروي عنه : «وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت » ، وروي غير هذا مما هو كالتفسير( {[1819]} ) .

وقوله تعالى : { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي }( {[1820]} ) ، قال علقمة وعروة بن الزبير وغيرهما : الآية فيمن أحصر بالمرض لا بالعدو .

وقال ابن عباس وغيره بعكس ذلك ، والمشهور من اللغة أحصر بالمرض وحصر بالعدو ، وفي المجمل لابن فارس حصر بالمرض وأحصر بالعدو .

وقال الفراء : «هما بمعنى واحد في المرض والعدو » .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والصحيح أن حصر إنما هي فيما أحاط( {[1821]} ) وجاور فقد يحصر العدو والماء ونحوه ولا يحصر المرض ، وأحصر معناه جعل الشيء ذا حصر( {[1822]} ) كأقبر وأحمى( {[1823]} ) وغير ذلك ، فالمرض والماء والعدو وغير ذلك قد يكون محصراً لا حاصراً ، ألا ترى أن العدو كان محصراً في عام الحديبية ، وفي ذلك نزلت هذه الآية عند جمهور أهل التأويل ، وأجمع جمهور الناس على أن المحصر بالعدو يحل حيث أحصر ، وينحر هديه إن كان ثم هدي ويحلق رأسه .

وقال قتادة وإبراهيم : يبعث بهديه إن أمكنه فإذا بلغ محله صار حلالاً ولا قضاء عليه عند الجميع إلا أن يكون ضرورة فعليه حجة الإسلام .

وقال ابن الماجشون : «ليست عليه حجة الإسلام وقد قضاها حين أحصر » .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لا وجه له .

وقال أشهب : «يهدي المحصر بعدو هدياً من أجل الحصر » .

وقال ابن القاسم : «لا يهدي شيئاً إلا إن كان معه هدي فأراد نحره » ، ذكره ابن أبي زيد .

وقال عطاء وغيره : المحصر بالمرض كالمحصر بالعدو .

وقال مالك رحمه الله وجمهور من العلماء : المحصر بالمرض لا يحله إلا البيت ، ويقيم حتى يفيق ، وإن قام سنين ، فإذا وصل البيت بعد فوت الحج قطع التلبية في أوائل الحرم وحل بعمرة ، ثم تكون عليه حجة قضاء وفيها يكون الهدي ، وقيل : إن الهدي يجب في وقت الحصر أولاً( {[1824]} ) ، ولم ير ابن عباس من أحصره المرض داخلاً في هذه الآية ، وقال : إن المريض إن لم يكن معه هدي حل حيث حبس ، وإن كان معه هدي لم يحل حتى يبلغ الهدي محله ثم لا قضاء عليه ، قال : وإنما قال الله : { فإذا أمنتم } والأمن إنما هو من العدو فليس المريض في الآية .

و { ما } في موضع رفع ، أي فالجواب أو فعليكم ما استيسر ، ويحتمل أن تكون في موضع نصب أي فانحروا أو فاهدوا ، و { ما استيسر } عند جمهور أهل العلم : شاة .

وقال ابن عمر وعروة بن الزبير { ما استيسر } جمل دون جمل وبقرة دون بقرة .

وقال الحسن : أعلى الهدي بدنة وأوسطه بقرة واخسّه شاة ، و { الهدي } جمع هدية كجدية السرج وهي البراد جمعها جدى( {[1825]} ) ، ويحتمل أن يكون { الهدي } مصدراً سمي به كالرهن ونحوه فيقع للإفراد وللجمع .

وقال أبو عمرو بن العلاء : «لا أعرف لهذه اللفظة نظيراً » .

وقوله تعالى : { ولا تحلقوا رؤوسكم } الآية ، الخطاب لجميع الأمة محصر ومخلى( {[1826]} ) ، ومن العلماء من يراها للمحصرين خاصة ، ومحل الهدي حيث يحل نحره ، وذلك لمن لم يحصر بمنى ولمن أحصر بعد وحيث أحصر إذا لم يمكن إرساله ، وأما المريض فإن كان له هدي فيرسله إلى محله .

والترتيب( {[1827]} ) أن يرمي الحاج الجمرة ثم ينحر ثم يحلق ثم يطوف طواف الإفاضة ، فإن نحر رجل قبل الرمي أو حلق قبل النحر فلا حرج حسب الحديث ولا دم .

وقال( {[1828]} ) قوم : لا حرج في الحج ولكن يهرق دماً .

وقال عبد الملك بن الماجشون من أصحابنا : «إذا حلق قبل أن ينحر فليهد ، وإن حلق رجل قبل أن يرمي فعليه دم قولاً واحداً في المذهب »( {[1829]} ) .

قال ابن المواز ( {[1830]} )عن مالك : ويمر الموسى على رأسه بعد الرمي ، ولا دم في ذلك عند أبي حنيفة وجماعة معه .

وقرأ الزهري والأعرج وأبو حيوة «الهدِيّ » بكسر الدال وشد الياء في الموضعين واحدته هدية ، ورويت هذه القراءة عن عاصم .

وقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً } الآية ، المعنى فحلق لإزالة الأذى { ففدية } ، وهذا هو فحوى الخطاب عند أكثر الأصوليين ، ونزلت هذه الآية في كعب بن عجرة( {[1831]} ) حين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه يتناثر قملاً ، فأمره بالحلاق ونزلت الرخصة . و { فدية } رفع على خبر الابتداء ، والصيام عند مالك وعطاء ومجاهد وإبراهيم وغيرهم وجميع أصحاب مالك : ثلاثة أيام ، والصدقة : ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع ، وذلك مدّان بمدّ النبي صلى الله عليه وسلم( {[1832]} ) ، والنسك : شاة بإجماع ، ومن ذبح أفضل منها فهو أفضل .

وقال الحسن بن أبي الحسن وعكرمة : الصيام عشرة أيام ، والإطعام عشرة مساكين .

وقرأ الزهري «أو نسْك » بسكون السين .

وقال سعيد بن جبير ومجاهد : النسْك شاة ، فإن لم يجدها فقيمتها يشترى بها طعام فيطعم منه مدّان لكل مسكين ، فإن لم يجد القيمة عرفها وعرف ما يشترى بها من الطعام وصام عن كل مدين يوماً .

قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه : ذلك كله حيث شاء( {[1833]} ) ، وقاله إبراهيم وهو مذهب مالك وأصحابه إلا ابن الجهم ، فإنه قال : لا يكون النسك إلا بمكة .

وقال عطاء في بعض ما روي عنه وأصحاب الرأي : النسك بمكة ، والصيام والإطعام حيث شاء .

وقال الحسن بن أبي الحسن وطاوس وعطاء أيضاً ومجاهد والشافعي : النسك والإطعام بمكة ، والصيام حيث شاء ، والمفتدي مخير في أي هذه الثلاثة شاء ، وكذلك قال مالك وغيره في كل ما في القرآن أو فإنه على التخيير .

وقوله تعالى : { فإذا أمنتم } ، قال علقمة وعروة : المعنى إذا برأتم من مرضكم . وقال ابن عباس وقتادة وغيرهما : إذا أمنتم من خوفكم من العدو المحصر ، وهذا أشبه باللفظ إلا أن يتخيل الخوف من المرض فيكون الأمن منه .

وقوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } الآية ، قال عبد الله بن الزبير وعلقمة وإبراهيم : الآية في المحصرين دون المخلى سبيلهم ، وصورة المتمتع عند ابن الزبير أن يحصر الرجل حتى يفوته الحج ثم يصل إلى البيت فيحل بعمرة ويقضي الحج من قابل ، فهذا قد تمتع بما بين العمرة إلى حج القضاء ، وصورة المتمتع المحصر عند غيره أن يحصر فيحل دون عمرة ويؤخرها حتى يأتي من قابل فيعتمر في أشهر الحج ويحج من عامه .

وقال ابن عباس وجماعة من العلماء : الآية في المحصرين وغيرهم ممن خلي سبيله ، وصورة المتمتع أن تجتمع فيه ستة شروط : أن يكون معتمراً في أشهر الحج ، وهو من غير حاضري المسجد الحرام ، ويحل( {[1834]} ) وينشىء الحج من عامه ذلك دون رجوع إلى وطنه أو ما ساواه بعداً . هذا قول مالك واصحابه ، واختلف لم سمي متمتعاً ، فقال ابن القاسم : لأنه تمتع بكل ما لا يجوز للمحرم فعله من وقت حله في العمرة إلى وقت إنشائه الحج( {[1835]} ) ، وقال غيره : سمي متمتعاً لأنه تمتع بإسقاط أحد السفرين ، وذلك أن حق العمرة أن تقصد بسفرة وحق الحج كذلك ، فلما تمتع بإسقاط أحدهما ألزمه الله هدياً كالقارن الذي يجمع الحج والعمرة في سفر واحد .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : هذه شدة على القادم مكة من سائر الأقطار لما أسقط سفراً ، والمكي لا يقتضي حاله سفراً في عمرة ولا حج لأنه في بقعة الحج فلم يلزم شيئاً لأنه لم يسقط شيئاً ، ومن قال إن اسم التمتع وحكمه إنما هو من جهة التمتع بالنساء والطيب وغير ذلك فيرد عليه أنه يستغرق قوله : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } المكي وغيره على السواء في القياس ، فكيف يشتد مع ذلك على الغريب الذي هو أعذر ويلزم هدياً ، ولا يفعل ذلك بالمكي ، فيترجح بهذا النظر أن التمتع إنما هو من أجل إسقاط أحد السفرين ، إلا أن أبا عبيد قال في كتاب الناسخ والمنسوخ له : إن العمرة في أشهر الحج ممنوعة للمكي لا تجوز له ، ورخص الله تعالى للقادم لطول بقائه محرماً وقرن الرخصة بالهدي .

قال القاضي أبو محمد : فهذه شدة على أهل مكة ، وبهذا النظر يحسن أن يكون التمتع من جهة استباحة ما لا يجوز للمحرم ، لكنه قول شاذ لا يعول عليه ، وجل الأمة على جواز العمرة في أشهر الحج للمكي ولا دم عليه ، وذكر أبو عبيد القولين عن ابن عمر واستند إليه في الذي وافقه ، وقد حكاه الطبري عن ابن عباس وقال : إنه قال يا أهل مكة لا متعة لكم ، إن الله قد أحلها لأهل الآفاق وحرمها عليكم ، وإنما يقطع أحدكم وادياً ثم يحرم بعمرة .

قال القاضي أبو محمد : فمعنى هذا أنهم متى أحرموا داموا إلى الحج ، وقال السدي : المتمتع هو الذي يفسخ الحج في العمرة( {[1836]} ) ، وذلك لا يجوز عند مالك ، وفي صحيح مسلم حديث سراقة بن مالك قال : قلت يا رسول الله : فسخ الحج في العمرة ألنا خاصة أم للأبد ؟ فقال : «بل لأبد أبد ، بل لأبد أبد »( {[1837]} ) .

قال القاضي أبو محمد : وإنما شرط في المتمتع أن يحل في أشهر الحج لأنها مدة يملكها الحج فمن كان فيها محرماً فحقه أن يصل الإحرام إلى الحج ، وفي كتاب مسلم إيعاب الأحاديث في هذا المعنى ، ومذهب عمر وقول أبي ذر إن متعة النساء ومتعة الحج خاصتان لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال طاوس : «من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى حج من عامه فهو متمتع » .

وقال الحسن بن أبي الحسن البصري «من اعتمر بعد يوم النحر في بقية العام فو متمتع » ، وهذان قولان شاذان لم يوافقهما أحد من العلماء ، وتقدم القول فيما استيسر من الهدي( {[1838]} ) .

قوله : { لم يجد } إما بعدم المال وإما بعدم الحيوان( {[1839]} ) ، و { في الحج } قال عكرمة وعطاء : له أن يصومها في أشهر الحج وإن كان لم يحرم بالحج .

وقال ابن عباس ومالك بن أنس : له أن يصومها منذ يحرم بالحج .

وقال عطاء أيضاً ومجاهد : لا يصومها إلا في عشر ذي الحجة .

وقال ابن عمر والحسن الحكم : يصوم يوماً قبل يوم التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، وكلهم يقول : لا يجوز تأخيرها عن عشر ذي الحجة لأن بانقضائه ينقضي الحج .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر ومالك بن أنس وجماعة من أهل العلم : من فاته صيامها قبل يوم النحر فله صيامها في أيام التشريق ، لأنها من أيام الحج .

وقال قوم : له ابتداء تأخيرها إلى يوم التشريق لأنه لا يجب عليه الصيام إلا بأن لا يجد يوم النحر .

وقوله تعالى : { وسبعة إذا رجعتم } قال مجاهد وعطاء وإبراهيم : المعنى إذا رجعتم من منى فمن بقي بمكة صامها ، ومن نهض إلى بلده صامها في الطريق .

وقال قتادة والربيع : هذه رخصة من الله تعالى ، والمعنى إذا رجعتم إلى أوطانكم فلا يجب على أحد صوم السبعة إلا إذا وطنه ، إلا أن يتشدد أحد كما يفعل من يصوم في السفر في رمضان ، وقرأ زيد بن علي «وسبعةً » بالنصب ، أي وصوموا سبعة( {[1840]} ) ، ولما جاز أن يتوهم متوهم التخيير( {[1841]} ) بين ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع أزيل ذلك بالجملة من قوله تعالى : { تلك عشرة كاملة }( {[1842]} ) قال الحسن بن أبي الحسن : المعنى كاملة في الثواب كمن أهدى ، وقيل كاملة في الثواب كمن لم يتمتع ، وهذا على أن الحج الذي لم تكثر( {[1843]} ) فيه الدماء أخلص وأفضل خلافاً لأبي حنيفة ، وقيل : { كاملة } توكيد كما تقول كتبت بيدي ، وكقوله تعالى : { فخر عليهم السقف من فوقهم }( {[1844]} ) [ النحل : 6 ] ، وقيل : لفظها الإخبار ومعناها الأمر أي أكملوها فذلك فرضها .

وقال الاستاذ الأجل أبو الحسن علي بن أحمد( {[1845]} ) : المعنى تلك كاملة ، وكرر الموصوف تأكيداً كما تقول زيد رجل عاقل( {[1846]} ) .

وقوله تعالى : { ذلك لمن لم يكن أهله } الآية ، الإشارة إلى التمتع وهديه وحكمه ، وهذا على قول من يرى أن المكي لا تجوز له المتعة في أشهر الحج ، فكان الكلام ذلك الترخيص ، ويتأيد هذا بقوله { لمن } ، لأن اللام أبداً إنما تجيء مع الرخص ، تقول لك أن تفعل كذا ، وأما مع الشدة فالوجه أن تقول عليك ، وأما من يرى أن المكي يعتمر ولا دم عليه لأنه لم يسقط سفراً فالإشارة بذلك -على قوله - هي إلى الهدي ، أي ذلك الاشتداد والإلزام .

واختلف الناس في { حاضري المسجد الحرام } بعد الإجماع على أهل مكة وما اتصل بها ، وقال الطبري : بعد الإجماع على أهل الحرم ، وليس كما قال : فقال بعض العلماء : من كان حيث تجب الجمعة عليه بمكة فهو حضري ، ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي .

قال القاضي أبو محمد : فجعل اللفظة من الحضارة والبداوة ، وقال بعضهم : من كان بحيث لا تقصر الصلاة إلى مكانه فهو حاضر أي شاهد ، ومن كان أبعد من ذلك فهو غائب ، وقال عطاء بن أبي رباح : مكة وضجنان( {[1847]} ) وذو طوى وما أشبهها حاضرو المسجد الحرام .

وقال ابن عباس ومجاهد : أهل الحرم كله حاضرو المسجد الحرام ، وقال مكحول( {[1848]} ) وعطاء : من كان دون المواقيت من كل جهة حاضروا المسجد الحرام .

وقال الزهري : من كان على يوم أو يومين فهو من حاضري المسجد الحرام( {[1849]} ) ، ثم أمر تعالى بتقواه على العموم ، وحذر من شديد عقابه .


[1813]:- المراد قبل المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيحسن أن يحرم وهو في داره وبين أهله.
[1814]:- يقال: ثجَّ الماء والدم ثجًّا وثُجُوجاً: سال، فهو ثَجَّاج ومنه قوله تعالى: [وأنزلنا من المعصرات ماء ثجَّاجاً] والعجّ: رفع الصوت بالتلبية، والثَّج: إسالة دماء الهدايا. والحديث رواه الإمام الترمذي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وهو حديث غريب ولكنه للترغيب.
[1815]:- أي مؤكدة، ولا تدل الآية على وجوبها، لأن الله إنما قرنها بالحج في وجوب الإتمام لا في وجوب الابتداء بها. وابتدأ الصلاة والزكاة فقال: [وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة]، وابتدأ بإيجاب الحج فقال: [ولله على الناس حجّ البيت] الآية، وعندما ذكر العمرة أمر بإتمامها لا غير، ويشهد لذلك أيضا حديث جابر بن عبد الله، عند الترمذي، والدارقطني: (أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة والزكاة والحج أواجب هو ؟ قال: نعم، فسأله عن العمرة أواجبة هي ؟ فقال: لأن تعتمر خير لك). ويشهد لذلك أيضا قراءة الشعبي، وأبي حَيْوة: (والعمرة لله) برفع التاء في العمرة. وقراءة الجماعة تدل على وجوب الإتمام ليس إلا، والذين يقولون بالوجوب يقولون: الأمر بإتمامها أمر بها، ويستدلون ببعض الأحاديث، والجمع بين الأدلة هو أن العمرة بعد الشروع فيها واجبة، وقبل الشروع فيها غير واجبة.
[1816]:- يعني أنها لا تكرر في العام. وفي الحديث: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة)، أي في أشهره، وقد كانوا في الجاهلية لا يقيمونها في أوقات الحج.
[1817]:- هو أبو بكر محمد بن إبراهيم النيسابوري، كان فقيها عالما. صنّف في اختلاف العلماء كتبا لم يصنف مثلها منها كتاب "الإشراف في مذاهب الأشراف" وهو كتاب كبير يدل على كثرة اطلاعه على مذاهب الأئمة، وكانت وفاته كما في "شذرات الذهب" سنة 316هـ.
[1818]:- يريد كالحج.
[1819]:- يعني أن ما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه من باب التفسير للآية، لمخالفته لسواد المصحف الذي أجمع عليه المسلمون.
[1820]:- قال ابن عطية رحمه الله عند قوله تعالى: [للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله] الآية: وذهب بعض اللغويين إلى أن أُحصر وحُصر بمعنى واحد من الحَبْس والمنع سواء كان ذلك بعدوّ أو مرض ونحوه من الأعذار، حكاه ابن سيده، وغيره. وفسر السدي هنا الإحصار بأنه بالعدو، وذهب بعضهم إلى أن أُحْصر إنما يكون بالمرض والأعذار، وحُصر بالعدوّ، وعلى هذا فسر ابن زيد وقتادة، ورجحه الطبري، وتأول في هذه الآية أنهم حابسوا نفسهم بربقة الدين وقصد بالجهاد وخوف العدو إذا أحاط بهم لكفر، فصار خوف العدو عذرا أُحصروا به قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هذا متجه كأن هذه الأعذار أحصرتهم أي جعلتهم ذوي حَصَر كما قالوا: قبَره أي أدخله في قبره، وأقبره: جعله ذا قبر، فالعدو وكل محيط محصر، والأعذار المانعة تُحصر بضم التاء وكسر الصاد – أي تجعل المرء كالمحاط به. انتهى.
[1821]:- يريد: فيما أحاط بالشيء وجاوره وضيَّق عليه، فالعدو هنا حاصِر لا مُحْصر، وقد يكون العدو محْصَراً لا حاصِراً كما في قضية الحديبية، فإن العدو لم يكن محيطا بالمسلمين ولكنه كالمحيط بهم.
[1822]:- أي جعله يحصر نفسه.
[1823]:- أقبر فلانا جعل له قبرا، وأحمى المكان جعله حمى.
[1824]:- قال عزّ الدين بن عبد السلام – في قواعد الأحكام – ما ذكره مالك، والشافعي من أن التحلل يكون بحصر العدوّ دون حصر العذر والمرض لا نظير له في الشريعة السمحة التي قال الله فيها: [وما جعل عليكم في الدين من حرج] [يريد الله أن يخفف عنكم] [يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر]. فإنّ من انكسرت رجله وتعذر عليه أن يعود إلى الحج والعمرة يبقى في بقية عمره حاسر الرأس متجردا من اللباس ممنوعا من النكاح والطيب وقلم الأظافر وحلق الشعر وهذا بعيد من رحمة الشارع ورفقه ولطفه بعباده ا هـ. وهذا تأييد لكون التحلل كما يكون في حصر العدوّ يكون في إحصار الأعذار والأمراض والله أعلم.
[1825]:- جَدْيَة السرج هي رفادته، أي دعامته من لبد أو أديم تستبطن دفّي السرج والرحل.
[1826]:- يشير بهذا إلى أن الآية معطوفة على قوله تعالى: [فإن أُحصرتم فما استيسر من الهدي] كما قال الإمام ابن جرير رحمه الله، وقال (ك): هو معطوف على قوله تعالى: [وأتموا الحج والعمرة لله] فإن النبي صلى الله عليه وسلم –عام الحديبية- حلق ونحر خارج الحرم، وقد تصرف ابن عطية رحمه الله في هذا المحل تصرفا لائقا.
[1827]:- أي ترتيب ما يفعل يوم النحر، فإذا خالف هذا الترتيب فلا حرج كما في حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص، وفي حديث ابن عباس.
[1828]:- في بعض النسخ وقال أصحاب الرأي.
[1829]:- قال الشيخ خليل رحمه الله عاطفا على ما فيه الدم: وتقديم الحلق أو الإفاضة على الرمي لا إن خالف في غير. انتهى. واعترض عليه بأن الواجب في تقديم الحلق على الرمي الفدية لا الدم لوقوعه قبل شيء من التحلل، والقاعدة عند الفقهاء أن الدم إنما ينصرف للهدي.
[1830]:- هو محمد بن سعيد الموثق أبو عبد الله القرطبي. كان من علماء المذهب المالكي راجع الديباج 265.
[1831]:- صحابي جليل، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر بن الخطاب – كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية، وهو الذي نزلت فيه الفدية، قيل إنه توفي سنة (51) هـ الإصابة 5 – 304.
[1832]:- قال الشيخ خليل في مختصره: والفدية فيما يترفه به أو يزيل أذى، ثم قال: وهي نسك بشاء فأعلى، أو إطعام ستة مساكين لكل مُدّان كالكفارة، أو صيام ثلاثة أيام ولو أيام منى.
[1833]:- بمكة أو بغيرها، قال شيخ المالكية في مختصره: ولم تختص بزمان أو مكان. انتهى. فالفدية ليست كالهدي الذي لا يكون إلا بمكة ويوم النحر.
[1834]:- إنما كان من شرط المتمتع أن يحل في أشهر الحج لأنها مدة يملكها الحج، فمن كان محرما فيها فحقه أن يصل الإحرام إلى الحج، فلما حل وجب عليه الدم.
[1835]:- بيان ذلك أنه يتمتع بكل ما يمنع منه المحرم من طيب ونساء وغير ذلك. وقيل: إن وجه ذلك أنه أسقط سفرا لأن كلا من الحج والعمرة يستحق سفرا – والتعليل الأول في نظر ابن عطية ضعيف كما يأتي له، وإن كان غيره يعتبره ويعتد به.
[1836]:- وإنما فسخ النبي صلى الله عليه وسلم الحج في العمرة ليريهم أن العمرة في أشهر الحج لا بأس بها، وكان ذلك له ولمن معه بخاصة، لأن الله سبحانه قد أمر بإتمام الحج والعمرة كل من دخل فيهما أمرا مطلقا، ويجب ألا يخالف ظاهر الكتاب، إلا إلى ما لا إشكال فيه من كتاب ناسخ أو سنة مبيّنة، وفسخ الحج في العمرة، وإرداف العمرة على الحج كلاهما ممنوع عند الإمام مالك رحمه الله. وعليه فالأقسام خمسة: إفراد، وتمتّع، وقِران، وللإنسان أن يؤدي الحج أو العمرة بأي نوع من هذه الأنواع الثلاثة، إلا أن الأفضل عند المالكية هو الإفراد. وأما فسخ الحج في العمرة، وإرداف العمرة على الحج فهما ممنوعان عند المالكية وإرداف الحج على العمرة بعد الفراغ منها تمتع، وقبل الفراغ منها قران. وأما إرداف العمرة على الحج في وادي العقيق لما قال له صلى الله عليه وسلم: (قل: عمرة في حجة) فخصوصية كفسخ أصحابه الحج إلى العمرة، وكل ذلك كان إزالة لما تقرر في نفوسهم من أن العمرة في وقت الحج من أفجر الفجور.
[1837]:- سراقة بن مالك صحابي مشهور، وهو صاحب القصة المعروفة في الهجرة النبوية الكريمة. وفي حديث جابر الطويل في كتاب "مسلم" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي وجعلتها عمرة، فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد ؟ فشبّك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه واحدة في الأخرى وقال: دخلت العمرة في الحج. مرتين، لا، بل لأبد أبد. وفي سنن النسائي قال: سراقة: يا رسول الله. أرأيت عمرتنا هذه لعامنا هذا أو للأبد ؟ قال: هي للأبد. وفي رواية أخرى: ألنا خاصة أم لأبد ؟ قال: بل لأبد. وفي رواية: يا رسول الله – أفسخ الحج لنا خاصة أم للناس عامة ؟ قال: بل لنا خاصة. هذا رد على أهل الجاهلية الذين كانوا يقولون: «إذا برأ الدَّبَر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر حلّت العمرة لمن اعتمر».
[1838]:- في نفس هذه الآية عند قوله تعالى: [فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي].
[1839]:- مفعول (يجد) محذوف لفهم المعنى، والتقدير كما وضح ابن عطية: فمن لم يجد ما استيسر من الهدي، أو لم يجد الثمن.
[1840]:- خرجه الزمخشري بأنه عطف على محل ثلاثة أيام. كأنه قيل: فصيام ثلاثة أيام، كقولك: أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما – قال (ح) بعد أن روى كلام الزمخشري: «وخرجه الحوفي وابن عطية على إضمار فعل" ثم قال: وهو التخريج الذي لا ينبغي أن يُعدل عنه لأنا قد قررنا أن العطف على المحلِّ لا بد فيه من المحرز». راجع البحر المحيط 2-79.
[1841]:- بأن يظن أن (الواو) بمعنى (أو) فيكون كأنه قال: (فصيام ثلاثة أيام في الحج أو سبعة إذا رجعتم) لأنه إذا استعمل (أو) بمعنى (الواو) جاز أن يستعمل (الواو) بمعنى (أو) كقوله تعالى: [فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع] فالواو هنا بمعنى (أو).
[1842]:- قال ابن عرفة: «مذهب العرب إذا ذكروا عددين أن يجملوهما» كما قال الفرزدق: ثلاث واثنثان فَهُنَّ خَمْـــسٌ وسادسةٌ تَمِيل إلى شَمــــام وكقول النابغة: تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لها فَعَرَفْتُهَـــا لِسِتَّةِ أعْوام وذا العام سابِــعُ وقد حسّن الزمخشري هذا القول بأن قال: «فائدة الفذلكة في كل حساب أن يعلم العدد جملة كما علم تفصيلا ليحاط به من جهتين فيتأكد العلم».
[1843]:- وفي بعض النسخ: "لم تكن".
[1844]:- من الآية (26) من سورة (النحل).
[1845]:- تقدمت الإشارة إليه في الجزء الأول ص 379 من هذا الكتاب، عند تفسير قوله تعالى: [ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم]، وهو من علماء غرناطة، برع في اللغة والشريعة، واهتم بدراسة كثير من كتب النحو وبخاصة كتاب سيبويه. توفي سنة 538 هـ.
[1846]:- رأي الأستاذ أبو الحسن كما نقله (ح) بنصه: «أتى بعشرة توطئة للخبر بعدها لا أنها هي الخبر المستقل به فائدة الإسناد، فجيء بها للتوكيد، كما تقول: «زيد رجل صالح» البحر المحيط 2-79.
[1847]:- قال الأزهري: أما (ضجن) فلم أسمع فيه شيئا غير جبل بناحية تهامة يقال له: ضَجْنَان وجاء في اللسان: ضجنان: جبيل بناحية مكة.
[1848]:- هو عبد الله مكحول بن عبد الله الشامي: قيل: لم يكن في زمانه أبصر منه بالفُتيا. توفي سنة 113 هـ (4-368 وفيات الأعيان).
[1849]:- حاضر الشيء: القريب منه، ومنه قوله تعالى: [واسأل القرية التي كانت حاضرة البحر] أي قريبة منه، والقريب كالحاضر. وفي "المعجم الوسيط": «وخلاف البادية، وهي: المدن والقرى والريف».0