قوله تعالى : { وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة لِلَّهِ } ، قرأ الشعبي : { والعمرة لِلَّهِ } بالضم على معنى الابتداء ، وقرأ العامة { والعمرة } بالنصب على معنى البناء . قال ابن عباس : تمام العمرة إلى البيت ، وتمام الحج إلى آخر الحج . وقال مقاتل : { وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة لِلَّهِ } من المواقيت ، ولا تستحلوا فيهما ما لا ينبغي لكم ؛ وذلك أنهم كانوا يشركون في إحرامهم . ومعنى قول مقاتل : أنهم كانوا يشركون فيقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما ملك . فقال : وأتموهما ولا تخلطوا بهما شيئاً آخر . ثم خوَّفهم فقال : { واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب } ، فيما تعديتم .
ثم قال عز وجل : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } ، أي حبستم عن البيت بعدما أحرمتم . وقال القتبي : الإحصار هو أن يعرض للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مرض أو كسر أو عدو . وقال الفراء : الإحصار ما ابتلي به الرجل في إحرامه من المرض أو العدو وغيره . وقال بعضهم : لا يكون الإحصار إلا من العدو . وقال بعضهم : يكون من العدو وغيره ، وبه قال علماؤنا رحمهم الله .
ثم قال : { فَمَا استيسر مِنَ الهدى } ، أي ابعثوا إلى البيت ما استيسر من الهدي ، والله تعالى رخص لمن عجز عن الوصول إلى البيت بالعدو أن يبعث الهدي ، فينزع عنه بمكة ، ويحل الرجل من إحرامه إذا ذبح هديه ، ويرجع إلى أهله ، ثم يقضي حجه وعمرته بعد ذلك . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُءوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدى مَحِلَّهُ } ، يعني المحصر إذا بعث بالهدي ، لا يجوز له أن يحل من إحرامه ما لم يذبح هديه . يقول : لا يحلق رأسه ، حتى يكون اليوم الذي واعده فيه ، ويعلم أن هديه قد ذبح . ثم صار هذا أصلاً لجميع الحجاج من كان قارناً أو متمتعاً ، لا يجوز له أن يحلق رأسه إلا بعد أن يذبح هديه وإن لم يكن محصراً .
ثم قال تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ } ، يعني إذا حلق رأسه على وجه الإضمار مثل قوله تعالى : { أَيَّامًا معدودات فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ البقرة : 184 ] يعني إذا كان أفطر . وروي عن كعب بن عجرة أنه قال : فيَّ نزلت هذه الآية . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بي والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : « أيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ ؟ » فقلت : نعم . فأمر بي بأن أحلق رأسي فقال : « احْلِقْ رَأْسَكَ ، وَأَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِين ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ ، أَوْ صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَنْسِكْ نَسِيكَةً »
يعني اذبح شاة ، فنزلت هذه الآية : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } ، أي شاة يذبحها { حتى يبلغ الهدي محله } ويروى عن عبد الرحمن الأعرج أنه قرأها : بتشديد الياء . وواحدها هدية . وقرأ الباقون : بالتخفيف يقال للواحدة : هدي وهدية .
ثم قال : { فَإِذَا أَمِنتُمْ } وهذا على سبيل الاختصار والإضمار . ومعناه فإذا أمنتم من العدو ، فاقضوا ما وجب عليكم من الحج والعمرة . ويقال : إذا أمنتم من العدو وبرأتم من المرض ، فحجوا واعتمروا . { فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج فَمَا استيسر مِنَ الهدي } ، يعني فعليه ما تيسر من الهدي ؛ وللمتمتع أن يحج ويعتمر في سفرة واحدة من أشهر الحج . والمحرمون أربعة : مفرد بالحج ومفرد بالعمرة والمتمع والقارن ، فأما المفرد بالحج أن يحج ويعتمر والمفرد بالعمرة أن يعتمر ولا يحج ، وأما المتمتع أن يعتمر في أشهر الحج ويمكث بمكة حتى يحج بعدما فرغ من عمرته ، وأما القارن فهو الذي يحرم بالحج والعمرة جميعاً . فمن كان مفرداً بالحج أو بالعمرة ، فلا يجب عليه الهدي ؛ ومن كان متمتعاً أو قارناً ، فعليه الهدي . وقال عبد الله بن عمر أنه قال : الهدي : الجزور . وقال ابن عباس : أقله شاة ؛ وبه قال علماؤنا .
ثم قال { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } الهدي { فَصِيَامُ ثلاثة أَيَّامٍ فِي الحج } . قال ابن عباس : آخرها يوم عرفة . { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } . قال بعضهم : { إذا رجعتم } إلى أهليكم . وقال بعضهم : إذا رجعتم من منى . وقال بعضهم : إذا رجعتم إلى الأمر الأول ، يعني إذا فرغتم من أمر الحج ؛ وبهذا القول نقول . ثم قال : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } ، في البدل يعني العشرة الكاملة كلها بدل عن الهدي ، يعني { ذلك } الفداء { لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام } ، أي ذلك الفداء لمن لم يكن منزله في الحرم . وقال قتادة ومقاتل : ذلك يعني التمتع لمن لم يكن أهله { حاضرو المسجد الحرام } يعني الحرم . { واتقوا الله } فيما أمركم به ونهاكم عنه . { واعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب } إن خالفتم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.