قوله : { وَأَتِمُّوا الحج } اختلف العلماء في المعنى المراد بإتمام الحج ، والعمرة لله ، فقيل : أداؤهما ، والإتيان بهما ، من دون أن يشوبهما شيء مما هو محظور ، ولا يخلّ بشرط ، ولا فرض لقوله تعالى : { فَأَتَمَّهُنَّ } [ البقرة : 124 ] وقوله : { ثُمَّ أَتِمُّوا الصيام إِلَى اليل } [ البقرة : 187 ] . وقال سفيان الثوري : إتمامهما أن تخرج لهما لا لغيرهما ، وقيل : إتمامهما أن تفرد كل واحد منهما من غير تمتُّعٍ ، ولا قِرَان ، وبه قال ابن حبيب . وقال مقاتل : إتمامهما ألا يَسْتَحِلوا فيهما ما لا ينبغي لهم ، وقيل : إتمامهما أن يُحِرْم لهما من دُوَيْرة أهله ، وقيل : أن ينفق في سفرهما الحلال الطيب ، وسيأتي بيان سبب نزول الآية ، وما هو مرويّ عن السلف في معنى إتمامهما .
وقد استُدِل بهذه الآية على وجوب العمرة ؛ لأن الأمر بإتمامهما أمر بها ، وبذلك قال عليّ ، وابن عمر ، وابن عباس ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، والحسن ، وابن سيرين ، والشعبي ، وسعيد بن جبير ، ومسروق ، وعبد الله بن شدّاد ، والشافعي ، وأحمد . وإسحاق ، وأبو عبيد ، وابن الجهم من المالكية . وقال مالك والنخعي وأصحاب الرأي كما حكاه ابن المنذر عنهم : أنها سنة . وحكى عن أبي حنيفة أنه يقول بالوجوب . ومن القائلين بأنها سنة ابن مسعود وجابر بن عبد الله . ومن جملة ما استدل به الأوّلون ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال لأصحابه : «من كان معه هَدي فلْيُهِلّ بحج وعمرة » وثبت عنه أيضاً في الصحيح أنه قال : «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة » وأخرج الدارقطني ، والحاكم من حديث زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الحجّ والعمرة فريضتان لا يضرّك بأيهما بدأت » واستدل الآخرون بما أخرجه الشافعي في الآية ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، عن أبي صالح الحنفي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الحجّ جهاد ، والعمرة تطوّع » وأخرج ابن ماجه عن طلحة بن عبيد الله مرفوعاً مثله . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، والترمذي وصححه عن جابر : «أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العمرة أواجبة هي ؟ قال : «لا ، وأن تعتمروا خير لكم » وأجابوا عن الآية ، وعن الأحاديث المصرحة بأنها فريضة بحمل ذلك على أنه قد وقع الدخول فيها ، وهي بعد الشروع فيها واجبة بلا خلاف ، وهذا ، وإن كان فيه بُعْدٌ ، لكنه يجب المصير إليه ؛ جمعاً بين الأدلة ، ولا سيما بعد تصريحه صلى الله عليه وسلم بما تقدّم في حديث جابر من عدم الوجوب ، وعلى هذا يحمل ما ورد مما فيه دلالة على وجوبها ، كما أخرجه الشافعي في الأم ، أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم :
" إن العمرة هي الحج الأصغر " وكحديث ابن عمر عند البيهقي في الشعب قال : «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أوصني ، " فقال : تعبد الله ، ولا تشرك به شيئاً ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم شهر رمضان ، وتحجّ وتعتمر ، وتسمع وتطيع ، وعليك بالعلانية ، وإياك والسرّ " وهكذا ينبغي حمل ما ورد من الأحاديث التي قرن فيها بين الحج والعمرة في أنهما من أفضل الأعمال ، وأنهما كفارة لما بينهما ، وأنهما يهدمان ما كان قبلهما ونحو ذلك .
قوله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } الحصر : الحبس . قال أبو عبيدة ، والكسائي ، والخليل : إنه يقال أحصِر بالمرض ، وحُصِر بالعدّو . وفي المجمل لابن فارس العكس ، يقال : أحصر بالعدّو ، وحُصر بالمرض . ورجح الأوّل ابن العربي ، وقال : هو رأي أكثر أهل اللغة . وقال الزجاج : أنه كذلك عند جميع أهل اللغة ، وقال الفراء : هما بمعنى واحد في المرض ، والعدّو . ووافقه على ذلك أبو عمرو الشيباني فقال : حصرني الشي ، وأحصرني : أي : حبسني . وبسبب هذا الاختلاف بين أهل اللغة اختلف أئمة الفقه في معنى الآية ، فقالت الحنفية : المحصر من يصير ممنوعاً من مكة بعد الإحرام بمرض ، أو عدوّ أو غيره . وقالت الشافعية ، وأهل المدينة المراد بالآية : حصر العدّو . وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن المحصر بعدوّ يحل حيث أحصر ، وينحر هديه إن كان ثمّ هدي ، ويحلق رأسه ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو ، وأصحابه في الحديبية .
وقوله : { فَمَا استيسر مِنَ الهدى } «ما » في موضع رفع على الابتداء ، أو الخبر ، أي : فالواجب أو فعليكم ، ويحتمل أن يكون في موضع نصب ، أي : فانحروا ، أو فاهدوا ما استيسر أي : ما تيسر ، يقال يَسُر الأمر ، واستيسر ، كما يقال صَعُب واستصعب ، والهَدي ، والهَدِيّ لغتان ، وهما جمع هدية ، وهي ما يهدى إلى البيت من بدنة ، أو غيرها . قال الفراء : أهل الحجاز وبنو أسد يخففون الهدي ، وتميم ، وسفلي قيس يثقلون . قال الشاعر :
حَلْفتُ بِربّ كعبة والمصلى *** وأعْناقِ الْهَدِىّ مُقَلَّداتِ
قال : وواحد الهدي هدية ، ويقال في جمع الهديّ : أهد . واختلف أهل العلم في المراد بقوله : { مَا استيسر } فذهب الجمهور إلى أنه شاة . وقال ابن عمر وعائشة ، وابن الزبير : جمل أو بقرة . وقال الحسن : أعلا الهدي بَدَنَة ، وأوسطه بقرة ، وأدناه شاة ، وقوله : { وَلاَ تَحْلِقُوا رُءوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدى مَحِلَّهُ } هو خطاب لجميع الأمة من غير فرق بين مُحْصَر ، وغير مُحَصر ، وإليه ذهب جمع من أهل العلم ، وذهبت طائفة إلى أنه خطاب للمُحْصَرين خاصة : أي : لا تحلوا من الإحرام حتى تعلموا أن الهدى الذي بعثتموه إلى الحرم قد بلغ مَحِلَّه ، وهو الموضع الذي يحلّ فيه ذبحُه .
واختلفوا في تعيينه ، فقال مالك ، والشافعي : هو موضع الحصر ، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أحصر في عام الحديبية . وقال أبو حنيفة : هو : الحرم لقوله تعالى : { ثُمَّ مَحِلُّهَا إلى البيت العتيق } [ الحج : 33 ] وأجيب عن ذلك بأن المخاطب به هو الآمن الذي يمكنه الوصول إلى البيت . وأجاب الحنفية عن نحره صلى الله عليه وسلم في الحديبية بأن طرف الحديبية الذي إلى أسفل مكة هو من الحرم . ورُدَّ بأن المكان الذي وقع فيه النحر ليس هو من الحرم .
قوله : { فَمَن كَانَ مِنكُم مرِيضًا } الآية ، المراد بالمرض هنا : ما يصدق عليه مسمى المرض لغة . والمراد بالأذى من الرأس : ما فيه من قمل ، أو جراح ، ونحو ذلك ، ومعنى الآية : أن من كان مريضاً ، أو به أذى من رأسه ، فحلق فعليه فدية . وقد بينت السنة ما أطلق هنا من الصيام ، والصدقة ، والنسك ، فثبت في الصحيح : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى كعب بن عَجْرَة ، وهو مُحْرِم ، وقملهُ يتساقط على وجهه ، " فقال : أيؤذيك هَوَامُّ رأسك ؟ " قال : نعم ، " فأمره أن يحلق ، ويطعم ستة مساكين ، أو يُهْدِي شاة ، أو يصوم ثلاثة أيام " وقد ذكر ابن عبد البرّ أنه لا خلاف بين العلماء أن النسك هنا هو : شاة .
وحكى عن الجمهور أن الصوم المذكور في الآية ثلاثة أيام ، والإطعام لستة مساكين . وروى عن الحسن وعكرمة ونافع أنهم قالوا : الصوم في فدية الأذى عشرة أيام ، والإطعام عشرة مساكين . والحديث الصحيح المتقدّم يردّ عليهم ، ويبطل قولهم . وقد ذهب مالك والشافعي وأبو حنيف وأصحابهم وداود إلى أن الإطعام في ذلك مُدَّان بمُدّ النبي صلى الله عليه وسلم أي : لكل مسكين ، وقال الثوري : نصف صاع من برّ ، أو صاع من غيره . وروى ذلك عن أبي حنيفة . قال ابن المنذر : وهذا غلط ؛ لأن في بعض أخبار كعب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له : " تصدق بثلاثة أصوع من تمر على ستة مساكين " واختلفت الرواية عن أحمد بن حنبل ، فروى عنه مثل قول مالك ، والشافعي ، وروي عنه أنه إن أطعم بُرّاً ، فمدٌّ لكل مسكين ، وإن أطعم تمراً ، فنصف صاع . واختلفوا في مكان هذه الفدية ، فقال عطاء : ما كان من دم ، فبمكة ، وما كان من طعام ، أو صيام ، فحيث شاء . وبه قال أصحاب الرأي . وقال طاوس ، والشافعي : الإطعام ، والدم لا يكونان إلا بمكة ، والصوم حيث شاء . وقال مالك ومجاهد : حيث شاء في الجميع ، وهو : الحق لعدم الدليل على تعيين المكان .
قوله : { فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج فَمَا استيسر مِنَ الهدى } أي : برأتم من المرض . وقيل : من خوفكم من العدّو على الخلاف السابق ، ولكن الأمن من العدوّ أظهر من استعمال أمنتم في ذهاب المرض ، فيكون مقوّياً لقول من قال إن قوله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } المراد به : الإحصار من العدّو ، كما أن قوله : { فَمَن كَانَ مِنكُم مرِيضًا } يقوّي قول من قال بذلك لإفراد عذر المرض بالذكر .
وقد وقع الخلاف : هل المخاطب بهذا هم المحصرون خاصة أم جميع الأمة على حسب ما سلف ؟ والمراد بالتمتع المذكور في الآية : أن يحرم الرجل بعمرة ، ثم يقيم حلالاً بمكة إلى أن يحرم بالحج ، فقد استباح بذلك ما لا يحلّ للمُحْرِم استباحته ، وهو معنى : تمتع واستمتع ، ولا خلاف بين أهل العلم في جواز التمتع ، بل هو عندي أفضل أنواع الحج كما حررته في شرحي على المنتقى . وقد تقدّم الخلاف في معنى قوله : { فَمَا استيسر مِنَ الهدى } قوله : { فَمَن لمْ يَجِدْ } الآية ، أي : فمن لم يجد الهدي ، إما لعدم المال ، أو لعدم الحيوان ، صام ثلاثة أيام في الحج ، أي : في أيام الحج ، وهي من عند شروعه في الإحرام إلى يوم النحر . وقيل : يصوم قبل يوم التروية يوماً ، ويوم التروية ، ويوم عرفة . وقيل : ما بين أن يحرم بالحج إلى يوم عرفة ، وقيل : يصومهنّ من أوّل عشر ذي الحجة ، وقيل : ما دام بمكة . وقيل : إنه يجوز أن يصوم الثلاث قبل أن يحرم . وقد جوز بعض أهل العلم صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي ، ومنعه آخرون . قوله : { وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } قرأه الجمهور بخفض سبعة ، وقرأ زيد بن عليّ ، وابن أبي عبلة بالنصب على أنه معمول بفعل مقدّر ، أي : وصوموا سبعة ، وقيل : على أنه معطوف على ثلاثة ؛ لأنها ، وإن كانت مجرورة لفظاً ، فهي في محل نصب كأنه قيل : فصيام ثلاثة . والمراد بالرجوع هنا : الرجوع إلى الأوطان . قال أحمد وإسحاق : يجزيه الصوم في الطريق ، ولا يتضيق عليه الوجوب إلا إذا وصل وطنه ، وبه قال الشافعي وقتادة والربيع ومجاهد وعطاء وعكرمة والحسن وغيرهم . وقال مالك : إذا رجع من مِنىً ، فلا بأس أن يصوم . والأوّل أرجح ، وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عمر أنه قال صلى الله عليه وسلم : " فمن لم يجد ، فليصم ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله " فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الرجوع المذكور في الآية هو : الرجوع إلى الأهل ، وثبت أيضاً في الصحيح من حديث ابن عباس بلفظ : «وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم » ، وإنما قال سبحانه : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } مع أن كل أحد يعلم أن الثلاثة ، والسبعة عشرة لدفع أن يتوهم متوهم التخيير بين الثلاثة الأيام في الحج ، والسبعة إذا رجع . قاله الزجاج . وقال المبرد : ذكر ذلك ليدل على انقضاء العدد لئلا يتوهم متوهّم أنه قد بقي منه شيء بعد ذكر السبعة . وقيل : هو : توكيد كما تقول : كتبت بيدي . وقد كانت العرب تأتي بمثل هذه الفذلكة فيما دون هذا العدد ، كقول الشاعر :
ثلاث واثنتان فهنَّ خمس *** وسادسة تميل إلى سهامي
ثلاث بالعداد وذاك حسبي *** وست حين يدركني العشاء
فذلك تسعة في اليوم ريّ *** وشرب المرء فوق الري داء
وقوله : { كَامِلَةٌ } توكيد آخر بعد الفذلكة لزيادة التوصية بصيامها ، وأن لا ينقص من عددها . وقوله : { ذلك لِمَن لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى المسجد الحرام } الإشارة بقوله : ذلك قيل : هي راجعة إلى التمتع ، فتدل على أنه لا متعة لحاضري المسجد الحرام ، كما يقوله أبو حنيفة وأصحابه . قالوا : ومن تمتع منهم كان عليه دم ، وهو دم جناية لا يأكل منه . وقيل : إنها راجعة إلى الحكم ، وهو وجوب الهدي ، والصيام ، فلا يجب ذلك على من كان من حاضري المسجد الحرام ، كما يقوله الشافعي ، ومن وافقه . والمراد بمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام : من لم يكن ساكناً في الحرم ، أو من لم يكن ساكناً في المواقيت ، فما دونها على الخلاف في ذلك بين الأئمة . وقوله : { واتقوا الله } أي : فيما فرضه عليكم في هذه الأحكام ، وقيل : هو أمر بالتقوى على العموم ، وتحذير من شدّة عقاب الله سبحانه .
وقد أخرج ابن أبي حاتم ، وأبو نعيم في الدلائل ، وابن عبد البرّ في التمهيد ، عن يعلى بن أمية ؛ قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو بالجِعِرانة ، وعليه جبة ، وعليه أثر خَلُوق ، فقال : كيف تأمرني يا رسول الله أن أصنع في عمرتي ؟ فأنزل الله : { وَأَتِمُّوا الحج والعمرة لِلَّهِ } فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أين السائل عن العمرة ؟ » فقال : ها أنذا ، قال : «اخلع الجبة ، واغسل عنك أثر الخَلُوق ، ثم ما كنت صانعاً في حجك ، فاصنعه في عمرتك » وقد أخرجه البخاري ، ومسلم ، وغيرهما من حديثه ، ولكن فيهما أنه نزل عليه صلى الله عليه وسلم الوحي بعد السؤال ، ولم يذكر ما هو الذي أنزل عليه . وأخرج ابن أبي شيبة ، عن عليّ في قوله : { وَأَتِمُّوا الحج والعمرة لِلَّهِ } قال : أن تحرم من دُويْرة أهلك . وأخرج ابن عديّ ، والبيهقي مثله من حديث أبي هريرة مرفوعاً . وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر قال : من تمامهما أن يُفْرِد كل واحد منهما عن الآخر ، وأن يعتمر في غير أشهر الحجّ . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس قال : تمام الحجّ يوم النحر إذا رمى جمرة العقبة ، وزار البيت ، فقد حلّ ، وتمام العمرة إذا طاف بالبيت ، وبالصفا ، والمروة ، فقد حلّ . وقد ورد في فضل الحج ، والعمرة أحاديث كثيرة ، ليس هذا موطن ذكرها .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } يقول : من أحرم بحج ، أو عمرة ، ثم حبس عن البيت بمرض يجهده ، أو عدوّ يحبسه ، فعليه ذبح ما استيسر من الهدي شاة فما فوقها ، وإن كانت حجة الإسلام ، فعليه قضاؤها ، وإن كانت بعد حجة الفريضة ، فلا قضاء عليه ، وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن مسعود في قوله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } يقول : الرجل إذا أهلّ بالحج ، فأحصر بعث بما استيسر من الهدي فإن كان عجل قبل أن يبلغ الهدي محله ، فحلق رأسه ، أو مس طيباً ، أو تداوى بدواء ، كان عليه فدية من صيام ، أو صدقة ، أو نسك ، فالصيام ثلاثة أيام ، والصدقة ثلاثة آصع على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع ، والنسك شاة { فَإِذَا أَمِنتُمْ } يقول : فإذا بريء ، فمضى من وجهه ذلك إلى البيت أحلّ من حجته بعمرة ، وكان عليه الحجّ من قابل ، فإن هو رجع ، ولم يتمّ من وجهه ذلك إلى البيت كان عليه حجة ، وعمرة ، فإن هو رجع متمتعاً في أشهر الحج كان عليه ما استيسر من الهدى شاة ، فإن هو لم يجد ، فصيام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع .
قال إبراهيم : فذكرت هذا الحديث لسعيد بن جبير فقال : هكذا قال ابن عباس في هذا الحديث كله . وأخرج مالك ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن عليّ في قوله : { فَمَا استيسر مِنَ الهدى } قال : شاة . وأخرج سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن ابن عباس مثله . وأخرج الشافعي في الأم ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، والبيهقي [ عن ابن عمر ] : { فَمَا استيسر مِنَ الهدى } قال : بقرة ، أو جزور ؛ قيل : أوما يكفيه شاة ؟ قال : لا . وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، عن ابن عباس قال في تفسير : { مَا استيسر } ما يجد . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه قال : إن كان موسراً ، فمن الإبل ، وإلا فمن البقر ، وإلا فمن الغنم . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق القاسم ، عن عائشة ، وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل ، والبقر . وكان ابن عباس يقول : ما استيسر من الهدي شاة .
وأخرج الشافعي في الأم ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس ؛ قال : لا حصر إلا حصر العدوّ ، فأما من أصابه مرض ، أو وجع ، أو ضلال ؛ فليس عليه شيء ، إنما قال الله : { فَإِذَا أَمِنتُمْ } فلا يكون الأمن إلا من الخوف ، وأخرج ابن أبي شيبة ، عن ابن عمر قال : لا إحصار إلا من عدوّ . وأخرج أيضاً ، عن الزهري نحوه .
وأخرج أيضاً عن عطاء قال : لا إحصار إلا من مرض ، أو عدوّ ، أو أمر حادث . وأخرج أيضاً ، عن عروة قال : كل شيء حبس المحرم ، فهو إحصار .
وأخرج البخاري ، عن المُسور أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر قبل أن يحلق ، وأمر أصحابه بذلك . وأخرج أبو داود في ناسخه ، عن ابن عباس في قوله : { وَلاَ تَحْلِقُوا رُءوسَكُمْ حتى يَبْلُغَ الهدى مَحِلَّهُ } ثم استثنى فقال : { فَمَن كَانَ مِنكُم مرِيضًا } الآية . وأخرج الترمذي ، وابن جرير ، عن كعب بن عجرة قال : لفيّ نزلت ، وإياي عني بها { فَمَن كَانَ مِنكُم مرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً من راسِهِ } . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن ابن عباس : { فَمَن كَانَ مِنكُم مرِيضًا } يعني من اشتدّ مرضه . وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن المنذر عنه . قال : يعني بالمرض أن يكون برأسه أذى ، أو قروح ، أو به أذى من رأسه ، قال : الأذى : هو القمل . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : النسك المذكور في الآية شاة . وروى أيضاً ، عن علي مثله . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج } يقول : من أحرم بالعمرة في أشهر الحج . وأخرج عبد بن حميد ، عن الضحاك نحوه . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم أن ابن الزبير كان يقول : إنما المتعة لمن أحصر ، وليست لمن خُلِّي سبيله . وقال ابن عباس : هي لمن أحصر ، ومن خُلِّي سبيله . وأخرج ابن جرير ، عن عليّ في قوله : { فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بالعمرة إِلَى الحج } قال فإن أخر العمرة حتى يجمعها مع الحجّ ، فعليه الهدي .
وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي عن عليّ بن أبي طالب في قوله : { فَصِيَامُ ثلاثة أَيَّامٍ } قال : قبل التروية يوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، فإن فاتته صامهنّ أيام التشريق . وأخرج هؤلاء إلا ابن أبي حاتم ، والبيهقي ، عن ابن عمر مثله إلا أنه قال : وإذا فاته صام أيام منى ، فإنهنّ من الحج . وأخرج ابن جرير ، والدارقطني ، والبيهقي ، عن ابن عمر نحوه مرفوعاً . وأخرج ابن أبي شيبة ، عن علقمة ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير مثله . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس قال : الصيام للمتمتع ما بين إحرامه إلى يوم عرفة . وأخرج ابن جرير ، عن ابن عباس في الآية قال : إذا لم يجد المتمتع بالعمرة هدياً ، فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم عرفة ، وإن كان يوم عرفة الثالث ، فقد تمّ صومه ، وسبعة إذا رجع إلى أهله .
وأخرج الدارقطني عن عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
" من لم يكن معه هدى ، فليصم ثلاثة أيام قبل يوم النحر ، ومن لم يكن صام تلك الثلاثة الأيام ، فليصم أيام التشريق " وأخرج أيضاً عن عبد الله بن حُذَافة : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره في رهط أن يطوفوا في منى في حجة الوداع ، فينادوا : إن هذه أيام أكل ، وشرب ، وذكر الله ، فلا نصوم فيهنّ إلا صوماً في هدي » . وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، عن عطاء في قوله تعالى : { ذلك لِمَن لمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى المسجد الحرام } قال : ست قريات : عرفة ، وعرنة ، والرجيع والنخلتان ، ومرّ الظهران ، وضجنان ، وقال مجاهد : هم أهل الحرم . وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، عن ابن عباس . قال : هم أهل الحرم . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن عمر مثله .