تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۖ وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۚ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمۡ يَكُنۡ أَهۡلُهُۥ حَاضِرِي ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (196)

{ وأتموا الحج والعمرة لله } من المواقيت ، ولا تستحلوا فيهما ما لا ينبغي لكم ، فريضتان واجبتان ، ويقال : العمرة هي الحج الأصغر ، وتمام الحج والعمرة المواقيت والإحرام خالصا لا يخالطه شيء من أمر الدنيا ، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يشركون في إحرامهم ، فأمر الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن يتموهما لله ، فقال : { وأتموا الحج والعمرة لله } ، وهو ألا يخلطوهما بشيء ، ثم خوفهم أن يستحلوا منهما ما لا ينبغي ، فقال سبحانه في آخر الآية : { واعلموا أن الله شديد العقاب } { فإن أحصرتم } ، يقول : فإن حبستم كقوله سبحانه : { الذين أحصروا في سبيل الله } ( البقرة : 273 ) يعني حبسوا ، نظيرها أيضا : { وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا } ( الإسراء : 8 ) يعني محبسا .

يقول : إن حبسكم في إحرامكم بحج أو بعمرة كسر أو مرض أو عدو عن المسجد الحرام ، { فما استيسر من الهدي } ، يعني فليقم محرما مكانه ويبعث ما استيسر من الهدي ، أو بثمن الهدي ، فيشترى له الهدي ، فإذا نحر الهدي عنه ، فإنه يحل من إحرامه مكانه ، ثم قال : { ولا تحلقوا رءوسكم } في الإحرام ، { حتى يبلغ الهدي محله } ، يعني حتى يدخل الهدي مكة ، فإذا نحر الهدي حل من إحرامه ، { فمن كان منكم مريضا } ، وذلك أن كعب بن عجرة الأنصاري كان محرما بعمرة عام الحديبية ، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم على مقدم رأسه قملا كثيرا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "يا كعب أيؤذيك هوام رأسك ؟" ، قال نعم يا نبي الله ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق ، فأنزل الله عز وجل في كعب : { فمن كان منكم مريضا } { أو به أذى من رأسه } ، فحلق رأسه ، { ففدية من صيام } ، فعليه فدية صيام ثلاثة أيام إن شاء متتابعا ، وإن شاء متقطعا ، { أو صدقة } على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من حنطة ، { أو نسك } ، يعني شاة أو بقرة أو بعيرا ينحره ، ثم يطعمه المساكين بمكة ، ولا يأكل منه ، وهو بالخيار ، إن شاء ذبح شاة أو بقرة أو بعيرا ، فأما كعب ، فذبح بقرة . { فإذا أمنتم } من الحبس من العدو عن البيت الحرام ، { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } يقول : وهو يريد الحج ، فإن دخل مكة وهو محرم بعمرة في غرة شوال ، أو ذي القعدة ، أو في عشر من ذي الحجة ، { فما استيسر من الهدي } ، يعني شاة فما فوقها يذبحها فيأكل منها ويطعم ، فقال أبو هريرة ، وسلمان ، وأبو العرباض للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لا نجد الهدي ، فلنصم ثلاثة أيام ، فأنزل الله عز وجل فيهم : { فمن لم يجد } الهدي فليصم ، { فصيام ثلاثة أيام في الحج } في عشر الأضحى في أول يوم من العشر إلى يوم عرفة ، فإن كان يوم عرفة يوم الثالث ، تم صومه ، ثم قال : { وسبعة } ، يعني ولتصوموا سبعة أيام { إذا رجعتم } من منى إلى أهليكم ، { تلك عشرة كاملة } ، فمن شاء صام في الطريق ، ومن شاء صام في أهله ، إن شاء متتابعا ، وإن شاء متقطعا ، ثم قال : { ذلك } التمتع { لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب } ، يعني من لم يكن منزله في أرض الحرم كله ، فمن كان أهله في أرض الحرم ، فلا متعة عليه ولا صوم .