قوله عز وجل :{ والله خلقكم من تراب } أي : آدم ، { ثم من نطفة } يعني : نسله ، { ثم جعلكم أزواجاً } ذكراناً وإناثاً ، { وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر } لا يطول عمره ، { ولا ينقص من عمره } يعني : من عمر آخر ، كما يقال لفلان عندي درهم ونصفه أي : نصف درهم آخر ، { إلا في كتاب } وقيل : قوله : { ولا ينقص من عمره } ينصرف إلى الأول ، قال سعيد بن جبير : مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة أيام حتى ينقطع عمره . وقال كعب الأحبار حين حضر عمر رضي الله عنه الوفاة : والله لو دعا عمر ربه أن يؤخر أجله لأخر ، فقيل له إن الله عز وجل يقول : { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون } فقال : هذا إذا حضر الأجل فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد وينقص ، وقرأ هذه الآية { إن ذلك على الله يسير } أي : كتابة الأجل والأعمال على الله هين .
{ 11 } { وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }
يذكر تعالى خلقه الآدمي ، وتنقله في هذه الأطوار ، من تراب إلى نطفة وما بعدها .
{ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا } أي : لم يزل ينقلكم ، طورا بعد طور ، حتى أوصلكم إلى أن كنتم أزواجا ، ذكرا يتزوج أنثى ، ويراد بالزواج ، الذرية والأولاد ، فهو وإن كان النكاح من الأسباب فيه ، فإنه مقترن بقضاء اللّه وقدره ، وعلمه ، { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ } وكذلك أطوار الآدمي ، كلها بعلمه وقضائه .
{ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } أي : عمر الذي كان معمرا عمرا طويلا { إِلَّا } بعلمه تعالى ، أو ما ينقص من عمر الإنسان الذي هو بصدد أن يصل إليه ، لولا ما سلكه من أسباب قصر العمر ، كالزنا ، وعقوق الوالدين ، وقطيعة الأرحام ، ونحو ذلك مما ذكر أنها من أسباب قصر العمر .
والمعنى : أن طول العمر وقصره ، بسبب وبغير سبب كله بعلمه تعالى ، وقد أثبت ذلك { فِي كِتَابٍ } حوى ما يجري على العبد ، في جميع أوقاته وأيام حياته .
{ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } أي : إحاطة علمه بتلك المعلومات الكثيرة ، وإحاطة كتابه فيها ، فهذه ثلاثة أدلة من أدلة البعث والنشور ، كلها عقلية ، نبه اللّه عليها في هذه الآيات : إحياء الأرض بعد موتها ، وأن الذي أحياها سيحيي الموتى ، وتنقل الآدمي في تلك الأطوار .
فالذي أوجده ونقله ، طبقا بعد طبق ، وحالا بعد حال ، حتى بلغ ما قدر له ، فهو على إعادته وإنشائه النشأة الأخرى أقدر ، وهو أهون عليه ، وإحاطة علمه بجميع أجزاء العالم ، العلوي والسفلي ، دقيقها وجليلها ، الذي في القلوب ، والأجنة التي في البطون ، وزيادة الأعمار ونقصها ، وإثبات ذلك كله في كتاب . فالذي كان هذا [ نعته ]{[743]} يسيرا عليه ، فإعادته للأموات أيسر وأيسر . فتبارك من كثر خيره ، ونبه عباده على ما فيه صلاحهم ، في معاشهم ومعادهم .
هذه آية تذكير بصفات الله تعالى على نحو ما تقدم ، وهذه المحاورة إنما هي في أمر الأصنام وفي بعث الأجساد من القبور ، وقال تعالى : { خلقكم من تراب } من حيث خلق آدم أبانا منه ، وقوله { ثم من نطفة } أي بالتناسل من مني الرجال ، و { أزواجاً } قيل معناه أنواعاً ، وقيل أراد تزويج الرجال النساء ، وقوله تعالى : { ومن يعمر من معمر ولا ينقص من عمره } اختلف الناس في عود الضمير في قوله { من عمره } ، فقال ابن عباس وغيره ما مقتضاه أنه عائد على { معمر } الذي هو اسم جنس والمراد غير الذي يعمر ، أي أن القول يتضمن شخصين يعمر أحدهما مائة سنة أو نحوها وينقص من عمر الآخر بأن يكون عاماً واحداً أو نحوه ، وهذا قول الضحاك وابن زيد لكنه أعاد ضميراً إيجازاً واختصاراً ، والبيان التام أن تقول ولا ينقص من عمر معمر لأن لفظة { معمر } هي بمنزلة ذي عمر .
قال القاضي أبو محمد : كأنه قال «ولا يعمر من ذي عمر ولا ينقص من عمر ذي عمر » ، وقال ابن عباس أيضاً وأبو مالك وابن جبير المراد شخص واحد وعليه الضمير أي ما يعمر إنسان ولا ينقص من عمره بأن يحصي ما مضى منه إذا مر حول كتب ذلك ، ثم حول ، ثم حول ، فهذا هو النقص ، قال ابن جبير ما مضى من عمره فهو النقص وما يستقبل فهو الذي يعمر ، وروي عن كعب الأحبار أنه قال المعنى { ولا ينقص من عمره } أي لا يخرم بسبب قدرة الله ، ولو شاء لأخر ذلك السبب .
قال القاضي أبو محمد : وروي أنه قال : حين طعن عمر لو دعا الله تعالى لزاد في أجله ، فأنكر عليه المسلمون ذلك وقالوا : إن الله تعالى يقول { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة }{[9700]} [ الأعراف : 34 ، النحل : 61 ] فاحتج بهذه الآية وهو قول ضعيف مردود يقتضي القول بالأجلين ، وبنحوه تمسكت المعتزلة ، وقرأ الحسن والأعرج وابن سيرين «ينقِضُ » على بناء الفعل للفاعل أي ينقص الله ، وقرأ «من عمْره » بسكون الميم الحسن وداود ، و «الكتاب » المذكور في الآية اللوح المحفوظ ، وقوله { إن ذلك } إشارة إلى تحصيل هذه الأعمال وإحصاء دقائقها وساعاتها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.