قوله تعالى :{ إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد* من كان يظن أن لن ينصره الله } يعني : نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم { في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب } أي : بحبل { إلى السماء } أراد بالسماء سقف البيت على قول الأكثرين ، أي : ليشد حبلاً في سقف بيته فليختنق به حتى يموت ، { ثم ليقطع } الحبل بعد الاختناق . وقيل : ثم ليقطع . أي ليمد الحبل حتى ينقطع في فيموت مختنقاً { فلينظر هل يذهبن كيده } صنعه وحيلته ، { ما يغيظ } ( ( ما ) ) بمعنى المصدر ، أي : هل يذهبن كيده وحيلته غيظه ؟ معناه : فليختنق غيظاً حتى يموت . وليس هذا على سبيل الحتم أن يفعله لأنه لا يمكنه القطع والنظر بعد الاختناق والموت ، ولكنه كما يقال للحاسد : إن لم ترض هذا فاختنق ومت غيظاً . وقال ابن زيد : المراد من السماء السماء المعروفة . ومعنى الآية : من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه ويكيد في أمره ليقطعه عنه فليقطعه من أصله ، فإن أصله من السماء ، فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم الوحي الذي يأتيه فلينظر هل يقدر على إذهاب غيظه بهذا الفعل . وروي أن هذه الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان ، دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وكان بينهم وبين اليهود حلف ، وقالوا : لا يمكننا أن نسلك لأنا نخاف أن لا ينصر محمد ولا يظهر أمره فينقطع الحلف بيننا وبين اليهود ، فلا يميرونا ولا يؤونا فنزلت هذه الآية . وقال مجاهد : ( ( النصر ) ) بمعنى الرزق والهاء راجعة إلى من ومعناه : من كان يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة . نزلت فيمن أساء الظن بالله وخاف ألا يرزقه ، { فليمدد بسبب إلى السماء } أي : إلى سماء البيت ، فلينظر هل يذهبن فعله ذلك ما يغيظ ، وهو خيفة أن لا يرزق . وقد يأتي النصر بمعنى الرزق ، تقول العرب : من ينصرني نصره الله . أي : من يعطني أعطاه الله ، قال أبو عبيدة : تقول العرب : أرض منصورة ، أي : ممطورة . قرأ أبو عمرو ، و نافع ، وابن عامر ، و يعقوب : ( ( ثم ليقطع ) ) ( ( ثم ليقضوا ) ) بكسر اللام ، والباقون بجزمها لأن الكل لام الأمر ، زاد ابن عامر وليوفوا نذورهم وليطوفوا بكسر اللام فيهما ، ومن كسر في : ( ( ثم ليقطع ) ) وفي ( ( ثم ليقضوا ) ) فرق بأن ثم مفصول من الكلام ، والواو كأنها من نفس الكلمة كالفاء في قوله : { فلينظر } .
{ 15 } { مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ }
أي : من كان يظن أن الله لا ينصر رسوله ، وأن دينه سيضمحل ، فإن النصر من الله ينزل من السماء { فَلْيَمْدُدْ } ذلك الظان { بِسَبَبٍ } أي : حبل { إِلَى السَّمَاءِ } وليرقى إليها { ثُمَّ لِيَقْطَعْ } النصر النازل عليه من السماء{[536]} .
{ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ } أي : ما يكيد به الرسول ، ويعمله من محاربته ، والحرص على إبطال دينه ، ما يغيظه من ظهور دينه ، وهذا استفهام بمعنى النفي [ وأنه ] ، لا يقدر على شفاء غيظه بما يعمله من الأسباب .
ومعنى هذه الآية الكريمة : يا أيها المعادي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، الساعي في إطفاء دينه ، الذي يظن بجهله ، أن سعيه سيفيده شيئا ، اعلم أنك مهما فعلت من الأسباب ، وسعيت في كيد الرسول ، فإن ذلك لا يذهب غيظك ، ولا يشفي كمدك ، فليس لك قدرة في ذلك ، ولكن سنشير عليك برأي ، تتمكن به من شفاء غيظك ، ومن قطع النصر عن الرسول -إن كان ممكنا- ائت الأمر مع بابه ، وارتق إليه بأسبابه ، اعمد إلى حبل من ليف أو غيره ، ثم علقه في السماء ، ثم اصعد به حتى تصل إلى الأبواب التي ينزل منها النصر ، فسدها وأغلقها واقطعها ، فبهذه الحال تشفي غيظك ، فهذا هو الرأي : والمكيدة ، وأما ما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك أنك تشفي بها غيظك ، ولو ساعدك من ساعدك من الخلق . وهذه الآية الكريمة ، فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى ، ومن تأييس الكافرين ، الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ، ولو كره الكافرون ، أي : وسعوا مهما أمكنهم .
{ من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة } كلام فيه اختصار والمعنى : أن الله ناصر رسوله في الدنيا والآخرة فمن كان يظن خلاف ذلك ويتوقعه من غيظه . وقيل المراد بالنصر الرزق والضمير لمن . { فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع } فليستقص في إزالة غيظه أو جزعه بأن يفعل كل ما يفعله الممتلئ غيظا ، أو المبالغ جزعا حتى يمد حبلا إلى سماء بيته فيختنق من قطع إذا اختنق ، فإن المختنق يقطع نفسه بحبس مجاريه . وقيل فليمدد حبلا إلى سماء الدنيا ثم ليقطع به المسافة حتى يبلغ عنانها فيجتهد في دفع نصره أو تحصيل رزقه . وقرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر " ليقطع " بكسر اللام . { فلينظر } فليتصور في نفسه . { هل يذهبن كيده } فعله ذلك وسماه على الأول كيدا لأنه منتهى ما يقدر عليه . { ما يغيظ } غيظه أو الذي يغيظه من نصر الله . وقيل نزلت في قوم مسلمين استبطأووا نصر الله لاستعجالهم وشدة غيظهم على المشركين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.