بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لۡيَقۡطَعۡ فَلۡيَنظُرۡ هَلۡ يُذۡهِبَنَّ كَيۡدُهُۥ مَا يَغِيظُ} (15)

قوله تعالى : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله } ، الهاء كناية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويجوز في اللغة الإضمار في الكناية وإن لم تكن مذكورة إذا كان الأمر ظاهراً ، كقوله تعالى : { وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً } [ فاطر : 45 ] ، يعني : على ظهر الأرض ، وكقوله عز وجل : { فَقَالَ إنى أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِى حتى تَوَارَتْ بالحجاب } [ ص : 32 ] يعني : الشمس . ومعناه من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالغلبة والحجة . { فِى الدنيا والآخرة } الشفاعة في { الآخرة } .

قوله : { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء } ، يعني : فليربط بحبل من سقف البيت ، لأن كل ما علاك فهو سماء . { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } ، يعني : ليختنق ، { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ } ، يعني : اخْتِنَاقُه . { مَا يَغِيظُ } ، معناه هل ينفعه ذلك . قال ابن عباس : نزلت الآية في نفر من أسد وغطفان ، فقالوا : نخافُ أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه وسلم ، فيقطع ما بيننا وبين حلفائنا من المودة يعني : اليهود وقال القتبي : كان قوم من المسلمين لشدة غيظهم على المشركين ، يستبطئون ما وعد لهم من النصرة ، وآخرون من المشركين يريدون اتباعه ويخشون أن لا يتم لهم أمره ، فنزل { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله } ، يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم بعدما سمعوا منه النصرة والإظهار .

ولكن كلام العرب على وجه الاختصار ، يعني : إن لم تثق بما أقول لك ، فاذهب واختنق أو اجتهد جهدك .

قال : وفيه وجه آخر ، وهو أن يكون هاهنا السماء بعينها لا السقف ، فكأنه قال { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء } أي بحبل وليرتق فيه ، ثم ليقطع ، يعني : الحبل ، حتى يخر فيهلك ، فلينظر هل ينفعه ، كقوله عز وجل : { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن استطعت أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً فِى الأرض أَوْ سُلَّماً فِى السمآء فَتَأْتِيَهُمْ بِأايَةٍ وَلَوْ شَآءَ الله لَجَمَعَهُمْ عَلَى الهدى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الجاهلين } [ الأنعام : 35 ] وقال أبو عبيدة : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِى الدنيا والآخرة } يعني : أن لن يرزقه الله . وذهب إلى قول العرب : أرض منصورة ، أي ممطورة ؛ فكأنه قال : من كان قانطاً من رزق الله ورحمته ، فليفعل ذلك { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ } ، أي حيلته ما يغيظ ، أي غيظه لتأخير الرزق عنه ؛ وقال الزجاج : { من كان يظن أن لن ينصره الله } ، يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم ، حتى يظهره الله على الدين كله فليمت غيظاً .