الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لۡيَقۡطَعۡ فَلۡيَنظُرۡ هَلۡ يُذۡهِبَنَّ كَيۡدُهُۥ مَا يَغِيظُ} (15)

قوله تعالى : " من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء " قال أبو جعفر النحاس : من أحسن ما قيل فيها أن المعنى من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه . " فليمدد بسبب إلى السماء " أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء . " ثم ليقطع " أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له " فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ " وحيلته ما يغيظه من نصر النبي صلى الله عليه وسلم . والفائدة في الكلام أنه إذا لم يتهيأ له الكيد والحيلة بأن يفعل مثل هذا لم يصل إلى قطع النصر . وكذا قال ابن عباس : إن الكناية في " ينصره الله " ترجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو وإن لم يجر ذكره فجميع الكلام دال عليه ، لأن الإيمان هو الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم ، والانقلاب عن الدين انقلاب عن الدين الذي أتى به محمد صلى الله عليه وسلم ، أي من كان يظن ممن يعادي محمدا صلى الله عليه وسلم ومن يعبد الله على حرف أنا لا ننصر محمدا فليفعل كذا وكذا ) . وعن ابن عباس أيضا ( أن الهاء تعود على " من " والمعنى : من كان يظن أن الله لا يرزقه فليختنق ، فليقتل نفسه ؛ إذ لا خير في حياة تخلو من عون الله ) . والنصر على هذا القول الرزق ، تقول العرب : من ينصرني نصره الله ، أي من أعطاني أعطاه الله . ومن ذلك قول العرب : أرض منصورة ، أي ممطورة . قال الفقعسي :{[11443]}

وإنك لا تعطي امرأً فوق حقه *** ولا تملك الشق الذي الغيث ناصره

وكذا روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : " من كان يظن أن لن ينصره الله " أي لن يرزقه . وهو قول أبي عبيدة . وقيل : إن الهاء تعود على الدين ، والمعنى : من كان يظن أن لن ينصر الله دينه . " فليمدد بسبب " أي بحبل . والسبب ما يتوصل به إلى الشيء . " إلى السماء " إلى سقف البيت . ابن زيد : هي السماء المعروفة . وقرأ الكوفيون " ثم ليقطع " بإسكان اللام . قال النحاس : وهذا بعيد في العربية ؛ لأن " ثم " ليست مثل الواو والفاء ؛ لأنها يوقف عليها وتنفرد . وفي قراءة عبد الله " فليقطعه ثم لينظر هل يذهبن كيده ما يغيظه " . قيل : " ما " بمعنى الذي ، أي هل يذهبن كيده الذي يغيظه ، فحذف الهاء ليكون أخف . وقيل : " ما " بمعنى المصدر ، أي هل يذهبن كيده غيظه .


[11443]:في الأصول الفقيمي، والتصويب عن تفسير الطبري.