الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لۡيَقۡطَعۡ فَلۡيَنظُرۡ هَلۡ يُذۡهِبَنَّ كَيۡدُهُۥ مَا يَغِيظُ} (15)

قوله : { مَن كَانَ } : يجوزُ أَنْ تكونَ شرطيةً ، وهو الظاهرُ ، وأَنْ تكونَ موصولةً . وقوله : { فَلْيَمْدُدْ } إمَّا جزاءٌ للشرط أو خبرٌ للموصولِ ، والفاءُ للتشبيه بالشرطِ .

والجمهورُ على كسرِ اللام مِنْ " لِيَقْطَعْ " وسَكَّنها بعضُهم ، كما سَكَّنها بعد الفاءِ والواوِ لكونِهنَّ عواطفَ . وكذلك أَجْرَوْا " ثم " مُجْراهما في تَسكينِ هاء " هو " و " هي " بعدها ، وهي قراءةُ الكسائي ونافعٍ في رواية قالون عنه .

قوله : { هَلْ يُذْهِبَنَّ } الجملةُ الاستفهاميةُ في محلِّ نصبٍ على إسقاطِ الخافضِ ؛ لأنَّ النظرَ يُعَلَّقُ بالاستفهام ، وإذا كان بمعنى الفكر تَعَدَّى ب في . وقوله : { مَا يَغِيظُ } " ما " موصولةٌ بمعنى الذي ، والعائدُ هو الضميرُ المسستر . و " ما " وصلتُها مفعولٌ بقوله " يُذْهِبَنَّ " أي : هل يُذْهِبَنَّ كيدُه الشيءَ الذي يَغِيْظُه . فالمرفوعُ في يَغيظه عائدٌ على الذي ، والمنصوبُ على مَنْ كان يظن .

وقال الشيخ : " وما في " ما يَغيظ " بمعنى الذي ، والعائدُ محذوفٌ أو مصدريةٌ " . قلت : كلا هذين القولينِ لا يَصِحُّ . أمَّا قولُه : " العائدُ محذوفٌ " فليس كذلك ، بل هو مضمرٌ مستترٌ في حكم الموجودِ كما تقدَّم تقريرُه قبلَ ذلك وإنما يُقال محذوفٌ فيما كان منصوبَ المحلِّ أو مجرورَه . وأمَّا قولُه : " أو مصدريةٌ " فليس كذلك أيضاً ؛ إذ لو كانت مصدريةً لكانت حَرْفاً على الصحيح ، وإذا كانَتْ حرفاً لم يَعُدْ عليها ضميرٌ ، وإذا لم يَعُدْ عليها ضميرٌ بقي الفعل بلا فاعلٍ . فإن قلتَ : أُضْمِرُ في " يَغيظ " ضميراً فاعلاً يعود على مَنْ كان يظنُّ . فالجواب : أنَّ مَنْ كان يظنُّ ، في المعنى مَغِيظٌ لا غائظٌ ، وهذا بحثٌ حسنٌ فتأمَّلْه/ .

والضمير في " يَنْصُرَه " الظاهرُ عَوْدُه على " مَنْ " وفُسِّر النصرُ بالرزقِ . وقيل : يعودُ على الدينِ والإِسلامِ فالنصرُ على بابه .