الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لۡيَقۡطَعۡ فَلۡيَنظُرۡ هَلۡ يُذۡهِبَنَّ كَيۡدُهُۥ مَا يَغِيظُ} (15)

{ مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } اختلفوا في المعنى بالهاء التي في قوله ينصره ، فقال أكثر المفسّرين : عنى بها نبيّه صلى الله عليه وسلم قال قتادة : يقول : من كان يظنّ أن لن ينصر الله نبيّه { فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ } بحبل { إِلَى السَّمَآءِ } إلى سقف البيت فليختنق به حتى يموت { ثُمَّ لْيَقْطَعْ } الحبل بعد الاختناق { فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ } صنيعه وحيلته { مَا يَغِيظُ } هذا قول أكثر أهل التأويل ، وإنّما معنى الآية : فليصوّر هذا الأمر في نفسه وليس يختم لأنّه إذا اختنق ومات لا يمكنه القطع والنظر .

قال الحسين بن الفضل : هذا كما تقول في الكلام للحاسد أو المعاند : إن لم ترض هذا فاختنق .

وقال ابن زيد : السماء في هذه الآية هي السماء المعروفة بعينها ، وقال : معنى الكلام : من كان يظن أن لن ينصر الله نبيّه ويكايده في دينه وأمره ليقطعه عنه ، فليقطع ذلك من أصله من حيث يأتيه فإنّ أصله في السماء ، فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم الوحي الذي يأتيه من الله ، فإنه لا يكايده حتى يقطع أصله عنه ، فلينظر هل يقدر على إذهاب غيظه بهذا العمل .

وذُكر أنّ هذه الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان تباطؤوا عن الإسلام وقالوا : نخاف أن لا يُنصَرَ محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا من اليهود فلا يميروننا ولا يؤوننا ، فقال الله لهم : من استعجل من الله نصر محمد فليختنق ، فلينظر استعجاله بذلك في نفسه هل هو مذهب غيظه ، فكذلك استعجاله من الله نصر محمد غير مقدم نصره قبل حينه .

وقال مجاهد : الهاء في ينصره راجعة إلى من ، ومعنى الكلام : من كان يظن أن لن يرزقه اللّه في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى سماء البيت فليختنق ، فلينظر هل يذهبن فعله ذلك ما يغيظ وهو خنقه أن لا يرزق ، والنصر على هذا القول : الرزق ، كقول العرب : من ينصرني نصره الله أي من يعطني أعطاه الله .

قال أبو عبيد : تقول العرب : " أرض منصورة " أي ممطورة كأن الله سبحانه أعطاها المطر .

وقال الفقعسي :

وإنّك لا تعطي أمرءاً فوق حقّه *** ولا تملك الشقّ الذي الغيث ناصر

وفي قوله " ما يغيظ " لأهل العربيّة قولان : أحدهما : أنّها بمعنى الذي مجازه هل يذهبن كيده الذي يغيظه فحذف الهاء ليكون أخفّ .

والثاني : أنّها مصدر ، مجازه : هل يذهبن كيده غيظه .