التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ فَلۡيَمۡدُدۡ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لۡيَقۡطَعۡ فَلۡيَنظُرۡ هَلۡ يُذۡهِبَنَّ كَيۡدُهُۥ مَا يَغِيظُ} (15)

مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ [ 1 ] إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ [ 2 ] مَا يَغِيظُ { 15 }

[ 1 ] بسبب : بحبل .

[ 2 ] كيده : هنا بمعنى عمله أو محاولته .

الآية تأمر الذي يظن أن الله لن ينصره في الدنيا والآخرة بتعليق حبل في السقف ، وشنق نفسه به ؛ ليرى ما إذا كان هذا العمل يشفي غيظه ويذهب حنقه .

ولقد روى الطبري والبغوي وغيرهما ، أن هذه الآية نزلت في أسد وغطفان ، الذين كانوا حلفاء لليهود وتباطأوا عن الإسلام وقالوا : نخاف أن لا ينصر محمد فينقطع الذي بيننا وبين حلفائنا . والرواية تقتضي أن تكون الآية مدنية ولم يذكر المفسرون ذلك صراحة . وكما استعدنا الرواية المروية في سياق الآيات [ 11-13 ] والتي تقتضي أن تكون هذه الآيات مدنية لأسباب ذكرناها نستبعد هذه الرواية لنفس الأسباب . وليس من الضرورة أن تكون الصورة صورة مدنية وحسب . وما دام وجد في العهد المكي من يرتدّ عن دينه استحباباً للحياة الدنيا ، يصحّ أن يوجد فيه من يظنّ ما ذكرته الآية من ضعاف الإيمان والعصبية من مسلمي هذا العهد أيضا .

ويتبادر لنا : أن الآية جاءت كتعقيب آخر على تلك الآيات التي نددت بالذين يعبدون الله على حرف ويجعلون إخلاصهم رهناً بما يصيبهم من رحمة الله وبرّه . وقد انطوت على توبيخ وتقريع ساخرين ، وعلى تقرير كون الإنسان لا يصحّ أن يؤمن إلا على شرط أن لا يناله إلا الخير . وكون الإيمان بالله مسألة مستقلة لا علاقة لها بأعراض الدنيا المتقلّبة على الناس ، وكون واجب المؤمن التأميل في رحمة الله ونصره في الدنيا والآخرة ؛ لأن ذلك مما وعده الله به ، وكون البطء في تحقق هذا الوعد والجزع والهلع واليأس منه غير متّسق مع معنى الإيمان بالله والثقة به والاعتماد عليه . وعلى من لا يتدبّر ويرعى ويصدق أن يشنق نفسه ! وكما أن شنق الإنسان لنفسه لن يشفيه من غيظه وغير ضارّ بغيره فكذلك المغيظ المحنق المرتدّ بسبب تأخّر نصر الله له لن يضرّ غير نفسه ؛ لأن مصيره إلى عذاب الله وسخطه .

وفي الآية معالجة روحية قوية نافذة من دون ريب في مثل الحالات التي جاءت في صددها .

هذا وإنعام النظر في هذه الآية ومداها يظهر قوة توجيه واحتمال كون الصورة التي احتوتها الآيات [ 11-13 ] صورة مكية على ما قلناه قبل ، ويسوغ القول : إنها بسبيل تطمين ومعالجة من تعرّض للأذى والحرمان بسبب إسلامه ، والتنديد بالذين لم يثبتوا ويصبروا فخاروا وارتدّوا .