قوله تعالى : { يستخفون من الناس } ، أي : يستترون ويستحيون من الناس ، يريد بني ظفر بن الحارث .
قوله تعالى : { ولا يستخفون من الله } أي : لا يستترون ولا يستحيون من الله .
قوله تعالى : { وهو معهم إذ يبيتون } ، يتقولون ويؤلفون ، والتبييت : تدبير الفعل ليلاً .
قوله تعالى : { ما لا يرضى من القول } ، وذلك أن قوم طعمة قالوا فيما بينهم : نرفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يسمع قوله ويمينه لأنه مسلم ، ولا يسمع من اليهودي لأنه كافر ، فلم يرض الله ذلك منهم .
قوله تعالى : { وكان الله بما يعملون محيطاً } ، ثم يقول لقوم طعمة : { ها أنتم هؤلاء } .
ثم ذكر عن هؤلاء الخائنين أنهم { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } وهذا من ضعف الإيمان ، ونقصان اليقين ، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله ، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس ، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم ، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم .
وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم ، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول ، من تبرئة الجاني ، ورمي البريء بالجناية ، والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل ما بيتوه .
فقد جمعوا بين عدة جنايات ، ولم يراقبوا رب الأرض والسماوات ، المطلع على سرائرهم وضمائرهم ، ولهذا توعدهم تعالى بقوله : { وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } أي : قد أحاط بذلك علما ، ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة بل استأنى بهم ، وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الإصرار على ذنبهم الموجب للعقوبة البليغة .
وقوله : { يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ [ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ]{[8278]} } الآية ، هذا إنكار على المنافقين في كونهم يستخفون بقبائحهم من الناس لئلا ينكروا عليهم ، ويجاهرون الله بها لأنه{[8279]} مطلع على سرائرهم وعالم بما في ضمائرهم ؛ ولهذا قال : { وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } تهديد لهم ووعيد .
{ يستخفون من الناس } يستترون منهم حياء وخوفا . { ولا يستخفون من الله } ولا يستحيون منه وهو أحق بأن يستحيا ويخاف منه . { وهو معهم } لا يخفى عليه سرهم فلا طريق معه إلا ترك ما يستقبحه ويؤاخذ عليه . { إذ يبيتون } يدبرون ويزورون . { ما لا يرضى من القول } من رمي البريء والحلف الكاذب وشهادة الزور . { وكان الله بما يعملون محيطا } . لا يفوت عنه شيء .
الضمير في { يستخفون } للصنف المرتكب للمعاصي مستترين بذلك عن الناس مباهتين لهم ، واندرج في طي هذا العموم ، ودخل تحت هذه الأنحاء أهل الخيانة في النازلة المذكورة ، وأهل التعصب لهم والتدبير في خدع النبي صلى الله عليه وسلم والتلبيس عليه ، ويحتمل أن يكون الضمير لأهل هذه النازلة ، ويدخل في معنى هذا التوبيخ كل من فعل نحو فعلهم ، ومعنى { وهو معهم } بالإحاطة والعلم والقدرة ، و { يبيتون } يدبرون ليلاً ، انطلقت العبارة على كل استسرار بهذا ، إذ الليل مظنة الاستتار والاختفاء ، قال الطبري : وزعم بعض الطائيين : أن التبييت في لغتهم التبديل ، وأنشد للأسود بن عامر بن جوين الطائي : [ المتقارب ]
وَبَيَّتَ قولي عِنْدَ الملي . . . كِ قَاتَلَكَ اللهُ عبداً كنودا
وقال أبو زيد { يبيتون } معناه : يؤلفون ، ويحتمل أن تكون اللفظة مأخوذة من البيت ، أي : يستسرون في تدبيرهم بالجدران .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.