المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

10- من كان يريد الشرف والقوة فليطلبها بطاعة الله ، فإن له القوة كلها ، إليه يعلو الكلم الطيب ، ويرفع الله العمل الصالح فيقبله ، والذين يدبرون للمؤمنين المكيدات التي تسوؤهم لهم عذاب شديد ، وتدبيرهم فاسد ، لا يحقق غرضا ولا ينتج شيئا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

قوله تعالى :{ من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً } قال الفراء : معنى الآية من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعاً . وقال قتادة : من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة ، أي : فليطلب العزة من عند الله بطاعته ، كما يقال : من كان يريد المال فالمال لفلان ، أي : فليطلبه من عنده ، وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا بها التعزز كما قال الله واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا ، وقال : { الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً } { إليه } أي : إلى الله ، { يصعد الكلم الطيب } وهو قوله لا إله إلا الله ، وقيل : هو قول الرجل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .

أحبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أنبأنا أبو جعفر الرياني ، أنبأنا حميد بن زنجويه ، أنبأنا الحجاج بن نصر ، أنبأنا المسعودي عن عبد الله بن المخارق ، عن أبيه ، عن ابن مسعود قال : إذا حدثتكم حديثاً أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله عز وجل : " ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وتبارك الله ، إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيى بها وجه رب العالمين ، ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل قوله : { إليه يصعد الكلم الطيب } ذكره ابن مسعود . وقيل : الكلم الطيب : ذكر الله . وعن قتادة : إليه يصعد الكلم الطيب أي : يقبل الله الكلم الطيب . قوله : { والعمل الصالح يرفعه } أي : يرفع العمل الصالح الكلم الطيب ، فالهاء في قوله يرفعه راجعة إلى الكلم الطيب ، وهو قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وعكرمة ، وأكثر المفسرين . وقال الحسن وقتادة : الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه ، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله ، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، فمن قال حسناً وعمل غير صالح رد الله عليه قوله ، ومن قال حسناً وعمل صالحاً يرفعه العمل ذلك بأن الله يقول : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } وجاء في الحديث : " لا يقبل الله قولاً إلا بعمل ولا قولاً ولا عملاً إلا بنية " . وقال قوم : الهاء في قوله يرفعه راجعة إلى العمل الصالح أي : الكلم الطيب يرفع العمل الصالح ، فلا يقبل عمل إلا أن يكون صادراً عن التوحيد ، وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل . وقيل : الرفع من صفة الله عز وجل معناه : العمل الصالح يرفعه الله عز وجل . وقال سفيان بن عيينة : العمل الصالح هو الخالص ، يعني أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال ، دليله قوله عز وجل : { فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } فجعل نقيض الصالح الشرك والرياء ، { والذين يمكرون السيئات } قال الكلبي : أي : الذين يعملون السيئات . وقال مقاتل : يعني الشرك . وقال أبو العالية : يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار النبوة ، كما قال الله تعالى : { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك } وقال مجاهد : وشهر بن حوشب ، هم أصحاب الرياء . { لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور } يبطل ويهلك في الآخرة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

{ 10 } { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ }

أي : يا من يريد العزة ، اطلبها ممن هي بيده ، فإن العزة بيد اللّه ، ولا تنال إلا بطاعته ، وقد ذكرها بقوله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب ، فيرفع إلى اللّه ويعرض عليه ويثني اللّه على صاحبه بين الملأ الأعلى { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ } من أعمال القلوب وأعمال الجوارح { يَرْفَعُهُ } اللّه تعالى إليه أيضا ، كالكلم الطيب .

وقيل : والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة ، فهي التي ترفع كلمه الطيب ، فإذا لم يكن له عمل صالح ، لم يرفع له قول إلى اللّه تعالى ، فهذه الأعمال التي ترفع إلى اللّه تعالى ، ويرفع اللّه صاحبها ويعزه .

وأما السيئات فإنها بالعكس ، يريد صاحبها الرفعة بها ، ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه ، ولا يزداد إلا إهانة ونزولا ، ولهذا قال : { والعمل الصالح يرفعه وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } يهانون فيه غاية الإهانة . { وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } أي : يهلك ويضمحل ، ولا يفيدهم شيئا ، لأنه مكر بالباطل ، لأجل الباطل .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

وقوله : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } أي : مَنْ كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة ، فليلزم طاعة الله ، فإنه يحصل له مقصوده ؛ لأن الله مالك الدنيا والآخرة ، وله العزة جميعها ، كما قال تعالى : { الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [ النساء : 139 ] .

وقال تعالى : { وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } [ يونس : 65 ] ، وقال : { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ } [ المنافقون : 8 ] .

قال مجاهد : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ } بعبادة الأوثان ، { فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } .

وقال قتادة : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } أي : فليتعزز بطاعة الله عز وجل .

وقيل : مَنْ كان يريد علْم العزة ، لمن هي ، { فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا } ، حكاه ابن جرير .

وقوله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } يعني : الذكر والتلاوة والدعاء . قاله غير واحد من السلف .

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن إسماعيل الأحْمَسِيّ ، أخبرني جعفر بن عَوْن ، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، عن عبد الله بن المخارق ، عن أبيه المخارق بن سليم{[24478]} قال : قال لنا عبد الله - هو ابن مسعود - إذا حدثناكم حديثا أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله : إن العبد المسلم إذا قال : " سبحان الله وبحمده ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، تبارك الله " ، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ، ثم صَعد بهن إلى السماء فلا يمُرّ بهن على جمْعٍ من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن ، حتى يجيء بهن وجه الرحمن عز وجل ، ثم قرأ عبد الله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } .

وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن عُلَيَّة ، أخبرنا سعيد الجُرَيْرِي{[24479]} ، عن عبد الله بن شقيق قال{[24480]} : قال كعب الأحبار : إن ل " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر " لدويا حول العرش كدويّ النحل ، يُذَكِّرْنَ بصاحبهن ، والعمل الصالح في الخزائن . {[24481]}

وهذا إسناد صحيح إلى كعب الأحبار ، رحمه الله ، وقد روي مرفوعًا .

قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نُمَيْر ، حدثنا موسى - يعني : ابن مسلم الطحان - عن عون بن عبد الله ، عن أبيه - أو : عن أخيه{[24482]} - عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الذين يذكرون من جلال الله ، من تسبيحه وتكبيره وتحميده وتهليله ، يتعاطفن حول العرش ، لهن دوي كدوي النحل ، يذكرون بصاحبهن ألا يحب أحدكم ألا يزال له عند الله شيء يذكر به ؟ " . {[24483]}

وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بشر بكر بن خلف ، عن يحيى بن سعيد{[24484]} القطان ، عن موسى بن أبي [ عيسى ]{[24485]} الطحان ، عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أبيه - أو : عن أخيه - عن النعمان بن بشير ، به . {[24486]}

وقوله : { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } : قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : الكلم الطيب : ذكر الله ، يصعد به إلى الله ، عز وجل ، والعمل الصالح : أداء فرائضه . ومن ذكر الله ولم يؤد فرائضه ، رد كلامه على عمله ، فكان أولى به .

وكذا قال مجاهد : العمل الصالح يرفع الكلام الطيب . وكذا قال أبو العالية ، وعكرمة ، وإبراهيم النَّخعِيّ ، والضحاك ، والسُّدِّيّ ، والربيع بن أنس ، وشَهْر بن حَوْشَب ، وغير واحد [ من السلف ] . {[24487]}

وقال إياس بن معاوية القاضي : لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام .

وقال الحسن ، وقتادة : لا يقبل قولٌ إلا بعمل .

وقوله : { وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ } : قال مجاهد ، وسعيد بن جُبَيْر ، وشَهْر بن حَوْشَب : هم المراؤون بأعمالهم ، يعني : يمكرون بالناس ، يوهمون أنهم في طاعة الله ، وهم بُغَضَاء إلى الله

عز وجل ، يراؤون بأعمالهم ، { وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا } [ النساء : 142 ] .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم المشركون .

والصحيح أنها عامة ، والمشركون داخلون بطريق الأولى ، ولهذا قال : { لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } ، أي : يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى ، فإنه ما أسر عبد{[24488]} سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه ، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها ، إن خيرًا فخير ، وإن شرًّا فشر . فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي ، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم ، بل يُكشَف{[24489]} لهم عن قريب ، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية .


[24478]:- في ت : "وروى ابن جرير بإسناده عن عبد الله بن أبي المخارق بن سليم".
[24479]:- في أ : "سعيد بن الجريري".
[24480]:- في ت : "وروى بإسناده".
[24481]:- تفسير الطبري (22/80).
[24482]:- في ت : "وروى الإمام أحمد بإسناده".
[24483]:- المسند (4/268).
[24484]:- (6) في أ : "عيسى".
[24485]:- (7) زيادة من ت، س، وابن ماجه.
[24486]:- سنن ابن ماجه برقم (3809) وقال البوصيري في الزوائد (3/193) : "هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
[24487]:- زيادة من ت.
[24488]:- في أ : "أحد".
[24489]:- في ت، س، أ : "ينكشف".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزّةَ فَلِلّهِ الْعِزّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالّذِينَ يَمْكُرُونَ السّيّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } .

اختلف أهل التأويل في معنى قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ فَلِلّهِ العِزّةُ جَمِيعا فقال بعضهم : معنى ذلك : من كان يريد العزّة بعبادة الاَلهة والأوثان ، فإن العزة لله جميعا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ يقول : من كان يريد العزّة بعبادته الاَلهة فإنّ العِزّةَ لِلّهِ جَمِيعا .

وقال آخرون : معنى ذلك : من كان يريد العزة فليتعزّز بطاعة الله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ فَلِلّهِ العِزّةُ جَمِيعا يقول : فليتعزّز بطاعة الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : من كان يريد علم العزّة لمن هي ، فإنه لله جميعا كلها : أي كلّ وجه من العزّة فللّه .

والذي هو أولى الأقوال بالصواب عندي قول من قال : من كان يريد العزّة ، فبالله فليتعزّز ، فللّه العزّة جميعا ، دون كلّ ما دونه من الاَلهة والأوثان .

وإنما قلت : ذلك أولى بالصواب ، لأن الاَيات التي قبل هذه الاَية ، جرت بتقريع الله المشركين على عبادتهم الأوثان ، وتوبيخه إياهم ، ووعيده لهم عليها ، فأولى بهذه أيضا أن تكون من جنس الحث على فراق ذلك ، فكانت قصتها شبيهة بقصتها ، وكانت في سياقها .

وقوله : إلَيْه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّب يقول تعالى ذكره : إلى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه عليه والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ يقول : ويرفع ذكر العبد ربه إليه عمله الصالح ، وهو العمل بطاعته ، وأداء فرائضه ، والانتهاء إلى ما أمر به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : أخبرني جعفر بن عون ، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، عن عبد الله بن المخارق ، عن أبيه المخارق بن سليم ، قال : قال لنا عبد الله : إذا حدّثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله . إن العبد المسلم إذا قال : سبحان الله وبحمده ، الحمد لله لا إله إلاّ الله ، والله أكبر ، تبارك الله ، أخذهنّ ملك ، فجعلهنّ تحت جناحيه ، ثم صعد بهنّ إلى السماء ، فلا يمرّ بهنّ على جمع من الملائكة إلاّ استغفروا لقائلهنّ حتى يحيي بهنّ وجه الرحمن ، ثم قرأ عبد الله : إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّبِ والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا سعيد الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، قال : قال كعب : إن لسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله ، والله أكبر ، لدويا حول العرش كدويّ النحل ، يذكرن بصاحبهنّ ، والعمل الصالح في الخزائن .

حدثني يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث بن أبي سليم ، عن شهر بن حوشب الأشعري ، قوله : إِليْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ قال : العمل الصالح يرفع الكلم الطيب .

حدثني عليّ ، حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ قال : الكلام الطيب : ذكر الله ، والعمل الصالح : أداء فرائضه فمن ذَكَر الله سبحانه في أداء فرائضه ، حُمِل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله ، ومن ذكر الله ، ولم يؤدّ فرائضه ، رُدّ كلامه على عمله ، فكان أولى به .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّبُ وَالعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ قال : العمل الصالح يرفع الكلام الطيب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ قال : قال الحسن وقتادة : لا يقبل الله قولاً إلاّ بعمل ، من قال وأحسن العمل قبل الله منه .

وقوله : وَالّذِينَ يَمْكُرُونَ السّيّئاتِ يقول تعالى ذكره : والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : ثني سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَالّذِينَ يَمْكُرُونَ السّيّئاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ قال : هؤلاء أهل الشرك .

وقوله : وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ يقول : وعمل هؤلاء المشركين يَبور ، فيبطُل فيذهب ، لأنه لم يكن لله ، فلم ينفع عامله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ : أي يفسد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا سفيان ، عن ليث بن أبي سليم ، عن شهر بن حوشب وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال : هم أصحاب الرياء .

حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا سهل بن أبي عامر ، قال : حدثنا جعفر الأحمر ، عن شهر بن حوشب ، في قوله وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال : هم أصحاب الرياء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال : بار فلم ينفعهم ، ولم ينتفعوا به ، وضرّهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

{ من كان يريد العزة } الشرف والمنعة . { فلله العزة جميعا } أي فليطلبها من عنده فإن له كلها ، فاستغنى بالدليل عن المدلول . { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح ، وصعودهما إليه مجاز عن قبوله إياهما ، أو صعود الكتبة بصحيفتهما ، والمستكن في { يرفعه } ل{ الكلم } فإن العمل لا يقبل إلا بالتوحيد ويؤيده أنه نصب { العمل } ، أو ل العمل } فإنه يحقق الإيمان ويقويه ، أو لله وتخصيص العمل بهذا الشرف لما فيه من الكلفة . وقرئ { يصعد } على البناءين والمعصد هو الله تعالى أو المتكلم به أو الملك . وقيل { الكلم الطيب } يتناول الذكر والدعاء وقراءة القرآن . وعنه عليه الصلاة والسلام " هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فإذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن ، فإذا لم يكن عمل صالح لم تقبل " . { والذين يمكرون السيئات } المكرات السيئات يعني مكرات قريش للنبي عليه الصلاة والسلام في دار الندوة وتداورهم الرأي في إحدى ثلاث حبسه وقتله وإجلائه . { لهم عذاب شديد } لا يؤبه دونه بما يمكرون به . { ومكر أولئك هو يبور } يفسد ولا ينفذ لأن الأمور مقدرة لا تتغير به كما دل عليه بقوله : { والله خلقكم من تراب } .