المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (50)

50- وأُرسلت إليكم مصدقاً لشريعة التوراة التي نزلت على موسى ، ولأبيح لكم بأمر الله بعض ما حُرِّم عليكم من قبل ، وقد جئتكم بآية من الله على صدق رسالتي . فاتقوا الله وأطيعون .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (50)

قوله تعالى : { ومصدقا } . عطف على قوله ورسولا .

ً قوله تعالى : { لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } من اللحوم والشحوم ، وقال أبو عبيدة : أراد بالبعض الكل ، يعني كل الذي حرم عليكم ، وقد يذكر البعض ويراد به الكل كقول لبيد :

تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض النفوس حمامها

يعني كل النفوس .

قوله تعالى : { وجئتكم بآية من ربكم } يعني ما ذكر من الآيات ، وإنما وحدها لأنها كلها جنس واحد في الدلالة على رسالته . { فاتقوا الله وأطيعون } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (50)

{ ومصدقا لما بين يدي من التوراة } أي : أتيت بجنس ما جاءت به التوراة وما جاء به موسى عليه السلام ، وعلامة الصادق أن يكون خبره من جنس خبر الصادقين ، يخبر بالصدق ، ويأمر بالعدل من غير تخالف ولا تناقض ، بخلاف من ادعى دعوى كاذبة ، خصوصا أعظم الدعاوى وهي دعوى النبوة ، فالكاذب فيها لابد أن يظهر لكل أحد كذب صاحبها وتناقضه ومخالفته لأخبار الصادقين وموافقته لأخبار الكاذبين ، هذا موجب السنن الماضية والحكمة الإلهية والرحمة الربانية بعباده ، إذ لا يشتبه الصادق بالكاذب في دعوى النبوة أبدا ، بخلاف بعض الأمور الجزئية ، فإنه قد يشتبه فيها الصادق بالكاذب ، وأما النبوة فإنه يترتب عليها هداية الخلق أو ضلالهم وسعادتهم وشقاؤهم ، ومعلوم أن الصادق فيها من أكمل الخلق ، والكاذب فيها من أخس الخلق وأكذبهم وأظلمهم ، فحكمة الله ورحمته بعباده أن يكون بينهما من الفروق ما يتبين لكل من له عقل ، ثم أخبر عيسى عليه السلام أن شريعة الإنجيل شريعة فيها سهولة ويسرة فقال { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } فدل ذلك على أن أكثر أحكام التوراة لم ينسخها الإنجيل بل كان متمما لها ومقررا { وجئتكم بآية من ربكم } تدل على صدقي ووجوب اتباعي ، وهي ما تقدم من الآيات ، والمقصود من ذلك كله قوله { فاتقوا الله } بفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وأطيعوني فإن طاعة الرسول طاعة لله .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (50)

{ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ } أي : مقرر لهم ومُثَبّت { وَلأحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ } فيه دلالة على أن عيسى ، عليه السلام ، نسَخ بعض شريعة التوراة ، وهو الصحيح من القولين ، ومن العلماء من قال : لم ينسخ منها شيئًا ، وإنما أحَلّ لهم بعض ما كانوا يتنازعون{[5057]} فيه فأخطؤوا ، فكشف{[5058]} لهم عن المغطى في ذلك ، كما قال في الآية الأخرى : { وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ } [ الزخرف : 63 ] والله أعلم .

ثم قال : { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ } أي : بحجة ودلالة على صدقي فيما أقوله لكم . { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ } .


[5057]:في جـ، ر، أ، و: "تنازعوا".
[5058]:في أ، و: "وانكشف".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (50)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلأُحِلّ لَكُم بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مّن رّبّكُمْ فَاتّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هََذَا صِرَاطٌ مّسْتَقِيمٌ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : وبأني قد جئتكم بآية من ربكم ، وجئتكم مصدّقا لما بين يديّ من التوراة ، ولذلك نصب «مصدّقا » على الحال من جئتكم . والذي يدلّ على أنه نصب على قوله وجئتكم دون العطف على قوله : «وجيها » ، قوله : { لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ } ولو كان عطفا على قوله : «وجيها » ، لكان الكلام : ومصدّقا لما بين يديه من التوراة ، وليحلّ لكم بعض الذي حرّم عليكم . وإنما قيل : { ومُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ } لأن عيسى صلوات الله عليه كان مؤمنا بالتوراة مقرّا بها ، وأنها من عند الله ، وكذلك الأنبياء كلهم يصدّقون بكل ما كان قبلهم من كتب الله ورسله ، وإن اختلف بعض شرائع أحكامهم لمخالفة الله بينهم في ذلك ، مع أن عيسى كان فيما بلغنا عاملاً بالتوراة ، لم يخالف شيئا من أحكامها إلا ما خفف الله عن أهلها في الإنجيل مما كان مشدّدا عليهم فيها . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الكريم ، قال : ثني عبد الصمد بن معقل ، أنه سمع وهب بن منبه يقول : إن عيسى كان على شريعة موسى صلى الله عليه وسلم ، وكان يسبت ويستقبل بيت المقدس ، فقال لبني إسرائيل : إني لم أدعكم إلى خلاف حرف مما في التوراة إلا لأحلّ لكم بعض الذي حرّم عليكم ، وأضع عنكم من الاَصار .

حدثني بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَمُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى ، وكان قد حرّم عليهم فيما جاء به موسى لحوم الإبل والثروب ، وأشياء من الطير والحيتان .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : { وَمُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ وَلأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } قال : كان الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء به موسى ، قال : وكان حرّم عليهم فيما جاء به موسى من التوراة لحوم الإبل والثروب فأحلها لهم على لسان عيسى ، وحرّمت عليهم الشحوم ، وأحلت لهم فيما جاء به عيسى ، وفي أشياء من السمك ، وفي أشياء من الطير مما لا صِيصِيَةَ له ، وفي أشياء حرّمها عليهم ، وشدّدها عليهم ، فجاءهم عيسى بالتخفيف منه في الإنجيل ، فكان الذي جاء به عيسى ألين من الذي جاء به موسى ، صلوات الله عليه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : { ولأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } قال : لحوم الإبل والشحوم لما بعث عيسى أحلها لهم ، وبعث إلى اليهود فاختلفوا وتفرّقوا .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { وَمُصَدّقا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ } أي لما سبقني منها ، { ولأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } أي أخبركم أنه كان حراما عليكم ، فتركتموه ، ثم أحله لكم تخفيفا عنكم ، فتصيبون يسره وتخرجون من تِبَاعته .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا أبو بكر الحنفي ، عن عباد ، عن الحسن : { وَلأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } قال : كان حرّم عليهم أشياء ، فجاءهم عيسى ليحلّ لهم الذي حرّم عليهم ، يبتغي بذلك شكرهم .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَجِئْتُكُمْ بآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } .

يعني بذلك : وجئتكم بحجة وعبرة من ربكم ، تعلمون بها حقيقة ما أقول لكم .

كما : حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيج ، عن مجاهد : { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } قال : ما بيّن لهم عيسى من الأشياء كلها ، وما أعطاه ربه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ } : ما بين لهم عيسى من الأشياء كلها .

ويعني بقوله : { مِنْ رَبّكُمْ } : من عند ربكم .

القول في تأويل قوله تعالى : { فاتّقُوا اللّهَ وأطِيعُونِ إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } .

يعني بذلك : وجئتكم بآية من ربكم ، تعلمون بها يقينا صدقي فيما أقول ، فاتقوا الله يا معشر بني إسرائيل فيما أمركم به ، ونهاكم عنه في كتابه الذي أنزله على موسى فأوفوا بعهده الذي عاهدتموه فيه ، وأطيعون فيما دعوتكم إليه من تصديقي فيما أرسلني به إليكم ، ربي وربكم فاعبدوه ، فإنه بذلك أرسلني إليكم ، وبإحلال بعض ما كان محرّما عليكم في كتابكم ، وذلك هو الطريق القويم ، والهدى المتين الذي لا اعوجاج فيه .

كما : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : { فاتّقُوا اللّهَ وَأطِيعُونِ إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ } تبريا من الذي يقولون فيه ، يعني ما يقول فيه النصارى واحتجاجا لربه عليهم ، فاعبدوه ، و{ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } أي الذي هذا قد حملتكم عليه وجئتكم به .

واختلفت القراء في قراءة قوله : { إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فاعْبُدُوهُ } فقرأته عامة قرّاء الأمصار : { إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ فَاعْبُدُوهُ } بكسر ألف «إنّ » على ابتداء الخبر ، وقرأه بعضهم : «أنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ » بفتح ألف «أن » بتأويل : وجئتكم بآية من ربكم أن الله ربي وربكم ، على ردّ أن على الاَية ، والإبدال منها .

والصواب من القراءة عندنا ما عليه قراء الأمصار ، وذلك كسر ألف «إن » على الابتداء ، لإجماع الحجة من القراء على صحة ذلك ، وما اجتمعت عليه فحجة ، وما انفرد به المنفرد عنها فرأي ، ولا يعترض بالرأي على الحجة . وهذه الاَية ، وإن كان ظاهرها خبرا ، ففيه الحجة البالغة من الله لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم على الوفد الذين حاجوه من أهل نجران بإخبار الله عزّ وجلّ ، عن أن عيسى كان بريئا مما نسبه إليه من نسبه ، غير الذي وصف به نفسه ، من أنه لله عبد كسائر عبيده من أهل الأرض إلا ما كان الله جل ثناؤه خصه به من النبوّة والحجج التي آتاه دليلاً على صدقه ، كما آتى سائر المرسلين غيره من الأعلام والأدلة على صدقهم ، والحجة على نبوّتهم .