غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (50)

42

ثم إنه لما قرر المعجزات الباهرة وبين بها كونه رسولاً من عند الله ذكر أنه لماذا أرسل فقال : { ومصدقاً لما بين يدي من التوراة } وذلك أنه يجب على كل نبي أن يكون مصدقاً لمن تقدمه من الأنبياء لأن الطريق إلى ثبوت نبوتهم هو المعجز ، فكل من حصل على يده المعجز وجب الاعتراف بنبوته .

ولعل من جملة الأغراض في بعثة عيسى عليه السلام تقرير أحكام التوراة وإزالة شبهات المنكرين وتحريفات المعاندين الجاهلين . ثم ذكر غرضاً آخر في بعثته فقال : { ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم } وهذا لا يناقض تصديقه لما في التوراة إذ المعنى بالتصديق هو اعتقاد أن كل ما فيه حكمة وصواب ، وإذا لم يكن التأبيد مذكوراً فالناسخ والمنسوخ كلاهما حق في وقته ، وإذا كانت البشارة بعيسى موجودة في التوراة فمجيء عيسى يكون تصديقاً لما في التوراة . وعن وهب بن منبه أن عيسى ما غير شيئاً من أحكام التوراة وأنه ما وضع الأحد بل كان يقرر السبت ويستقبل بيت المقدس . ثم فسر الإحلال بأمرين : أحدهما أن الأحبار كانوا قد وضعوا من عند أنفسهم شرائع باطلة ونسبوها إلى موسى فجاء عيسى ورفعها وأعاد الأمر إلى ما كان . والثاني أن الله تعالى كان قد حرم بعض الأشياء على اليهود عقوبة لهم كما قال :{ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم }[ النساء : 160 ] واستمر ذلك التحريم فجاء عيسى ورفع تلك التشديدات عنهم . كانوا قد حرم عليهم الشحوم والثروب ولحوم الإبل والسمك وكل ذي ظفر ، فأحل لهم عيسى من السمك والطير ما لا صيصية له . { وجئتكم بآية من ربكم } شاهدة على صحة رسالتي وهي قوله : { إن الله ربي وربكم } لأن جميع الرسل كانوا على هذا القول لم يختلفوا فيه . وقوله : { فاتقوا الله وأطيعون } اعتراض وإنما جعل القول آية من ربه لأن الله تعالى جعله له علامة يعرف بها أنه رسول كسائر الرسل . ويجوز أن يكون تكريراً لقوله : { إني قد جئتكم بآية من ربكم } أي جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم من المعجزات ومن ولادتي بغير أب . { فاتقوا الله } لما جئتكم به من الآيات

{ وأطيعون } فإن طاعة الرسول من لوازم تقوى الله .

/خ60