{ وَمُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التوراة } عطفٌ على المضمر الذي تعلَّق به قولُه تعالى : { بآيَةٍ } أي قد جئتُكم ملتبساً بآية الخ ومصدِّقاً لما بين يديَّ الخ أو على { رَسُولاً } على الأوجه الثلاثةِ فإن مصدِّقاً فيه معنى النُطقِ كما في رسولاً ، أي ويجعله مصدِّقاً ناطقاً بأني أُصَدِّق الخ أو ويقول :
«أُرسلتُ رسولاً بأني قد جئتُكم » الخ و«مصدقاً » الخ أو حالَ كونه «مصدقاً بأني أُصدّق » الخ أو منصوبٌ بإضمار فعلٍ دلَّ عليه «قد جئتُكم مصدقاً » الخ وقولُه : { مِنَ التوراة } إما حالٌ من الموصول والعاملُ { مُصَدّقاً } وإما من ضميره المستترِ في الظرف الواقعِ صلةً والعاملُ الاستقرارُ المُضْمرُ في الظرف أو نفسُ الظرف لقيامه مَقامَ الفعل { وَلأحِلَّ لَكُم } معمولٌ لِمُضمرٍ دل عليه ما قبله أي «وجئتكم لأُحِل » الخ وقيل : عطفٌ على معنى مصدقاً كقولهم : جئتُه معتذراً ولأجتلِبَ رضاه كأنه قيل : «قد جئتُكم لأصدِّق ولأحِل » الخ وقيل : عطفٌ على { بِآيَةٍ } أي «قد جئتُكم بآية من ربكم ولأُحِلَّ لكم » { بَعْضَ الذي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } أي في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام من الشحومِ والثُروبِ والسمكِ ولحومِ الإبلِ والعملِ في السبت ، قيل : أحَلَّ لهم من السمك والطير ما لا صئصئة له ، واختلف في إحلال السبت ، وقرئ حَرَّم على تسمية الفاعل وهو ما بين يديّ أو الله عز وجل ، وقرئ حَرُم بوزن كَرُم وهذا يدل على أن شرعَه كان ناسخاً لبعض أحكام التوراةِ ولا يُخِل ذلك بكونه مصدِّقاً لها لما أن النسخَ في الحقيقة بيانٌ وتخصيصٌ في الأزمان ، وتأخيرُ المفعول عن الجارِّ والمجرور لما مر مراراً من المبادرة إلى ذكر ما يسُرُّ المخاطَبين وللتشويق إلى ما أُخِّر { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ من رَّبّكُمْ } شاهدةٍ على صحة رسالتي وقرئ بآيات { فاتقوا الله } في عدم قَبولها ومخالفةِ مدلولها { وَأَطِيعُونِ } فيما آمرُكم به وأنهاكم عنه بأمر الله تعالى وتلك الآية هي قولي : { إِنَّ الله رَبّي وَرَبُّكُمْ فاعبدوه هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ } فإنه الحقُّ الصريحُ الذي أجمع عليه الرسلُ قاطبةً فيكون آيةً بيِّنة على أنه عليه الصلاة والسلام من جملتهم وقرئ { أنَّ الله } بالفتح بدلاً من آية أي «قد جئتكم بآية على أن الله ربي وربُّكم » وقولُه : { فاتقوا الله وَأَطِيعُونِ } اعتراض ، والظاهرُ أنه تكريرٌ لما سبق ، أي «قد جئتكم بآية بعد آية مما ذكرتُ لكم من خلق الطير وإبراءِ الأكمهِ والأبرصِ والإحياءِ والإنباءِ بالخفيات وغيرِه من ولادتي بغير أبٍ ومن كلامي في المهد وغير ذلك » ، والأولُ لتمهيد الحجة والثاني لتقريبها إلى الحكم ولذلك رُتّب عليه بالفاء قولُه : { فاتقوا الله } أي «لِمَا جئتُكم بالمعجزات الباهرةُ والآياتِ الظاهرة فاتقوا الله في المخالفة وأطيعونِ فيما أدعوكم إليه » . ومعنى قراءةِ من فتح : «ولأن الله ربي وربكم فاعبدوه » كقوله تعالى : { لإيلاف قُرَيْشٍ } [ قريش ، الآية : 1 ] الخ ثم شرع في الدعوة وأشار إليها بالقول المجمل فقال : { إِنَّ الله رَبّي وَرَبُّكُمْ } إشارةً إلى أن استكمالَ القوةِ النظريةِ بالاعتقاد الحقِّ الذي غايتُه التوحيدُ وقال : { فاعبدوه } إشارةً إلى استكمال القوةِ العمليةِ فإنه يلازِمُ الطاعة التي هي الإتيانُ بالأوامر والانتهاءُ عن المناهي ثم قرر ذلك بأن بيّن أن الجمعَ بين الأمرين هو الطريقُ المشهودُ له بالاستقامة ، ونظيرُه قوله عليه الصلاة والسلام : " قُلْ آمَنْتُ بالله ثم اسْتَقِمْ " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.