( ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله وأطيعون50 ) .
( ومصدقا ) حال معطوفة على قوله ( بآية ) أي جئتكم بآية ومصدقا ( لما بين يدي من التوراة ) أي مقررا لها ومثبتا ( ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ) قال ابن كثير : فيه دلالة على أن عيسى عليه السلام نسخ بعض شريعة التوراة ، وهو الصحيح من القولين . ومن العلماء من قال : لم ينسخ منها شيئا ، وإنما أحل لهم بعض ما كانوا يتنازعون فيه خطأ ، وانكشف لهم عن الغطاء في ذلك ، كما قال في الآية الأخرى : ( ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه ) . والله أعلم –انتهى-
أقول : من البعض الذي أحله عيسى عليه السلام لهم فعل الخير في السبوت ، وقد كانوا يعتقدون تحريم مطلق عمل يوم السبت ، ولذا لما اجتاز عليه السلام بالإسرائيليين مرة أبصر مريضا فسألوه : هل يحل أن يشفى في السبت ؟ فقال لهم عليه السلام : أي إنسان منكم يكون له خروف ، فيسقط في حفرة يوم السبت / ولا يمسكه ويرفعه ؟ والإنسان كم يفضل الخروف ؟ فإذن يحل فعل الخير في السبوت ، ثم أبرأ ذلك المريض- كذا في الأصحاح الثاني عشر . ومن الفقرة التاسعة إلى الثالثة عشرة من ( إنجيل متى ) – وفيه من الأصحاح الخامس الفقرة السابعة عشرة قول المسيح عليه السلام : لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ، ما جئت لأنقض بل لأكمل –انتهى-
وقد اتفقوا على أن المسيح عليه السلام أقام شرائع التوراة كلها ، ثم جاء بولس ومن بعده من الرهبان فادعوا أن المسيح عليه السلام فعل ذلك كله ورفعه عنهم ، إذ أكمله وأتمه بفعله إياه . وكفاهم مؤونة العمل بشيء منه ، وأغناهم بشريعته الروحانية ، فنقضوا الناموس الذي جاء لإكماله المسيح . فما نقضوه إباحة كثير من الحيوانات المحرمة في الناموس الموسوي ، فنسخت حرمتها في الشريعة العيسوية ، وثبتت الإباحة العامة بفتوى بولس ، إذ قال لهم : لا شيء نجس العين . كما في رسالته إلى أهل رومية . ومما نقضوه تعظيم السبت ، فقد كان حكما أبديا في الشريعة الموسمية ، وما كان لأحد أن يعمل فيه أدنى عمل ، وكان من عمل فيه عملا واجب القتل . ومنه أحكام الأعياد المشروعة في التوراة ، ومنه حكم الختان الذي كان أبديا في شريعة إبراهيم عليه السلام وأولاده إلى شريعة موسى ، وقد ختن عيسى عليه السلام ، فنسخ حكمه الرهبان بعده ، كما نسخوا جميع الأحكام العملية للتوراة ، إلا الزنى ، كما بين في ( إظهار الحق ) ، في الباب الثالث في إثبات النسخ . وقد أسلفنا جملة جليلة في هذا الشأن في سورة البقرة عند قوله تعالى : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ) ، فانظرها . ( وجئتكم بآية من ربكم ) كرره تأكيدا وليبني عليه قوله : ( فاتقوا الله وأطيعون ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.