الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (50)

وقوله ( وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ) أي : ما قبلي من التوراة إيماناً بها ، وتصديقاً بما فيها ، وإن كانت شريعته تخالفها فإنه ، ونحن مؤمنون بما صح منها ، ولم يبدل ولم يغير على أن عيسى صلى الله عليه وسلم كان عاملاً بالتوراة لم يخالف فيها شيئاً إلا ما خفف الله أشياء كانت حراماً فيها وهو قوله ( وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ) وذلك أنه حلل لحوم الإبل والثروب( {[10015]} ) وأشياء من الطير والحيتان كانت في التوراة محرمة .

واللام متعلقة بفعل محذوف والمعنى ، ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم( {[10016]} ) .

وكان أبو عبيدة يجيز أن يكون البعض هنا بمعنى الكل( {[10017]} ) ، وهذا يوجب أن يحل لكم القتل والسرق والزنى وغيره لأن كل ذلك كان محرماً عليهم في التوراة ، فلا يجوز ما قال ، ولا وجه له في العربية ولا في المعنى( {[10018]} ) .

وقد قيل : إنما أحل لهم عيسى صلى الله عليه وسلم أشياء حرمتها عليهم الأحبار لم تكن محرمة في التوراة ، فهو غير مخالف للتوراة( {[10019]} ) .

وقيل : إنما أحل لهم أشياء حرمتها عليهم ذنوب اكتسبوها ولم يكن في التوراة تحريمها نحن : أكل الشحوم وكل ذي ظفر( {[10020]} ) .

قوله : ( وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ ) أي : بعلامة تعلمون بها أني صادق فيما أقول لكم ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ )( {[10021]} ) .


[10015]:- الثروب، جمع ثرب وهو الشحم الرقيق الذي يعشى الكرش والأمعاء. اللسان (ثرب) 1/234.
[10016]:- انظر: الكتاب 5/346 والبحر 4.
[10017]:- انظر: مجاز القرآن 1/94.
[10018]:- وفي الرد عليه. انظر: معاني الزجاج 1/415، والمحرر 3/93. والجامع للأحكام 4/96، والبحر 2/468.
[10019]:- انظر: جامع البيان 3/281-282.
[10020]:- انظر: معاني الزجاج 1/415.
[10021]:- انظر: جامع البيان 3/282-283.