السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعۡضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيۡكُمۡۚ وَجِئۡتُكُم بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (50)

وقوله تعالى :

{ ومصدّقاً } منصوب بإضمار فعل يدل عليه قد جئتكم أي : وجئتكم مصدّقاً { لما بين يدي } أي : قبلي { من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرّم عليكم } فيها في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام فأحل لهم أكل الشحوم والثروب وهو شحم رقيق يغشى الكرش والسمك ولحوم الإبل والعمل في السبت وقيل : أحل الجميع فبعض بمعنى كل كقول لبيد :

ترّاك أمكنة إذا لم أرضها *** أو يرتبط بعض النفوس حمامها

يعني كل النفوس .

فإن قيل : كيف يكون مصدّقاً للتوراة والإحلال يدل على أنّ شرعه كان ناسخاً لشرع موسى ؟ أجيب : بأنه لا تناقض كما لا يعود نسخ القرآن بعضه ببعض عليه بالتناقض والتكاذب ، فإن النسخ في الحقيقة بيان وتخصيص في الأزمان وإنما كرر { وجئتكم بآية من ربكم } للتأكيد وليبني عليه { فاتقوا الله } أي : في مخالفة أمره أي : جئتكم بآية بعد أخرى مما ذكرت لكم من خلق الطير والإبراء والإحياء والإنباء بالخفيات وبغيره من ولادتي من غير أب ومن كلامي في المهد وغير ذلك ، فهي في الحقيقة آيات وإنما وحدها لأنها كلها جنس واحد في الدلالة على رسالته

{ وأطيعون } فيما أدعوكم إليه من توحيد الله وطاعته .