قوله تعالى : { فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض } ، يظلمون ويتجاوزون إلى غير أمر الله عز وجل في الأرض ، { بغير الحق } ، أي : بالفساد . { يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم } ، لأن وباله راجع عليها ، ثم ابتدأ فقال : { متاع الحياة الدنيا } ، أي : هذا متاع الحياة الدنيا ، خبر ابتداء مضمر ، كقوله : { لم يلبثوا إلا ساعةً من نهار بلاغ } [ الأحقاف-35 ] ، أي : هذا بلاغ . وقيل : هو كلام متصل ، والبغي : ابتداء ، ومتاع : خبره . ومعناه : إنما بغيكم متاع الحياة الدنيا ، لا يصلح زادا لمعاد لأنكم تستوجبون به غضب الله . وقرأ حفص : " متاع " بالنصب ، أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا ، { ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون } .
{ فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ْ } أي : نسوا تلك الشدة وذلك الدعاء ، وما ألزموه أنفسهم ، فأشركوا بالله ، من اعترفوا بأنه لا ينجيهم من الشدائد ، ولا يدفع عنهم المضايق ، فهلا أخلصوا لله العبادة في الرخاء ، كما أخلصوها في الشدة ؟ ! !
ولكن هذا البغي يعود وباله عليهم ، ولهذا قال : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ْ } أي : غاية ما تؤملون ببغيكم ، وشرودكم عن الإخلاص لله ، أن تنالوا شيئًا من حطام الدنيا وجاهها النزر اليسير الذي سينقضي سريعًا ، ويمضي جميعًا ، ثم تنتقلون عنه بالرغم .
{ ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ ْ } في يوم القيامة { فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ْ } وفي هذا غاية التحذير لهم عن الاستمرار على عملهم .
قال الله تعالى : { فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ } أي : من تلك الورطة { إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ } أي : كأن لم يكن من ذاك شيء{[14153]} { كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ }
ثم قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ } أي : إنما يذوق وبال هذا البغي أنتم أنفسكم ولا تضرون{[14154]} به أحدا غيركم ، كما جاء في الحديث : " ما من ذنب أجدر{[14155]} أن يعجل الله عقوبته في الدنيا ، مع ما يَدخر{[14156]} الله لصاحبه في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم " . {[14157]}
وقوله : { مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي : إنما لكم متاع في الحياة الدنيا الدنيئة الحقيرة { ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ } أي : مصيركم ومآلكم{[14158]} { فننبئكم } أي : فنخبركم بجميع أعمالكم ، ونوفيكم{[14159]} إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.