الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡيُكُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۖ مَّتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (23)

{ يَبْغُونَ فِى الأرض } يفسدون فيها ويعبثون متراقين في ذلك ، ممعنين فيه ، من قولك : بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد .

فإن قلت : فما معنى قوله : { بِغَيْرِ الحق } والبغي لا يكون بحق ؟ قلت : بلى ، وهو استيلاء المسلمين على أرض الكفرة ، وهدم دورهم ، وإحراق زروعهم وقطع أشجارهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة . قرىء : «متاع الحياة الدنيا » ، بالنصب :

فإن قلت : ما الفرق بين القراءتين ؟ قلت : إذا رفعت كان المتاع خبراً للمبتدإ الذي هو { بَغْيُكُمْ } و { على أَنفُسِكُمْ } صلته ، كقوله : { فبغى عَلَيْهِمْ } ومعناه : إنما بغيكم على أمثالكم والذين جنسهم جنسكم يعني بغى بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا لابقاء لها وإذا نصبت { فَعَلَىَّ أَنفُسَكُمْ } خبر غير صلة معناه إنما بغيكم بال على أنفسكم ، و { متاع الحياة الدنيا } في موضع المصدر المؤكد ، كأنه قيل : تتمتعون متاع الحياة الدنيا . ويجوز أن يكون الرفع على : هو متاع الحياة الدنيا بعد تمام الكلام . وعن البني صلى الله عليه وسلم أنه قال : « لا تمكر ولا تعن ماكراً ، ولا تبغ ولا تعن باغياً ، ولا تنكث ولا تعن ناكثاً » وكان يتلوها . وعنه عليه الصلاة والسلام : « أسرع الخير ثواباً صلة الرحم ، وأعجل الشرّ عقاباً البغي واليمين الفاجرة » ، وروي : « ثنتان يعجلهما الله تعالى في الدنيا : البغي وعقوق الوالدين » وعن ابن عباس رضي الله عنه : لو بغى جبل على جبل لدك الباغي . وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين في أخيه :

يَا صَاحِبَ الْبَغْيِ إنَّ الْبَغْيَ مَصْرَعَة *** فَارْبَعْ فَخَيْرُ فِعَالِ الْمَرْءِ أَعْسَلُهُ

لَوْ بَغَى جَبَلٌ يَوْماً عَلَى جَبَل *** لانْدَكَّ مِنْهُ أَعَالِيهِ وَأَسْفَلُهُ

وعن محمد بن كعب : ثلاث من كنّ فيه كنّ عليه : البغي والنكث والمكر . قال الله تعالى : { إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ } .