محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡيُكُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۖ مَّتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (23)

[ 23 ] { فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون 23 } .

{ فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق } أي يفسدون فيها ويسارعون إلى ما كانوا عليه من الشرك ونحوه { يا أيها الناس } أي الناسين نعمة الخلاص بالإخلاص واستجابة الدعاء { إنما بغيكم على أنفسكم } أي وباله عليكم . { متاع الحياة الدنيا } خبر محذوف أو هو متاع أو خبر ثان أو هو الخبر ل { بغيكم } و { على } متعلق به ، وقرئ بالنصب مصدر لمحذوف . أي نمتعكم . أو لمفعول به له . أي تبغون . { ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون } أي في الدنيا وهو وعيد بجزائهم على البغي .

تنبيه :

قال القاشاني : البغي ضد العدل ، فكما أن العدل فضيلة شاملة لجميع الفضائل ، وهيأة وحدانية لها ، فائضة من نور الوحدة على النفس فالبغي لا يكون إلا عن غاية الانهماك في الرذائل ، بحيث يستلزمها جميعا ، فصاحبها في غاية البعد عن الحق ، ونهاية الظلمة ، كما قال : " الظلم ظلمات يوم القيامة " {[4724]} . فلهذا قال { على أنفسكم } لا على المظلوم ، لأن المظلوم / سعد به ، وشقي الظالم غاية الشقاء ، وهو ليس إلا متاع الحياة الدنيا . إذ جميع الإفراطات والتفريطات المقابلة للعدالة تمتعات طبيعية ، ولذات حيوانية ، تنقضي بانقضاء الحياة الحسية التي مثلها في سرعة الزوال ، وقلة البقاء ، هذا المثل الذي مثل به ، من تزين الأرض بزخرفها من ماء المطر ، ثم فسادها ببعض الآفات سريعا قبل الانتفاع بنباتها ، ثم تتبعها الشقاوة الأبدية ، والعذاب الأليم الدائم .

وفي الحديث{[4725]} : " أسرع الخير ثوابا صلة الرحم ، وأعجل الشر عقابا البغي واليمين الفاجرة " ، لأن صاحبه تتراكم عليه حقوق الناس ، فلا تحتمل عقوبته المهل الطويل الذي يحتمله حق الله تعالى .

وسمعت بعض المشايخ يقول : قلما يبلغ الظالم والفاسق أوان الشيخوخة وذلك لمبارزتهما الله تعالى في هدم النظام المصروف عنايته تعالى إلى ضبطه ، ومخالفتهما إياه في حكمته وعدله . انتهى .


[4724]:أخرجه البخاري في: 46- كتاب المظالم والغصب، 8- باب الظلم ظلمات يوم القيامة، حديث 1204. ومسلم في: 45- كتاب البر والصلة والآداب، حديث رقم 57 (طبعتنا).
[4725]:أخرجه ابن ماجة في: 37- كتاب الزهد، 23- باب البغي، حديث رقم 4212 (طبعتنا).