غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{فَلَمَّآ أَنجَىٰهُمۡ إِذَا هُمۡ يَبۡغُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّۗ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغۡيُكُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۖ مَّتَٰعَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُكُمۡ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (23)

21

{ يبغون في الأرض بغير الحق } البغي قصد الاستعلاء بالظلم من قولك بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد ، وأصله الطلب فلهذا أكد المعنى بقوله : { بغير الحق } قال في الكشاف : إنما زاد هذا القيد احترازاً من استيلاء المسلمين على أرض الكفرة بهدم دورهم وإحراق زروعهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة . قلت : ويحتمل أن يراد بغير شبهة حق عندهم كقوله { ويقتلون النبيين بغير الحق } [ البقرة : 61 ] من قرأ متاع بالنصب فما قبله جملة تامة أي إنما بغيكم وبال على أنفسكم وهو مصدر مؤكد كأنه قيل : يتمتعون متاع الحياة الدنيا . ومن قرأ بالرفع فإما على أن التقدير هو متاع الدنيا بعد تمام الكلام ، أو على أنه خبر وقوله : { على أنفسكم } صلة أي إنما بغيكم على أمثالكم والذين جنسهم جنسكم يعني بغى بعضكم على بعض منفعة الحياة الدنيا ولا بقاء لها والبغي من منكرات المعاصي قال صلى الله عليه وسلم : «أسرع الخير ثواباً صلة الرحم وأعجل الشر عقاباً البغي واليمين الفاجرة » وروي «اثنتان يعجلهما الله في الدنيا : البغي وعقوق الوالدين » وعن محمد بن كعب : ثلاث من كن فيه كن عليه : البغي والنكث والمكر . قال تعالى : { إنما بغيكم على أنفسكم } أي لا يتهيأ لكم بغي بعضكم على بعض إلا أياماً قلائل وهي مدة حياتكم مع قصرها وسرعة انقضائها { ثم } إلى ما وعدنا من المجازاة { مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون } وهو في هذا الموضع وعيد بالعقاب كقول الرجل في معرض التهديد سأخبرك بما فعلت .

/خ30