قوله تعالى : { وإن منكم إلا واردها } أي : وما منكم إلا واردها ، وقيل : القسم فيه مضمر ، أي : و الله ما منكم من أحد إلا واردها ، والورود هو موافاة المكان . واختلفوا في معنى الورود هاهنا ، وفيما تنصرف إليه الكناية في قوله : { واردها } : قال ابن عباس رضي الله عنهما وهو قول الأكثرين ، معنى الورود هاهنا هو الدخول ، والكناية راجعة إلى النار ، وقالوا : النار يدخلها البر والفاجر ، ثم ينجي الله المتقين ، فيخرجهم منها . والدليل على أن الورود هو الدخول : قول الله عز وجل حكاية عن فرعون : { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار } [ هود : 98 ] . وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس رضي الله عنهما في الورود ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو الدخول . وقال نافع : ليس الورود الدخول ، فتلا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قوله تعالى : { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون } [ الأنبياء : 98 ] أدخلها هؤلاء أم لا ؟ ثم قال : يا نافع أما والله أنت وأنا سنردها ، وأنا أرجو أن يخرجني الله وما أرى الله عز وجل أن يخرجك منها بتكذيبك . وقال قوم : ليس المراد من الورود الدخول ، وقالوا : النار لا يدخلها مؤمن أبداً ، لقوله تعالى : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون * لا يسمعون حسيسها } [ الأنبياء : 101 102 ] ، وقالوا : كل من دخلها لا يخرج منها . والمراد من قوله : { وإن منكم إلا واردها } ، الحضور والرؤية ، لا الدخول كما قال الله تعالى : { ولما ورد ماء مدين } [ القصص : 23 ] أراد به الحضور . وقال عكرمة : الآية في الكفار فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها . وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنه قال ( وإن منكم إلا واردها ) يعني : القيامة ، والكناية راجعة إليها . والأول أصح . وعليه أهل السنة ، أنهم جميعاً يدخلون النار ثم يخرج الله عز وجل منها أهل الإيمان ، بدليل قوله تعالى : { ثم ننجي الذين اتقوا } أي : اتقوا الشرك ، وهم المؤمنون . والنجاة إنما تكون مما دخلت فيه . وقرأ الكسائي ويعقوب ( ننجي ) بالتخفيف والآخرون : بالتشديد . والدليل على هذا .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أنا أبو بكر بن الحسن الحيري ، أنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أنا عبد الرحيم بن منيب ، أنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم " . وأراد بالقسم قوله : { وإن منكم إلا واردها } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد النعيمي ، أ محمد بن يوسف ، أ محمد بن إسماعيل ، أنا مسلم بن إبراهيم ، أنا هشام ، أنا قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير " ، وقال أبان عن قتادة : من إيمان مكان خير .
أخبرنا أبو المظفر محمد بن إسماعيل بن علي الشجاعي ، أنا أبو نصر النعمان بن محمد بن محمود الجرجاني ، أنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري ، أنا محمد بن عبد الوهاب ، أنا محمد بن الفضل أبو النعمان ، أنا سلام بن مسكين ، أنا أبو الظلال عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن رجلاً في النار ينادي ألف سنة يا حنان يا منان ، فيقول الله عز وجل لجبريل : اذهب فائتني بعبدي هذا ، قال : فذهب جبريل فوجد أهل النار منكبين يبكون ، قال : فرجع فأخبر ربه عز وجل ، قال اذهب فإنه في موضع كذا وكذا ، قال : فجاء به ، قال : يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك ؟ قال : يا رب شر مكان وشر مقيل ، قال : ردوا عبدي ، قال : ما كنت أرجو أن تعيدني إليها إذ أخرجتني منها ، قال الله تعالى لملائكته : دعوا عبدي " . وأما قوله عز وجل : { لا يسمعون حسيسها } [ الأنبياء : 102 ] قيل : إن الله عز وجل أخبر عن وقت كونهم في الجنة أنهم لا يسمعون حسيسها ، فيجوز أن يكونوا قد سمعوا ذلك قبل دخولهم الجنة ، لأنه لم يقل : لم يسمعوا حسيسها . ويجوز أن لا يسمعوا حسيسها عند دخولهم إياها ، لأن الله عز وجل يجعلها عليهم برداً وسلاماً . وقال خالد بن معدان : يقول أهل الجنة ألم يعدنا ربنا أن نرد النار ؟ فيقال : بلى ، ولكنكم مررتم بها ، وهي خامدة . وفي الحديث : تقول النار للمؤمن : " جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي " . وروي عن مجاهد في قوله عز وجل : { وإن منكم إلا واردها } قال : من حم من المسلمين فقد وردها . وفي الخبر : { الحمى كير من جهنم " وهي حظ المؤمن من النار .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنا أحمد النعيمي ، أنا محمد بن يوسف ، أنا محمد بن إسماعيل ، أنا محمد بن المثنى ، أنا يحيى ، عن هشام ، أخبرني أبي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء " . { كان على ربك حتماً مقضياً } أي : كان ورودكم جهنم حتماً لازماً ، { مقضياً } : قضاه الله عليكم .
{ 71 - 72 } { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }
وهذا خطاب لسائر الخلائق ، برهم وفاجرهم ، مؤمنهم وكافرهم ، أنه ما منهم من أحد ، إلا سيرد النار ، حكما حتمه الله على نفسه ، وأوعد به عباده ، فلا بد من نفوذه ، ولا محيد عن وقوعه .
واختلف في معنى الورود ، فقيل : ورودها ، حضورها للخلائق كلهم ، حتى يحصل الانزعاج من كل أحد ، ثم بعد ، ينجي الله المتقين . وقيل : ورودها ، دخولها ، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما . وقيل : الورود ، هو المرور على الصراط ، الذي هو على متن جهنم ، فيمر الناس على قدر أعمالهم ، فمنهم من يمر كلمح البصر ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل ، وكأجاويد الركاب ، ومنهم من يسعى ، ومنهم من يمشي مشيا ، ومنهم من يزحف زحفا ، ومنهم من يخطف فيلقى في النار ، كل بحسب تقواه ، ولهذا قال : { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا }
قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا خالد بن سليمان ، عن كثير بن زياد البُرْساني ، عن أبي سُمَيَّة قال : اختلفنا في الورود ، فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن . وقال بعضهم : يدخلونها جميعا ، ثم ينجي الله الذين اتقوا . فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له : إنا اختلفنا في الورود ، فقال : يردونها جميعًا - وقال سليمان مَرَّةً{[19022]} يدخلونها جميعًا - وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه ، وقال : صُمّتا ، إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمن{[19023]} بردًا وسلامًا ، كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار ضجيجًا من بردهم ، ثم ينجي الله الذين اتقوا ، ويذر الظالمين فيها جثيًّا " {[19024]} غريب ولم يخرجوه .
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا مروان بن معاوية ، عن بكار بن{[19025]} أبي مروان ، عن خالد بن مَعْدَان قال : قال أهل الجنة بعدما دخلوا الجنة : ألم يعدنا ربنا الورود على النار ؟ قال : قد مررتم عليها وهي خامدة .
وقال عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال : كان عبد الله بن رَوَاحة واضعًا رأسه في حِجْر امرأته ، فبكى ، فبكت امرأته فقال{[19026]} ما يبكيك ؟ فقالت :{[19027]} رأيتك تبكي فبكيت . قال : إني ذكرت قول الله عز وجل : { وَإِنْ مِنْكُمْ{[19028]} إِلا وَارِدُهَا } ، فلا أدري أنجو منها أم لا ؟{[19029]} وفي رواية : وكان مريضًا .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كُرَيْب ، حدثنا ابن يَمَان ، عن مالك بن مِغْول ، عن أبي إسحاق : كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال : يا ليت أمي لم تلدني ثم يبكي ، فقيل : ما يبكيك يا أبا ميسرة ؟ فقال : أخبرنا أنا واردوها ، ولم نُخْبَرْ أنا صادرون عنها{[19030]} .
وقال عبد الله بن المبارك ، عن الحسن البصري قال : قال رجل لأخيه : هل أتاك أنك وارد النار ؟ قال : نعم . قال : فهل أتاك أنك صادر عنها ؟ قال : لا . قال : ففيم الضحك ؟ [ قال فما رُئي ضاحكًا حتى لحق بالله ]{[19031]} .
وقال عبد الرزاق أيضًا : أخبرنا ابن عُيَيْنَة ، عن عمرو ، أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق ، فقال ابن عباس : الورود{[19032]} الدخول ؟ فقال نافع : لا فقرأ ابن عباس : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [ الأنبياء : 98 ] وردوا أم لا ؟ وقال : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ } [ هود : 98 ] أورْدٌ هو{[19033]} أم لا ؟ أما أنا وأنت فسندخلها ، فانظر هل نخرج منها أم لا ؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك فضحك نافع{[19034]} .
وروى ابن جريج ، عن عطاء قال : قال أبو راشد الحَرُوري - وهو نافع بن الأزرق - : { لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } [ الأنبياء : 102 ] فقال ابن عباس : ويلك : أمجنون أنت ؟ أين قوله : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ } [ هود : 98 ] ، { وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا } [ مريم : 86 ] ، { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } ؟ والله إن كان دعاء من مضى : اللهم أخرجني من النار سالمًا ، وأدخلني الجنة غانمًا{[19035]} .
وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، حدثنا أسباط ، عن عبد الملك ، عن عبيد الله ، عن مجاهد قال : كنت عند ابن عباس ، فأتاه رجل يقال له : أبو راشد ، وهو نافع بن الأزرق ، فقال له : يا ابن عباس ، أرأيت قول الله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا } ؟ قال : أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها ، فانظر : هل نصدر عنها أم لا{[19036]} .
وقال أبو داود الطيالسي : قال شعبة ، أخبرني عبد الله بن السائب ، عمن سمع ابن عباس يقرؤها [ كذلك ]{[19037]} : " وإن منهم إلا واردها " يعني : الكفار{[19038]}
وهكذا روى عمرو بن الوليد الشَّنِّي{[19039]} ، أنه سمع عكرمة يقرؤها كذلك : " وإن منهم إلا واردها " ، قال : وهم الظلمة . كذلك كنا نقرؤها . رواه ابن أبي حاتم وابن جرير .
وقال العوفي ، عن ابن عباس قوله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا } يعني : البر والفاجر ، ألا تسمع إلى قول الله لفرعون : { يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ } { وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا } ، فسمى الورود في النار دخولا وليس بصادر .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن مُرَّة ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرد الناس [ النار ]{[19040]} كلهم ، ثم يصدرون عنها بأعمالهم " .
ورواه الترمذي عن عبد بن حميد ، عن عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن السدي به{[19041]} . ورواه من طريق شعبة ، عن السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود موقوفا{[19042]} {[19043]} .
هكذا وقع هذا الحديث هاهنا مرفوعًا . وقد رواه أسباط ، عن السدي ، عن مُرّة عن عبد الله بن مسعود قال : يرد الناس جميعًا الصراط ، وورودهم قيامهم حول النار ، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم ، فمنهم من يمر مثل البرق{[19044]} ، ومنهم من يمر مثل الريح ، ومنهم من يمر مثل الطير ، ومنهم من يمر كأجود الخيل ، ومنهم من يمر كأجود الإبل ، ومنهم من يمر كعدو الرجل ، حتى إن آخرهم مرًّا رجل نوره على موضعي{[19045]} إبهامي قدميه ، يمر يتكفأ{[19046]} به الصراط ، والصراط دَحْضُ مَزَلّة ، عليه حَسَك كَحَسك القَتَاد ، حافتاه ملائكة ، معهم كلاليب من نار ، يختطفون بها الناس . وذكر تمام الحديث . رواه{[19047]} ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا خلاد بن أسلم ، حدثنا النضر ، حدثنا إسرائيل ، أخبرنا أبو إسحاق ، عن أبي الأحوص{[19048]} عن عبد الله : قوله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } قال : الصراط على جهنم مثل حد السيف ، فتمر الطبقة الأولى كالبرق ، والثانية كالريح ، والثالثة كأجود الخيل ، والرابعة كأجود البهائم ، ثم يمرون والملائكة يقولون : اللهم سَلّم سَلّم .
ولهذا شواهد في الصحيحين وغيرهما ، من رواية أنس ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وجابر ، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم{[19049]} .
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن عُلَيَّة عن الجُرَيري ، عن [ أبي السليل ]{[19050]} عن غُنَيْم بن قيس قال : ذكروا ورود النار ، فقال كعب : تمسك النار للناس{[19051]} كأنها مَتْن{[19052]} إهالة حتى يستوي عليها أقدام الخلائق ، برهم وفاجرهم ، ثم يناديها مناد : أن امسكي أصحابك ، ودعي أصحابي ، قال : فتخسف بكل ولي لها ، ولهي أعلم بهم{[19053]} من الرجل بولده ، ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم . قال كعب : ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة ، مع كل واحد منهم عمود ذو شعبتين{[19054]} ، يدفع به الدفع فيصرع به في النار سبعمائة ألف{[19055]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان{[19056]} ، عن جابر ، عن أم مُبَشِّر ، عن حفصة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأرجو ألا يدخل النار - إن شاء الله - أحد شهد بدرًا والحديبية " قالت{[19057]} فقلت : أليس الله يقول { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } ؟ قالت{[19058]} : فسمعته يقول : { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا }{[19059]} .
وقال [ الإمام ]{[19060]} أحمد أيضًا : حدثنا ابن إدريس ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان{[19061]} ، عن جابر ، عن أم مبشر - امرأة زيد بن حارثة - قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة ، فقال : " لا يدخل النار أحد شهد بدرًا والحديبية " قالت حفصة : أليس الله يقول : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا }{[19062]} .
وفي الصحيحين ، من حديث الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار ، إلا تَحِلَّة القسم " . {[19063]}
وقال عبد الرزاق : قال معمر : أخبرني الزهري ، عن ابن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من مات له ثلاثة لم تمسه النار إلا تحلة القسم " يعني الورود{[19064]} .
وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا زَمْعَة ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد ، تمسه النار إلا تحلة القسم " . قال الزهري : كأنه يريد هذه الآية : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا }{[19065]} .
وقال ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكلاعي{[19066]} ، حدثنا أبو المغيرة{[19067]} ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلا من أصحابه وعِكًا ، وأنا معه ، ثم قال : " إن الله تعالى يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن ؛ لتكون حظه من النار في الآخرة " غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه{[19068]} .
وحدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن يمان ، عن عثمان بن الأسود ، عن مجاهد قال : الحمى حظ كل مؤمن من النار ، ثم قرأ : " وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لَهِيعَة ، حدثنا زَبَّان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } حتى يختمها عشر مرات ، بنى الله له قصرًا في الجنة " . فقال عمر : إذا نستكثر يا رسول الله ، فقال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم : " لله ]{[19069]} أكثر وأطيب " {[19070]} .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قرأ ألف آية في سبيل الله ، كُتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا ، إن شاء الله . ومن حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعًا لا بأجرة{[19071]} سلطان ، لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم ، قال الله تعالى : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } وإن الذكر في سبيل [ الله ]{[19072]} يُضْعفُ فوق النفقة بسبعمائة ضعف " . وفي رواية : " بسبعمائة ألف ضعف " {[19073]}
وروى أبو داود ، عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب ، عن يحيى بن أيوب [ وسعيد بن أبي أيوب ]{[19074]} كلاهما عن زبان{[19075]} ، عن سهل ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الصلاة والصيام والذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف " {[19076]} .
وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة قوله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } قال : هو الممر عليها{[19077]}
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا } ، قال : ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهريها ، وورود المشركين : أن يدخلوها ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الزالون والزالات يومئذ كثير ، وقد أحاط بالجسر يومئذ سِمَاطان من الملائكة ، دعاؤهم : يا ألله سلم سلم " {[19078]} .
وقال السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود في قوله : { كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا } قال : قسمًا واجبًا . وقال مجاهد : [ حتمًا ]{[19079]} ، قال : قضاء . وكذا قال ابن جريج{[19080]}
{ وإن منكم } وما منكم التفات إلى الإنسان ويؤيده أنه قرىء " وإن منهم " . { إلا واردها } إلا واصلها وحاضر دونها يمر بها المؤمنون وهي خامدة وتنهار بغيرهم . وعن جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام سئل عنه فقال " إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض : أليس قد وعدنا ربنا أن نرد النار فيقال لهم قد وردتموها وهي خامدة " . وأما قوله تعالى : { أولئك عنها مبعدون } فالمراد عن عذابها . وقيل ورودها الجواز على الصراط فإنه ممدود عليها . { كان على ربك حتما مقضيا } كان ورودهم واجبا أوجبه الله على نفسه وقضى به بأن وعد به وعدا لا يمكن خلفه . وقيل أقسم عليه .
وقوله { وإن } منكم إلا واردها } قسم ، والواو تقتضيه ، ويفسره قول النبي عليه السلام «من مات له ثلاث من الولد لم تمسه النار إلا تحلة القسم »{[8008]} وقرأ ابن عباس وعكرمة وجماعة «وإن منهم » بالهاء على إرادة الكفار فلا شغب في هذه القراءة ، وقالت فرقة من الجمهور القارئين { منكم } المعنى قل لهم يا محمد فإنما المخاطب منكم الكفرة وتأويل هؤلاء أيضاً سهل التناول ، وقال الأكثر المخاطب العالم كله ولا بد من «ورود » الجميع ، واختلفوا في كيفية «ورود » المؤمنين فقال ابن مسعود وابن عباس وخالد بن معدان وابن جريج وغيرهم : «ورود » دخول لكنها لا تعدو على المؤمنين ثم يخرجهم الله منها بعد معرفتهم بحقيقة ما نجوا منه ، وروى عن ابن عباس أنه قال في هذه المسألة لنافع بن الأزرق الخارجي : أما أنا وأنت فلا بد أن نردها ، فأما أنا فينجيني الله منها ، وأما أنت فما أظنه ينجيك . وقالوا : في القرآن أربعة أوراد معناها الدخول هذه أحدها ، وقوله تعالى : { يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار }{[8009]} [ هود : 98 ] ، وقوله { ونسوق المجرمين الى جهنم ورداً }{[8010]} [ مريم : 86 ] ، وقوله { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون }{[8011]} [ الأنبياء : 98 ] ، وقالوا كان من دعاء بعض السلف «اللهم أدخلني النار سالماً وأخرجني منها غانماً » . وروى جابر بن عبد الله عن النبي عليه السلام أنه قال «الورود في هذه الآية هو الدخول »{[8012]} وأشفق كثير من العلماء من تحقق الورود والجهل بالصدر ، وقالت فرقة بل هو ورود إشراف وإطلاع وقرب كما تقول وردت الماء إذا جئته ، وليس يلزم ان تدخل فيه ، وقال حسب المؤمنين بهذا هولاً ومنه قوله تعالى : { ولما ورد ماء مدين }{[8013]} [ القصص : 23 ] ، وروت فرقة أن الله تعالى يجعل يوم القيامة النار جامدة الأعلى كأنها اهالة . فيأتي الخلق كلهم ، برهم وفاجرهم ، فيقفون عليها ثم تسوخ بأهلها ويخرج المؤمنون الفائزون لم ينلهم ضر ، قالوا فهذا هو «الورود » وروت حفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يدخل النار أحد من أهل بدر والحديبية » ، فقالت يا رسول الله وأين قول الله { وإن منكم إلا واردها } ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فمه ثم ننجي الذين اتقوا »{[8014]} ، ورجح الزجاج هذا القول بقوله تعالى : { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون }{[8015]}
[ الأنبياء : 101 ] ع : وهذا ضعيف وليس هذا موضع نسخ وقال عبدالله بن مسعود : ورودهم هو جوازهم على الصراط وذلك أن الحديث الصحيح تضمن «أن الصراط مضروب على جسر جهنم فيمر الناس كالبرق وكالريح وكالجواد من الخيل على مراتب ثم يسقط الكفار في جهنم وتأخذهم كلاليب »{[8016]} ، قالوا فالجواز على الصراط هو «الورود » الذي تضمنته هذه الآية ، وقال مجاهد : ورود المؤمنين هو الحمى التي تصيب في دار الدنيا ، وفي الحديث «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء »{[8017]} ، وفي الحديث «الحمى حظ كل مؤمن من النار »{[8018]} ، وروى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل مريض عاده من الحمى : إن الله تعالى يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من نار الآخرة{[8019]} فهذا هو الورود : و «الحتم » الأمر المنفذ المجزوم .
لمّا ذكر انتزاع الذين هم أولى بالنّار من بقية طوائف الكفر عطف عليه أنّ جميع طوائف الشرك يدخلون النار ، دفعاً لتوهم أنّ انتزاع من هو أشد على الرحمان عتياً هو قصارى ما ينال تلك الطوائف من العذاب ؛ بأن يحسبوا أنّ كبراءهم يكونون فداء لهم من النّار أو نحو ذلك ، أي وذلك الانتزاع لا يصرف بقية الشيع عن النّار فإن الله أوجب على جميعهم النّار .
وهذه الجملة معترضة بين جملة { فوربك لنحشرنهم } [ مريم : 68 ] الخ وجملة { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا } [ مريم : 73 ] الخ . . .
فالخطاب في { وإن منكم } التفات عن الغيبة في قوله { لنحشرنّهم ولنحضرنّهم } [ مريم : 68 ] ؛ عدل عن الغيبة إلى الخطاب ارتقاء في المواجهة بالتهديد حتى لا يبقى مجال للالتباس المراد من ضمير الغيبة فإن ضمير الخطاب أعرَف من ضمير الغيبة . ومقتضى الظاهر أن يقال : وإن منهم إلا واردها . وعن ابن عبّاس أنّه كان يقرأ { وإن منهم } . وكذلك قرأ عِكرمة وجماعة .
فالمعنى : وما منكم أحد ممن نُزع من كلّ شيعة وغيرِه إلاّ واردُ جهنّم حتماً قضاه الله فلا مبدل لكلماته ، أي فلا تحسبوا أن تنفعكم شفاعتهم أو تمنعكم عزّة شِيعكم ، أو تُلقون التبعة على سادتكم وعظماء أهل ضلالكم ، أو يكونون فداء عنكم من النّار . وهذا نظير قوله تعالى : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين } [ الحجر : 42 ، 43 ] ، أي الغاوين وغيرهم .
والورود : حقيقته الوصول إلى الماء للاستقاء . ويطلق على الوصول مطلقاً مجازاً شائعاً ، وأما إطلاق الورود على الدخول فلا يُعرف إلا أن يكون مجازاً غير مشهور فلا بد له من قرينة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإن منكم إلا واردها}، يعني: وما منكم أحدا إلا داخلها، يعني: جهنم، البر والفاجر...
{كان على ربك حتما مقضيا}، قال: قضاء واجبا قد قضاه في اللوح المحفوظ أنه كائن لا بد...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وإن منكم أيها الناس إلا وارد جهنم، كان على ربك يا محمد إيرادهموها قضاء مقضيا، قد قضى ذلك وأوجبه في أمّ الكتاب.
واختلف أهل العلم في معنى الورود الذي ذكره الله في هذا الموضع؛
فقال بعضهم: الدخول... حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن إسماعيل، عن قيس، قال: بكى عبد الله بن رواحة في مرضه، فبكت امرأته، فقال: ما يبكيكِ، قالت: رأيتك تبكي فبكيت، قال ابن رواحة: إني قد علمت إني وارد النار فما أدري أناج منها أنا أم لا؟ وقال آخرون: بل هو المَرّ عليها... حدثنا خلاد بن أسلم، قال: أخبرنا النضر، قال: أخبرنا إسرائيل، قال: أخبرنا أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله في قوله: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها قال: الصراط على جهنم مثل حدّ السيف، فتمرّ الطبقة الأولى كالبرق، والثانية كالريح، والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود البهائم. ثم يمرّون والملائكة يقولون: اللهمّ سلم سلم.
وقال آخرون: بل الورود: هو الدخول، ولكنه عنى الكفار دون المؤمنين...
وقال آخرون: بل الورود عام لكلّ مؤمن وكافر، غير أن ورود المؤمن المرور، وورود الكافر الدخول... حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهريها وورود المشركين أن يدخلوها، قال: وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الزّالّونَ والزّالاّتُ يَؤْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَقَدْ أحاطَ الجِسْرَ سِماطانِ مِنَ المَلائكَةِ، دَعْوَاهُمْ يَؤْمَئِذٍ يا أللّهُ سَلّمْ سَلّمْ».
وقال آخرون: ورود المؤمن ما يصيبه في الدنيا من حمّى ومرض...
وقال آخرون: يردُها الجميع، ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم...
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: يردها الجميع ثم يصدر عنها المؤمنون، فينجيهم الله، ويهوي فيها الكفار. وورودهموها هو ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مرورهم على الصراط المنصوب على متن جهنم، فناج مسلم ومكدس فيها.
ذكر الأخبار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك:
حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أمّ مبشر امرأة زيد بن حارثة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة: «لا يَدْخُلُ النّارَ أحَدٌ شَهِدَ بَدْرا والحُدَيْبِيَةَ». قالت: فقالت حفصة: يا رسول الله، أليس الله يقول: وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فمَهْ ثُمّ يَنَجّي اللّهُ الّذِين اتّقُوا»...
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب «ح» وحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا محمد بن زيد، عن رشدين، جميعا عن زياد بن فائد، عن سهل بن معاذ، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مَنْ حَرَسَ وَرَاءَ المُسْلِمِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ مُتَطَوّعا، لا يأْخُذُهُ سُلْطانٌ بحرَسٍ، لَمْ يَرَ النّارَ بعَيْنِهِ إلاّ تَحِلّةَ القَسَمِ، فإنّ اللّهَ تَعالى يَقُولُ وَإنْ مِنْكُمْ إلاّ وَارِدُها».
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزاق، قال: أخبرنا معمر، أخبرني الزهريّ، عن ابن المسيب عن أبي هريرة، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ ماتَ لَهُ ثَلاثَةٌ لَمْ تَمَسّهُ النّارُ إلاّ تَحِلّةَ القَسَمِ» يعني: الورود.
وأما قوله:"كانَ عَلَى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا" فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله؛ فقال بعضهم معناه: كان على ربك قضاء مقضيا... عن ابن مسعود "كانَ عَلى رَبّكَ حَتْما مَقْضِيّا "قال: قسما واجبا...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{وَإِن مِّنكُمْ} التفات إلى الإنسان، يعضده قراءة ابن عباس وعكرمة رضي الله عنهما: «وإن منهم» أو خطاب للناس من غير التفات إلى المذكور، فإن أريد الجنس كله فمعنى الورود دخولهم فيها وهي خامدة، فيعبرها المؤمنون وتنهار بغيرهم.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
. عن أبي سُمَيَّة قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن. وقال بعضهم: يدخلونها جميعا، ثم ينجي الله الذين اتقوا. فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له: إنا اختلفنا في الورود، فقال: يردونها جميعًا -وقال سليمان مَرَّةً يدخلونها جميعًا- وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه، وقال: صُمّتا، إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمن بردًا وسلامًا، كما كانت على إبراهيم، حتى إن للنار ضجيجًا من بردهم، ثم ينجي الله الذين اتقوا، ويذر الظالمين فيها جثيًّا" غريب ولم يخرجوه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كانوا بهذا الإعلام، المؤكد بالإقسام، من ذي الجلال والإكرام، جديرين بإصغاء الأفهام، إلى ما يوجه إليها من الكلام، التفت إلى مقام الخطاب، إفهاماً للعموم فقال: {وإن} أي وما {منكم} أيها الناس أحد {إلا واردها} أي داخل جهنم؛ ثم استأنف قوله: {كان} هذا الورود؛ ولما كان المعنى أنه لا بد من إيقاعه، أكده غاية التأكيد فأتى بأداة الوجوب فقال: {على ربك} الموجد لك المحسن إليك بإنجاء أمتك لأجلك {حتماً} أي واجباً مقطوعاً به {مقضياً} لا بد من إيقاعه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وإن المؤمنين ليشهدون العرض الرهيب: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) فهم يردون فيدنون ويمرون بها وهي تتأجج وتتميز وتتلمظ؛ ويرون العتاة ينزعون ويقذفون.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
لمّا ذكر انتزاع الذين هم أولى بالنّار من بقية طوائف الكفر عطف عليه أنّ جميع طوائف الشرك يدخلون النار، دفعاً لتوهم أنّ انتزاع من هو أشد على الرحمان عتياً هو قصارى ما ينال تلك الطوائف من العذاب؛ بأن يحسبوا أنّ كبراءهم يكونون فداء لهم من النّار أو نحو ذلك، أي وذلك الانتزاع لا يصرف بقية الشيع عن النّار فإن الله أوجب على جميعهم النّار. فالمعنى: وما منكم أحد ممن نُزع من كلّ شيعة وغيرِه إلاّ واردُ جهنّم حتماً قضاه الله فلا مبدل لكلماته، أي فلا تحسبوا أن تنفعكم شفاعتهم أو تمنعكم عزّة شِيعكم، أو تُلقون التبعة على سادتكم وعظماء أهل ضلالكم، أو يكونون فداء عنكم من النّار. وهذا نظير قوله تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعين} [الحجر: 42، 43]، أي الغاوين وغيرهم.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وإن الناس جميعا يرون النار، ليعرف الأبرار مقدار إكرام الله تعالى إذا دخلوا، فيرون الفرق بين الجنة والنار، وبين النعيم المقيم وعذاب الجحيم، ولذا قال تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا 71}. {كان على ربك حتما مقضيا}، {كان} ذلك الورود {على ربك} الذي خلفك ورباك {حتما}، أي لازما، {مقضيا}، أي قضاه الله تعالى وكتبه على نفسه، كما قال تعالى: {...كتب ربكم على نفسه الرحمة...54} (الأنعام)، وإن هذا الكلام لتأكيد الوقوع، وإنه سبحانه وتعالى قد كتبه على ذاته العلية، ولا إلزام عليه من أحد... فإن هذا ليس من ذلك الباب في شيء، إنما لتأكيد الوقوع والقضاء منه، وهو الذي يقضي ويقدر وهو العزيز الحكيم...