المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

7- سلَّطَهَا الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعة لا تنقطع ، فترى القوم في مهاب الريح موتى كأنهم أصول نخل خاوية أجوافها .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

{ سخرها عليهم } أرسلها عليهم . وقال مقاتل : سلطها عليهم ، { سبع ليال وثمانية أيام } قال وهب : هي الأيام التي تسميها العرب أيام العجوز ، ذات برد ورياح شديدة . قيل : سميت عجوزاً لأنها عجز الشتاء . وقيل : سميت بذلك لأن عجوزاً من قوم عاد دخلت سرباً فتبعتها الريح ، فقتلتها اليوم الثامن من نزول العذاب وانقطع العذاب ، { حسوماً } قال مجاهد وقتادة : متتابعة ليس لها فترة ، فعلى هذا هو من حسم الكي ، وهو أن يتابع على موضع الداء بالمكواة حتى يبرأ ، ثم قيل لكل شيء توبع : حاسم ، وجمعه حسوم ، مثل شاهد وشهود ، وقال الكلبي ومقاتل : حسوماً دائمة . وقال النضر بن شميل : حسمتهم قطعتهم وأهلكتهم ، والحسم : القطع والمنع ومنه حسم الداء . قال الزجاج : أن تحسمهم حسوماً تفنيهم وتذهبهم . وقال عطية : شؤماً كأنها حسمت الخير عن أهلها ، { فترى القوم فيها } أي في تلك الليالي والأيام ، { صرعى } هلكى جمع صريع ، { كأنهم أعجاز نخل خاوية } ساقطة ، وقيل : خالية الأجواف .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا } أي : نحسا وشرا فظيعا عليهم فدمرتهم وأهلكتهم ، { فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى } أي : هلكى موتى { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } أي : كأنهم جذوع النخل التي قد قطعت رءوسها الخاوية الساقط بعضها على بعض .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

هذه الريح الصرصر العاتية : ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما ) . . والحسوم القاطعة المستمرة في القطع . والتعبير يرسم مشهد العاصفة المزمجرة المدمرة المستمرة هذه الفترة الطويلة المحددة بالدقة : ( سبع ليال وثمانية أيام ) . ثم يعرض المشهد بعدها شاخصا : ( فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ) . . فترى . . فالمنظر معروض تراه ، والتعبير يلح به على الحس حتى يتملاه ! ( صرعى ) . . مصروعين مجدلين متناثرين ( كأنهم أعجاز نخل )بأصولها وجذوعها( خاوية )فارغة تآكلت أجوافها فارتمت ساقطة على الأرض هامدة ! إنه مشهد حاضر شاخص . مشهد ساكن كئيب بعد العاصفة المزمجرة المدمرة . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ } أي : سلطها عليهم { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا } أي : كوامل متتابعات مشائيم .

قال ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والثوري ، وغير واحد : { حسوما } متتابعات .

وعن عكرمة والربيع : مشائيم عليهم ، كقوله : { فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ } [ فصلت : 16 ] قال الربيع : وكان أولها الجمعة . وقال غيره الأربعاء . ويقال : إنها التي تسميها الناس الأعجاز ؛ وكأن الناس أخذوا ذلك من قوله تعالى : { فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } وقيل : لأنها تكون في عجز الشتاء ، ويقال : أيام العجوز ؛ لأن عجوزًا من قوم عاد دخلت سَرَبا فقتلها الريح في اليوم الثامن . حكاه البغوي{[29262]} والله أعلم .

قال ابن عباس : { خاوية } خربة . وقال غيره : بالية ، أي : جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتًا على أم رأسه ، فينشدخ رأسه وتبقى جثته هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان .

وقد ثبت في الصحيحين ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " نُصِرْتُ بالصَّبا ، وأهلكَت عادٌ بالدَّبور " {[29263]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن يحيى بن الضِّريس العبدي ، حدثنا ابن فُضَيل ، عن مسلم ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا فيها إلا مثل موضع الخاتم ، فَمرّت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم ، فجعلتهم بين السماء والأرض . فلما رأى ذلك أهل الحاضرة الريح{[29264]} وما فيها قالوا : هذا عارض ممطرنا . فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة " {[29265]} .

وقال الثوري عن ليث ، عن مجاهد : الريح لها جناحان وذنب .


[29262]:- (1) معالم التنزيل للبغوي (208).
[29263]:- (2) صحيح البخاري برقم (1035) وصحيح مسلم برقم (900).
[29264]:- (3) في م: "فلما رأى أهل الحاضر من عاد الريح".
[29265]:- (4) ورواه الطبراني في المعجم الكبير (12/421) وأبو الشيخ في العظمة برقم (806) من طريق محمد بن فضيل عن مسلم، به. وقال الهيثمي في المجمع (7/113): "فيه مسلم الملائي وهو ضعيف".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

سخرها عليهم سلطها عليهم بقدرته وهو استئناف أو صفة جيء به لنفي ما يتوهم من أنها كانت من اتصالات فلكية إذ لو كانت لكان هو المقدر لها والمسبب سبع ليال وثمانية أيام حسوما متتابعات جمع حاسم من حسمت الدابة إذا تابعت بين كيها أو نحسات حسمت كل خير واستأصلته أو قاطعات قطعت دابرهم ويجوز أن يكون مصدرا منتصبا على العلة بمعنى قطعا أو المصدر لفعله المقدر حالا أي تحسمهم حسوما ويؤيده القراءة بالفتح وهي كانت أيام العجوز من صبيحة أربعاء إلى غروب الأربعاء الآخر وإنما سميت عجوزا لأنها عجز الشتاء أو لأن عجوزا من عاد توارت في سرب فانتزعها الريح في الثامن فأهلكتها فترى القوم إن كنت حاضرهم فيها في مهابها أو في الليالي والأيام صرعى موتى جمع صريع كأنهم أعجاز نخل أصول نخل خاوية متأكلة الأجواف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

والتسخير : استعمال الشيء باقتدار عليه . وروي أن الريح بدأت بهم صبح يوم الأربعاء لثمان بقين لشوال ، وتمادت بهم إلى آخر يوم الأربعاء تكملة الشهر . و { حسوماً } ، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وأبو عبيدة معناه : كاملة تباعاً لم يتخللها غير ذلك ، وهذه كما تقول العرب ما لقيته حولاً محرماً ، قال الشاعر [ طفيل الغنوي ] : [ الطويل ]

عوازب لم تسمع نبوح مقامة*** ولم تر ناراً ثم حول مجرم{[11279]}

وقال الخليل : { حسوماً } ، أي شؤماً ونحساً ، وقال ابن زيد : { حسوماً } جمع حاسم كجالس وقاعد ، ومعناه أن تلك الأيتام قطعتهم بالإهلاك ، ومنه حسم العلل ومنه الحسام . والضمير في قوله { فيها صرعى } يحتمل أن يعود على دارهم وحلتهم لأن معنى الكلام يقتضيها وإن لم يلفظ بها . قال الثعلبي ، وقيل يعود على الريح ، وقد تقدم القول في التشبيه ب «أعجاز النخل » في سورة ( اقتربت الساعة ) . والخاوية : الساقطة التي قد خلت أعجازها بِلىً وفساداً .


[11279]:هذا البيت لطفيل الغنوي، الشاعر الجاهلي الذي عرف بوصفه للخيل حتى قال عنه في المؤتلف: "طفيل الخيل" جاء في كتاب الأمالي لأبي علي إسماعيل القالي: وقرأت على أبي بكر بن دريد لطفيل الغنوي يصف إبلا: عوازب لم تسمع نبوح مقامة ولم تر نارا تم حول مجرم سوى نار بيض أو غزال صريمة أغن من الخنس المناخر توأم إذا راعياها أنضجاه تراميا به خلسة أو شهوة المتقرم ونسبه في "الشعر والشعراء" لطفيل أيضا، وقال: إنه سبق به وجاء الحطيئة فأخذه منه وقال: عوازب لم تسمع نبوح مقامة ولم تحلب إلا نهارا ضجورها يعني: لم تحلب التي تضجر من الحلب في البرد، ولكن تحلب إذا طلعت عليها الشمس"، وكان ابن قتيبة قد سبق في ترجمته للحطيئة في كتاب (الشعر والشعراء) قد نسب هذا البيت الأخير هنا للحطيئة، وقال: إنه سبق به، وجاء ابن مقبل بعده فأخذه عن الحطيئة، وقال: عوازب لم تسمع نبوح مقامة ولم تر نارا تم حول مجرم وهو البيت نفسه الذي نسبه إلى طفيل الغنوي، وهكذا ناقض ابن قتيبة نفسه في كتاب واحد، فنسب البيت إلى طفيل الغنوي مرة، ونسبه إلى ابن مقبل مرة أخرى، وجعل البيت سابقا على بيت الحطيئة مرة ولا حقا له مرة أخرى، لكن رواية القالي في كتاب الأمالي ترجح أن البيت لطفيل الغنوي. وعوازب : بعيدات عن البيوت، والنبوح: أصوات الناس وضجيج السكان في الحي، والمقامة: حيث يقيم الناس، وتم الحول: تمامه وكماله، والمجرم: المكمل، يقول: إن هذه الإبل لقوم من أهل العزة والمنعة، ولهذا فهي ترعى وتمضي بعيدا حيث شاءت لا تمنع ولا تخاف، ولبعدها هذا فإنها لم تسمع أصوات الناس ولا ضجيج السكان في الحي، ولم تر نارا سوى نار بيض نعام يصيبه راعيها فيشويه، أو لحم غزال صغير ضئيل يصيده ثم يشويه أيضا، والصريمة: القطعة من الإبل، وأغن: في صوته غنة، والأخنس: القصير الأنف، وكل ظبي فهو أخنس، والتوأم: الذي ولد مع غيره، ولهذا كان صغير الجسم، وإذا صغر جسمه صغرت النار التي توقد لشوائه، وقوله: (تراميا به) يعني الغزال ، يترامى الراعيان لحمه عند الأكل: وخلسة: اختلاسا، والمتقرم: شديد الشهوة إلى اللحم. هذا وقد جاء في الأصول "المحرم" بالحاء بدلا من "المجرم" بالجيم.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

والتسخير : الغصْب على عمل واستعير لتكوين الريح الصرصر تكويناً متجاوزاً المتعارف في قوة جنسها فكأنها مكرهة عليه .

وعلق به عليهم } لأنه ضمن معنى أرسلها .

و ( حسوم ) يجوز أن يكون جمع حاسم مثل قُعود جمع قاعد ، وشهود جمع شاهد ، غُلِّب فيه الأيام على الليالي لأنها أكثر عدداً إذ هي ثمانية أيام وهذا له معان :

أحدها أن يكون المعنى : يتابع بعضها بعضاً ، أي لا فصل بينها كما يقال : صيام شهرين متتابعين ، وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي{[435]} :

ففرَّق بينَ بينِهمُ زمانٌ *** تتابع فيه أعوام حُسُومٌ

قيل : والحسوم مشتق من حسْم الداءِ بالمكواة إذ يكوى ويُتابع الكي أيّاماً ، فيكون إطلاقه استعارة ، ولعلها من مبتكرات القرآن ، وبيت عبد العزيز الكلابي من الشعر الإِسلامي فهو متابع لاستعمال القرآن .

المعنى الثاني : أن يكون من الحَسم وهو القطع ، أي حاسمة مستأصلة . ومنه سمي السيف حُساماً لأنه يقطع ، أي حَسَمَتْهم فلم تُبققِ منهم أحداً ، وعلى هذين المعنيين فهو صفة ل { سبع ليال وثمانية أيّام } أو حال منها .

المعنى الثالث : أن يكون حسوم مصدراً كالشُكور والدخُول فينتصب على المفعول لأجله وعاملُه { سَخَّرها } ، أي سخرها عليهم لاستئصالهم وقطع دابرهم .

وكل هذه المعاني صالح لأن يذكر مع هذه الأيام ، فإيثار هذا اللفظ من تمام بلاغة القرآن وإعجازه .

وقد سمّى أصحاب المِيقات من المسلمين أياماً ثمانية منصَّفة بين أواخر فبراير وأوائل مارس معروفة في عادة نظام الجو بأن تشتد فيها الرياح غالباً ، أيامَ الحُسوم على وجه التشبيه ، وزعموا أنها تقابل أمثالها من العام الذي أصيبت فيه عاد بالرياح ، وهو من الأوهام ، ومن ذا الذي رصد تلك الأيام .

ومن أهل اللغة من زعم أن أيام الحسوم هي الأيام التي يقال لها : أيامُ العَجُوز أو العَجُز ، وهي آخر فصل الشتاء ويُعدها العرب خمسة أو سبعة لها أسماء معروفة مجموعة في أبيات تذكر في كتب اللغة ، وشتان بينها وبين حُسوم عاد في العِدة والمُدة .

وفرع على { سخرها عليهم } أنهم صاروا صَرعى كلهم يراهم الرائي لو كان حاضراً تلك الحالة .

والخطاب في قوله : { فترى } خطاب لغير معين ، أي فيرى الرائي لو كان راءٍ ، وهذا أسلوب في حكاية الأمور العظيمة الغائبة تستحضر فيه تلك الحالة كأنها حاضرة ويُتخيل في المقام سامع حاضر شاهد مُهْلَكهم أو شَاهَدَهم بعدَه ، وكلا المشاهدتين منتف في هذه الآية ، فيعتبر خطاباً فرضياً فليس هو بالتفات ولا هو من خطاب غير المعين ، وقريب منه قوله تعالى : { وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل } [ الشورى : 45 ] ، وقوله : { وإذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيماً وملكاً كبيراً } [ الإنسان : 20 ] ، وعلى دقة هذا الاستعمال أهمل المفسرون التعرض له عدا كلمة للبيضاوي .

والتعريف في { القومَ } للعهد الذِّكري ، والقوم : القبيلة وهذا تصوير لهلاك جميع القبيلة .

وضمير { فيها } عائد إلى الليالي والأيام .

و { صرعى } : جمع صريع وهو الملقى على الأرض ميتاً .

وشُبهوا بأعجاز نخل ، أي أصول النخل ، وعجز النخلة : هو الساق التي تتصل بالأرض من النخلة وهو أغلظ النخلة وأشدها .

ووجه التشبيه بها أن الذين يقطعون النخل إذا قطعوه للانتفاع بأعواده في إقامة البيوت للسُقُف والعضادات انتقوا منه أصوله لأنها أغلظ وأملأ وتركوها على الأرض حتى تيبس وتزول رطوبتها ثم يجعلوها عَمَداً وأساطين .

والنخل : اسمُ جمععِ نخلة .

والخاوي : الخالي مما كان مالئاً له وحالاً فيه .

وقوله : { خاويةٍ } مجرور باتفاق القراء ، فتعين أن يكون صفة { نخل .

ووصفُ نخل } بأنها { خاوية } باعتبار إطلاق اسم « النخل » على مكانه بتأويل الجنة أو الحديقة ، ففيه استخدام . والمعنى : خالية من الناس ، وهذا الوصف لتشويه المشبه به بتشويه مكانه ، ولا أثر له في المشابهة وأحسنه ما كان فيه مناسبة للغرض من التشبيه كما في الآية ، فإن لهذا الوصف وقعاً في التنفير من حالتهم ليناسب الموعظة والتحذير من الوقوع في مثل أسبابها ، ومنه قول كعب بن زهير :

لَذاكَ أهْيَبُ عندي إذْ أُكلمه *** وقيلَ إنَّك مَنسُوبٌ ومَسْؤول

مِن خادرٍ من لُيُوثثِ الأسْدِ مسكَنه *** من بَطْن عَثَّرَ غِيلٌ دونَهُ غِيل

الأبيات الأربعة ، وقول عنترة :

فتركتُه جَزَر السباععِ يَنُشْنَه *** يَقضِمْنَ حُسنَ بنانِه والمعصم


[435]:- شاعر من شعراء صدر الدولة الأموية كان لأبيه وله حظوة عند الخليفة معاوية وكان سيد أهل البادية توفي في غزوة القسطنطينية سنة 46 هـ.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{سخرها} يعني سلطها {عليهم} الرب تبارك وتعالى {سبع ليال وثمانية أيام حسوما} فهي كاملة دائمة لا تفتر عنهم فيهن، يعذبهم بالريح كل يوم حتى أفنت أرواحهم يوم الثامن.

{فترى} يا محمد {القوم فيها} يعني في ذلك الأيام {صرعى} يعني أمواتا، ثم شبههم بالنخل، فقال: {كأنهم أعجاز نخل} فذكر النخل لطولهم {خاوية} يعني أصول نخل بالية التي ليست لها رءوس، وبقيت أصلوها وذهبت أعناقها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

سخر تلك الرياح على عاد سبع ليال وثمانية أيام حسوما،

فقال بعضهم: عُنى بذلك تباعا...

وقال آخرون: عنى بقوله: حُسُوما: الريح، وأنها تحسم كلّ شيء، فلا تبقى من عاد أحدا، وجعل هذه الحسوم من صفة الريح...

وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عُنِي بقوله حُسُوما متتابعة، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك. وكان بعض أهل العربية يقول: الحسوم: التباع، إذا تتابع الشيء فلم ينقطع أوّله عن آخره قيل فيه حسوم، قال: وإنما أخذوا والله أعلم من حسم الداء: إذا كوى صاحبه، لأنه لحم يكوى بالمكواة، ثم يتابع عليه.

"فَتَرى القَوْمَ فِيها صَرْعَى ": فترى يا محمد قوم عاد في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام الحسوم صرعى قد هلكوا.

"كأنّهُمْ أعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ ": كأنهم أصول نخل قد خوت،...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{سخرها} قيل: أرسلها، وقيل: أدامها عليهم، وقيل: التسخير التذليل، أي ذللها، فصيرها، بحيث لا تمتنع عن المرور عليهم في الوجه الذي جعلها عليهم، وأطاعته في الوجه الذي أرسلها. إنما أرسل الريح على أبدانهم خاصة، لم تهلك شيئا من مساكنهم كقوله تعالى: {تدمّر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم} [الأحقاف: 25] والريح إذا عملت على الأبدان [فهي على البنيان] أكثر. لكن الله تعالى لم يأمرها بذلك، والله أعلم.

{حسوما} قيل: متتابعة دائما، وقيل: قطعا قطعا من الحسم، يقال حسمت الريح كل شيء مرت به حسما، أي قطعته،

وقيل: مشؤومات حين انقطعت بركتها عنهم.

{فترى القوم فيها صرعى} أي إنك لو أدركتهم، وشهدتهم، وعاينتهم. لرأيتهم {صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية} وقال بعضهم: ألا ترى الأعضاء المتفرقة: كل قطعة منها كأنها عجز نخلة؟ إذا كانوا هم أعظم في أنفسهم من أعجاز النخل [فيصرف تأويله] إلى الأعضاء المتباينة.

{خاوية} قال بعضهم: أي بالية، وقيل: خاوية أي ساقطة كقوله تعالى: {وهي خاوية على عروشها} [البقرة: 259] أي ساقطة على قوائمها.. وقيل: أي خالية، فوصفها بالخلاء لأنها اقتلعت من أصلها حتى خلا ذلك المكان منها.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

الحسوم: لا يخلو من أن يكون جمع حاسم كشهود وقعود. أو مصدراً كالشكور والكفور؛ فإن كان جمعاً فمعنى قوله: {حُسُوماً} نحسات حسمت كل خير واستأصلت كل بركة...

وإن كان مصدراً: فإما أن ينتصب بفعله مضمراً، أي: تحسم حسوماً، بمعنى تستأصل استئصالاً. أو يكون صفة كقولك: ذات حسوم. أو يكون مفعولاً له، أي: سخرها للاستئصال...

التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :

{صرعى}: جمع صريع وهو المطروح بالأرض...

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

صرعى: هلكى.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

قال ابن عباس: {خاوية}: خربة. وقال غيره: بالية، أي: جعلت الريح تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتًا على أم رأسه، فينشدخ رأسه وتبقى جثته هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان. وقد ثبت في الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نُصِرْتُ بالصَّبا، وأهلكَت عادٌ بالدَّبور "...

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن يحيى بن الضِّريس العبدي، حدثنا ابن فُضَيل، عن مسلم، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا فيها إلا مثل موضع الخاتم، فَمرّت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم، فجعلتهم بين السماء والأرض. فلما رأى ذلك أهل الحاضرة الريح وما فيها قالوا: هذا عارض ممطرنا. فألقت أهل البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة"...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما وصفها بالعتو على الخلق والغلبة لهم بحيث كانت خارقة للعادة لم يأت مثلها قبل ولا بعد، دل على صغارها بالنسبة إلى عظمته، وأنه هو الذي أوجدها لا الطبيعة ولا غيرها، بل إنما كانت بقدرته واختياره، قهراً لمن طعن في ملكه وكذب رسله فيما أخبروا به من أمر الساعة التي هي موضع الحكمة وإظهار جميع العظمة، فقال مستأنفاً دلالة على ذلك: {سخرها} أي قهرها على أن سلطها، والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار، ودل على أنه تسخير تعذيب لا رحمة وتأديب بأداة الاستعلاء، فقال: {عليهم} وكلفها ذلك وذللها له فلم يمكنها مع عتوها إلا أن كانت طوع أمره وصنيعة عظمته وقهره...

ولما كانت هذه السورة لتحقيق الأمور، وكشف المشكل وإيضاح الخفي، حقق فيها زمن عذابهم تحقيقاً لم يتقدم مثله، فذكر الأيام والليالي، وقدم الليالي لأن المصائب فيها أفظع وأقبح وأشنع لقلة المغيث والجهل بالمأخذ والخفاء في المقاصد والمنافذ، ولأن عددها مذكر في اللفظ، وتذكير اللفظ أدل على قوة المعنى ولذلك جعل المميز جمع كثرة، ولأنها سبع، والسبع مبالغ فيه وهو أجمع العدد كما يأتي تحقيقه قريباً في حملة العرش، ولا يمكن أن يظن بتقديمها أن ابتداء العذاب كان فيها لأنه يلزم حينئذ أن يكون بعدد الأيام فلذلك قال: {سبع ليال} أي لا تفتر فيها الريح لحظة لأنه بولغ في شدتها مبالغة لم يكن مثلها قط ولا يكون بعدها أبدا... و قد لزم من زيادة عدد الأيام أن الابتداء كان بها قطعاً وإلا لم تكن الليالي سبعاً -فتأمل ذلك...

ولما كان الحاسم المهلك، سبب عنه قوله مصوراً لحالهم الماضية: {فترى القوم} أي الذين هم في غاية القدرة على ما يحاولونه: {فيها} أي في تلك المدة من الأيام والليالي لم يتأخر أحد منهم عنها {صرعى} أي مجدلين على الأرض موتى معصورين مجهزة على كل منهم من شدة ضغطها باد عليهم الذل والصغار،... جمع صريع {كأنهم أعجاز} أي أصول {نخل} قد شاخت وهرمت فهي في غاية العجز والهرم... {خاوية} أي متآكلة الأجواف ساقطة، من خوي النجم- إذا سقط للغروب، ومن خوي المنزل -إذا خلا من قطانه،...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

والتسخير: الغصْب على عمل، واستعير لتكوين الريح الصرصر تكويناً متجاوزاً المتعارف في قوة جنسها، فكأنها مكرهة عليه.

الشعراوي- 1419هـ.

والحق سبحانه استخدم لفظة {حُسُومًا} أي أنها لم تبق منهم أحدا، مثلما نقول: حسمت الأمر، أي أنهيته على التمام.

فسمى الحق سبحانه الريح التي سلطها على قوم عاد حسوما لأنها قتلتهم وأفنتهم.