وقوله تعالى : { ألم تر كيف ضرب الله مثلا } ، ألم تعلم ، والمثل : قول سائر لتشبيه شيء بشيء . { كلمة طيبة } ، هي قول : لا إله إلا الله ، " كشجرة طيبة " ، { كشجرة طيبة } وهي النخلة يريد : كشجرة طيبة الثمر . وقال أبو ظبيان عن ابن عباس : هي شجرة في الجنة . { أصلها ثابت } ، في الأرض ، { وفرعها } ، أعلاها ، { في السماء } ، كذلك أصل هذه الكلمة : راسخ في قلب المؤمن بالمعرفة والتصديق ، فإذا تكلم بها عرجت ، فلا تحجب حتى تنتهي إلى الله عز وجل . قال الله تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } [ فاطر-10 ] .
{ 24 - 26 } { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ *تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ }
يقول تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَة } " وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، وفروعها { كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ } وهي النخلة { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } في الأرض { وَفَرْعُهَا } منتشر { فِي السَّمَاءِ } وهي كثيرة النفع دائما ،
وفي ظل هذه القصة بفصولها جميعا . في الدنيا حيث وقفت أمة الرسل في مواجهة الجاهلية الظالمة :
( واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد . من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد . يتجرعه ولا يكاد يسيغه ، ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ ) . .
وفي الآخرة حيث شاهدنا ذلك المشهد الفريد : مشهد الذين استكبروا والضعفاء والشيطان ، مع ذلك الحوار العجيب . .
في ظل تلك القصة ومصائر الأمة الطيبة ، والفرقة الخبيثة ، يضرب الله مثل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة ، لتصوير سنته الجارية في الطيب والخبيث في هذه الحياة ، فتكون خاتمة كتعليق الراوية على الرواية بعد إسدال الستار :
( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ، أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون . ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار . . )
( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ؛ ويضل الله الظالمين ؛ ويفعل الله ما يشاء ) . .
إن مشهد الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء . . والكلمة الخبيثة كالشجرة الخبيثة ، اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار . . هو مشهد مأخوذ من جو السياق ، ومن قصة النبيين والمكذبين ، ومصير هؤلاء وهؤلاء بوجه خاص .
وقوله : ألَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ألم تر يا محمد بعين قلبك فتعلم كيف مثّل الله مثلاً وشبّه شبها كلمة طيبة ، ويعني بالطيبة : الإيمان به جلّ ثناؤه : كشجرة طيبة الثمرة ، وترك ذكر الثمرة استغناء بمعرفة السامعين عن ذكرها بذكر الشجرة . وقوله : أصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السّماءِ يقول عزّ ذكره : أصل هذه الشجرة ثابت في الأرض ، وفرعها ، وهو أعلاها في السماء : يقول : مرتفع علوا نحو السماء .
ألم تر كيف ضرب الله مثلا } كيف اعتمده ووضعه . { كلمة طيّبة كشجرة طيّبة } أي جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة ، وهو تفسير لقوله { ضرب الله مثلا } ، ويجوز أن تكون { كلمة } بدلا من { مثلا } و{ شجرة } صفتها أو خبر مبتدأ محذوف أي هي { كشجرة } ، وأن تكون أول مفعولي ضرب إجراء له مجرى جعل وقد قرئت بالرفع على الابتداء . { أصلها ثابت } في الأرض ضارب بعروقه فيها . { وفرعها } وأعلاها . { في السماء } ويجوز أن يريد وفروعها أي أفنائها على الاكتفاء بلفظ الجنس لاكتسابه الاستغراق من الإضافة . وقرئ " ثابت أصلها " والأول على أصله ولذلك قيل إنه أقوى ولعل الثاني أبلغ .
استئناف ابتدائي اقتضته مناسبة ما حكي عن أحوال أهل الضلالة وأحوال أهل الهداية ابتداء من قوله تعالى : { وبرزوا لله جميعاً إلى قوله تحيتهم فيها سلام } ، فضرب الله مثلاً لكلمة الإيمان وكلمة الشرك . فقوله : { ألم تر كيف ضرب الله مثلاً } إيقاظ للذهن ليترقب ما يرد بعد هذا الكلام ، وذلك مثل قولهم : ألم تعلم . ولم يكن هذا المثَل مما سبق ضربه قبل نزول الآية بل الآية هي التي جاءت به ، فالكلام تشويق إلى علم هذا المثل . وصوغ التشويق إليه في صيغة الزمن الماضي الدال عليها حرف لَمْ } التي هي لنفي الفعل في الزمن الماضي والدالّ عليها فعل { ضرب } بصيغة الماضي لقصد الزيادة في التشويق لمعرفة هذا المثل وما مثل به .
والاستفهام في { ألم تر } إنكاري ، نُزل المخاطب منزلة من لم يعلم فأنكر عليه عدم العلم ، أو هو مستعمل في التعجيب من عدم العلم بذلك مع أنه مما تتوفر الدواعي على علمه ، أو هو للتقرير ، ومثله في التقرير كثير ، وهو كناية عن التحريض على العلم بذلك .
والخطاب لكل من يصلح للخطاب . والرؤية علمية معلّق فعلها عن العمل بما وليها من الاستفهام ب { كيف } . وإيثار { كيف } هنا للدلالة على أن حالة ضرب هذا المثل ذات كيفية عجيبة من بلاغته وانطباقه .
وتقدم المثَل في قوله : { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } في سورة البقرة ( 17 ) .
وضَرْب المثل : نَظْم تركيبه الدال على تشبيه الحالة . وتقدم عند قوله : { أن يضرب مثلاً ما } في سورة البقرة ( 26 ) .
وإسناد { ضرب } إلى اسم الجلالة لأن الله أوحى به إلى رسوله عليه الصلاة والسلام .
والمثَل لما كان معنى متضمناً عدة أشياء صح الاقتصار في تعليق فعل { ضرب } به على وجه إجمال يفسره قوله : { كلمة طيبة كشجرة } إلى آخره ، فانتصب { كلمة } على البدلية من { مثلاً } بدلَ مفصّل من مجمل ، لأن المثل يتعلق بها لما تدل عليه الإضافة في نظيره في قوله : { ومثل كلمة خبيثة } .
والكلمة الطيبة قيل : هي كلمة الإسلام ، وهي : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والكلمة الخبيثة : كلمة الشرك .
والطيبة : النافعة . استعير الطيب للنفع لحُسن وقعه في النفوس كوقع الروائح الذكية . وتقدم عند قوله تعالى : { وجرين بهم بريح طيبة } في سورة يونس ( 22 ) .
والفَرع : ما امتد من الشيء وعَلا ، مشتق من الافتراع وهو الاعتلاء . وفرع الشجرة غصنها ، وأصل الشجرة : جذرها .
والسماء مستعمل في الارتفاع ، وذلك مما يزيد الشجرة بهجة وحسن منظر .
وفي « جامع الترمذي » عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مثل كلمة طيّبة كشجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها " قال : هي النخلة ، { ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار } قال : هي الحَنْظَل .