بدأت السورة بالإخبار بأن الله سبح له ونزهه عما لا يليق به كل ما في السماوات والأرض . متبعة ذلك بمقتضيات هذا التسبيح من ملك السماوات والأرض ، والإحاطة بهما ، والتصرف فيهما ، ثم أمت بالإيمان بالله والإنفاق في سبيله ، وبينت اختلاف درجات الإنفاق باختلاف دواعيه ومقتضياته ، ثم عرضت صورة المؤمنين يوم القيامة ، يسعى نورهم أمامهم ومن حولهم ، وصورة المنافقين يلتمسون الانتظار من المؤمنين ، ليقتبسوا من نورهم ، وقد ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة ، وظاهره من قبله العذاب .
وانتقلت بعد ذلك تستحث المؤمنين إلى الخشوع لذكر الله ، وما نزل من الحق ، وتبصرهم بمنازل المصدقين والمصدقات عند ربهم ، ومآل الكافرين المكذبين في الجحيم ، وتضرب الأمثال لهوان الدنيا وما حوته من متاع ، وعظم الآخرة وما فيها من نعيم وعذاب ، وتطلب السبق إلى مغفرة الله ، وتطمئن النفوس إلى أن ما يصيب كل نفس من خير أو شر هو في كتاب عند الله ، لتذعن بالتسليم لقضاء الله ، ثم تحدثت عن إرسال الرسل وتتابعهم مؤيدين بالأدلة والكتب وأسباب القوة والعمل ، ليقوم الناس بالقسط ، ثم ختمت الآية بدعوة المؤمنين إلى التقوى ، ووعدهم بمضاعفة الرحمة ، والحظوة بالفضل الذي لا يقدر أحد على شيء منه إلا الله . لأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
1- نزه الله تعالى ما في السماوات والأرض من الإنسان والحيوان والجماد ، وهو الغالب الذي يصرِّف الأمور بما تقتضيه الحكمة .
{ 1-6 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ *هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ * يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }
يخبر تعالى عن عظمته وجلاله وسعة سلطانه ، أن جميع ما في السماوات والأرض من الحيوانات الناطقة والصامتة وغيرها ، [ والجوامد ] تسبح بحمد ربها ، وتنزهه عما لا يليق بجلاله ، وأنها قانتة لربها ، منقادة لعزته ، قد ظهرت فيها آثار حكمته ، ولهذا قال : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فهذا فيه بيان عموم افتقار المخلوقات العلوية والسفلية لربها ، في جميع أحوالها ، وعموم عزته وقهره للأشياء كلها ، وعموم حكمته في خلقه وأمره .
القول في تأويل قوله تعالى : { سَبّحَ للّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : سَبّحَ لِلّهِ ما في السّمَوَاتِ والأرْضِ أن كلّ ما دونه من خلقه يسبحه تعظيما له ، وإقرارا بربوبيته ، وإذعانا لطاعته ، كما قال جلّ ثناؤه : تُسَبّحُ لَهُ السّمَوَاتُ السّبْعُ والأرْضُ وَمَنْ فِيهِنّ وَإنْ مِنْ شَيْءٍ إلاّ يُسَبّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقُهُونَ تَسْبِيحَهُمْ .
وقوله : وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ يقول : ولكنه جلّ جلاله العزيز في انتقامه ممن عصاه ، فخالف أمره مما في السموات والأرض من خلقه الحَكِيمُ فِي تَدْبِيرِهِ أمرهم ، وتصريفه إياهم فيما شاء وأحبّ .
وهي مدنية فيما قال النقاش وغيره بإجماع من المفسرين وقال غيره مكية قال القاضي أبو محمد ولا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا لكن يشبه صدرها أن يكون مكيا والله اعلم وقد ذكرنا قول ابن عباس إن اسم الله الأعظم هو في ست آيات من أول سورة الحديد وروي أن الدعاء بعد قراءتها مستجاب{[1]} .
قال أكثر المفسرين : التسبيح هنا هو التنزيه المعروف في قولهم : سبحان الله ، وهذا عندهم إخبار بصيغة الماضي مضمنه الدوام أن التسبيح مما ذكر دائم مستمر ، واختلفوا هل هذا التسبيح حقيقة أو مجاز على معنى أثر الصنعة فيها تنبه الرائي على التسبيح ، فقال الزجاج وغيره : والقول بالحقيقة أحسن ، وقد تقدم القول فيه غير مرة ، وهذا كله في الجمادات ، وأما ما يمكن التسبيح منه فقول واحد إن تسبيحهم حقيقة ، وقال قوم من المفسرين : التسبيح في هذه السورة : الصلاة ، وهذا قول متكلف ، فأما فيمن يمكن منه ذلك فسائغ ، وأما سجود ظلال الكفار هي صلاتهم ، وأما في الجمادات فيقلق ، وذلك أن خضوعها وخشوع هيئاتها قد يسمى في اللغة سجوداً أو استعارة كما قال الشاعر [ زيد الخيل ] : [ الطويل ]
ترى الأكم فيها سُجَّداً للحوافر . . . {[10949]}
ويبعد أن تسمى تلك صلاة الأعلى تحامل .
وقوله : { ما في السماوات والأرض } عام في جميع المخلوقات ، وقال بعض النحاة ، التقدير : ما في السماوات وما في الأرض ، ف «ما » نكرة موصوفة حذفها وأقام الصفة مقامها ، { وهو العزيز } بقدرته وسلطانه ، { الحكيم } بلطفه وتدبيره وحكمته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.