فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الحديد

هي تسع وعشرون آية وهي مدنية

قال القرطبي : في قول الجميع قال ابن عباس : نزلت بالمدينة ، وعن ابن الزبير مثله ، وعليه الجمهور ، وقال الزمخشري : إنها مكية ، ويؤيده ما نقل في سبب إسلام عمر بن الخطاب أنه لما قرأ هذه الآيات إلى قوله : { إن كنتم مؤمنين } وكانت مكتوبة في صحيفة عند أخته أسلم ، فهذا يقتضي أن هذه الآيات مكية ، فعلى هذا تستثنى على القول بأن السورة مدينة ، تأمل .

" وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت سورة الحديد يوم الثلاثاء وخلق الحديد يوم الثلاثاء ، وقتل ابن آدم أخاه يوم الثلاثاء ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة يوم الثلاثاء ، أخرجه الطبراني وابن مردويه قال السيوطي بسند ضعيف .

وعن جابر مرفوعا لا تحتجموا يوم الثلاثاء فإن سورة الحديد أنزلت علي يوم الثلاثاء أخرجه الديلمي .

" وعن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد وقال : أن فيهن آية أفضل من ألف آية ، أخرجه أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وغيرهم وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال معروف .

وأخرجه النسائي عن خالد بن معدان قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يذكر العرباض بن سارية فهو مرسل وأخرجه ابن الضريس .

" عن يحي بن أبي كثير قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ المسبحات وكان يقول : إن فيهن آية أفضل من ألف آية " قال يحيى فنراها الآية التي في آخر الحشر " وقال ابن كثير في تفسيره والآية المشار إليها والله أعلم هي قوله : { هو الأول والآخر والظاهر والباطن } الآية والمسبحات هي الحديد والحشر والصف والجمعة والتغابن .

{ سبح لله ما في السماوات والأرض } أي نزهه ومجده قال المقاتلان : يعني كل شيء من ذي روح وغيره ، وقد تقدم الكلام في تسبيح الجمادات ، عند تفسير قوله : وإن من شيء إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم . والمراد بالتسبيح المسند إلى ما في السموات والأرض من العقلاء وغيرهم ، والحيوانات والجمادات هو ما يعم التسبيح بلسان المقال ، كتسبيح الملائكة والإنس والجن ، وبلسان الحال كتسبيح غيرهم ، فإن كل موجود يدل على الصانع ، وقد أنكر الزجاج أن يكون تسبيح غير العقلاء هو تسبيح الدلالة وقال : لو كان هذا تسبيح الدلالة وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة ، فلم قال : ولكن لا تفقهون تسبيحهم ؟ وإنما هو تسبيح مقال ، واستدل بقوله : وسخرنا مع داود الجبال يسبحن ، فلو كان هذا التسبيح من الجبال تسبيح دلالة لم تكن لتخصيص داود فائدة .

وفعل التسبيح قد يتعدى بنفسه تارة كما في قوله : وسبحوه ، وباللام أخرى كهذه الآية ، وأصله أن يكون متعديا بنفسه ، لأن معنى سبحته بعدته عن السوء فإذا استعمل باللام فهي إما زائدة للتأكيد كما في شكرته وشكرت له ، أو هي للتعليل ، أي أفعل التسبيح لأجل الله سبحانه خالصا له .

وجاء هذا الفعل في بعض هذه الفواتح ، كالحشر والصف ماضيا كهذه الفاتحة . وفي بعضها كالجمعة والتغابن مضارعا ، وفي بعضها كالأعلى أمرا ، وفي بني إسرائيل بلفظ المصدر ، استيعابا واستيفاء لهذه الكلمة من جميع جهاتها المشهورة ، وللإشارة إلى أن هذه الأشياء مسبحة في كل الأوقات ، لا يختص تسبيحها بوقت دون وقت بل هي مسبحة أبدا في الماضي ، وستكون مسبحة في المستقبل أبدا ، وبدأ بالمصدر في الإسراء لأنه الأصل ، وأبلغ من حيث إنه مشعر بإطلاقه عن التعرض للفاعل والزمان ، ثم بالماضي لسبق زمنه . ثم بالمضارع لشموله الحال والإستقبال ، ثم بالأمر لخصوصه بالاستقبال مع تأخره في النطق به في قولهم : فعل يفعل أفعل .

{ وهو العزيز } أي القادر الغالب الذي لا ينازعه منازع ولا يمانعه ممانع كائنا ما كان ، قرأ قالون وأبو عمرو بسكون الهاء والباقون بضمها { الحكيم } الذي يفعل أفعال الحكمة والصواب .