سورة الحديد مدنية وآياتها تسع وعشرون ، نزلت بعد سورة الزلزلة . وهي من السور المدنية التي تعنى بالتشريع وتهذيب الأخلاق والتربية ، وبناء مجتمع إسلامي جديد على أساس العقيدة الصافية ، والخلق الكريم ، والتشريع الإسلامي البناء ، حتى يهيئ الله المؤمنين لحمل هذا الدين ، وإبلاغه للناس أجمعين . وقد سميت سورة الحديد لقوله تعالى : { وأنزلنا الحديدَ فيه بأس شديد ومنافع للناس } . وقد جاء اكتشافه انقلابا كبيرا في مصير الحضارة ، فمن الحديد تُصنع السيوف والرماح والدروع وكانت في ذلك العصر هي آلات الحرب ، واليوم تصنع منه الدبّابات والغواصات والبواخر والمدافع ، وجميع آلات الحرب ووسائل النقل والبناء .
وقد تناولت السورة مواضيع عديدة أوّلها وأهمها أن يكون الكون كله لله ، وبدأت بالإخبار أن الله سبح له ونزهه عما لا يليق به كل من في السموات والأرض ، وأنه هو المتصرف بهذا الكون العجيب كما يشاء .
والثاني : أنها بعد أن أمرت بالإيمان بالله حضّت على الإنفاق في سبيل الله والتضحية بالأموال والأنفس لإعزاز دين الله ، وأظهرت صورة المؤمنين يسعى نورهم أمامهم وحولهم ، وصورة المنافقين يلتمسون الانتظار من المؤمنين ، ليقتبسوا من نورهم . وقد ضُرب بينهم بسور له باب ، باطنه فيه الرحمة ، وظاهره من قِبَله العذاب .
والأمر الثالث : تصوير حقيقة الدنيا وما فيها من بَهْرَج خادع ، ونعيم زائل ، حتى لا يغتر بها الإنسان . وتضرب السورة الأمثال على هوان الدنيا وما حوته من متاع ، وعظم الآخرة وما فيها من نعيم للمؤمنين وعذاب للكافرين والمنافقين . وقد ظهرت هذه الفئة بالمدينة وكان لها خطر كبير على المؤمنين ، لكن الله نَصَر المؤمنين عليهم بإيمانهم وثباتهم وبذلهم وتضحيتهم .
وفي السورة الكريمة دعوة للمؤمنين إلى التنافس والتسابق نحو الدار الآخرة ونيل الرضوان من الله ، وذلك في قوله تعالى : { سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدّت للذين آمنوا بالله ورسله ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم } . وتخلل السورة ذكر بعض الأنبياء ، وإنزال الحديد .
ثم ختمت السورة بدعوة المؤمنين إلى تقوى الله ، والإيمان برسوله ، ووعد الله لهم بمضاعفة الرحمة ، والحظوة بالفضل الذي لا يقدر أحد على شيء منه غيره { وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم } صدق الله العظيم .
سبّح لله : نزّهه عن كل ما لا يليق به .
العزيز : الذي لا ينازعه في ملكه شيء .
الحكيم : الذي يفعل أفعاله وَفْقَ الحكمة والصواب .
بُدئت هذه السورة الكريمة بالتسبيح ، وكذلك بدئت بعدها أربع سور مدنية ، هي : الحشر والصف و الجمعة و التغابن . وأيُّ تسبيح ! إن كل ما في الوجود يسبّح لله . وما هو هذا التسبيح ؟ . يقول علماء المادة اليوم : « إن التسبيح ها هنا
لا يقتصر على كون الذرّات والأجسام الفضائية تخضع للنواميس التي وضعَها اللهُ فيها ، فهي بهذا تسبّحُ بحمد الله سبحانه ، فهناك ما هو أبعدُ من هذا وأقرب إلى مفهوم التسبيح الحيّ والتقديس الواعي . إن هذه الموجودات المادية تملك أرواحاً ، وهي تمارس تسبيحَها وتقديسها بالروح ، وربما بالوعي الذي لا نستطيع استيعاب ماهيّته ، كما يقول تعالى في سورة الإسراء 44 : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } حقا إن إدراك الطرائق التي تعمل بها الذراتُ والأجسام لَمِمّا يصعُب تحقيقه ، ومهما تقدّم العلم وخطا خطواتهِ العملاقة ، فسيظلُّ جانبٌ من أكثر جوانب التركيب الماديّ أهميةً بعيداً عن الكشف النهائي ، مستعصياً على البَوْح بالسِّر المكنون » .
إن عصر الإنكار الكلّي لحقائقَ علميةٍ معينة قد انتهى ، وحلَّ محلّه اعتقادٌ سائد أخَذَ يتسع شيئاً فشيئا ، في أن ميدانَ العِلم لا يشهَدُ تغيراتٍ فحسب ، بل طَفَراتٍ وثورات .
إن نتائج فلسفيةً هامة ستتمخّض حقاً عن هذا التغير ، والفرق بين ما هو طبيعي وما هو خارقٌ للطبيعة سوف يتناقص . . الفرقُ بين الطبيعة وما وراء الطبيعة ، والحضور والغيْب ، والمادة والروح ، والقدَر والحرّية ، وستلتقي معطياتُ العلم مع حقائق الدين في عناق حار ، لقاءً كثيراً ما حدّثنا عنه القرآنُ الكريم ، كتابُ الله المعجزة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.