المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

10- من كان يريد الشرف والقوة فليطلبها بطاعة الله ، فإن له القوة كلها ، إليه يعلو الكلم الطيب ، ويرفع الله العمل الصالح فيقبله ، والذين يدبرون للمؤمنين المكيدات التي تسوؤهم لهم عذاب شديد ، وتدبيرهم فاسد ، لا يحقق غرضا ولا ينتج شيئا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

قوله تعالى :{ من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً } قال الفراء : معنى الآية من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعاً . وقال قتادة : من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة ، أي : فليطلب العزة من عند الله بطاعته ، كما يقال : من كان يريد المال فالمال لفلان ، أي : فليطلبه من عنده ، وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا بها التعزز كما قال الله واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا كلا ، وقال : { الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً } { إليه } أي : إلى الله ، { يصعد الكلم الطيب } وهو قوله لا إله إلا الله ، وقيل : هو قول الرجل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .

أحبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أبو منصور السمعاني ، أنبأنا أبو جعفر الرياني ، أنبأنا حميد بن زنجويه ، أنبأنا الحجاج بن نصر ، أنبأنا المسعودي عن عبد الله بن المخارق ، عن أبيه ، عن ابن مسعود قال : إذا حدثتكم حديثاً أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله عز وجل : " ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، وتبارك الله ، إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه ثم صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيى بها وجه رب العالمين ، ومصداق ذلك في كتاب الله عز وجل قوله : { إليه يصعد الكلم الطيب } ذكره ابن مسعود . وقيل : الكلم الطيب : ذكر الله . وعن قتادة : إليه يصعد الكلم الطيب أي : يقبل الله الكلم الطيب . قوله : { والعمل الصالح يرفعه } أي : يرفع العمل الصالح الكلم الطيب ، فالهاء في قوله يرفعه راجعة إلى الكلم الطيب ، وهو قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، وعكرمة ، وأكثر المفسرين . وقال الحسن وقتادة : الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه ، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله ، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، فمن قال حسناً وعمل غير صالح رد الله عليه قوله ، ومن قال حسناً وعمل صالحاً يرفعه العمل ذلك بأن الله يقول : { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } وجاء في الحديث : " لا يقبل الله قولاً إلا بعمل ولا قولاً ولا عملاً إلا بنية " . وقال قوم : الهاء في قوله يرفعه راجعة إلى العمل الصالح أي : الكلم الطيب يرفع العمل الصالح ، فلا يقبل عمل إلا أن يكون صادراً عن التوحيد ، وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل . وقيل : الرفع من صفة الله عز وجل معناه : العمل الصالح يرفعه الله عز وجل . وقال سفيان بن عيينة : العمل الصالح هو الخالص ، يعني أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال ، دليله قوله عز وجل : { فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً } فجعل نقيض الصالح الشرك والرياء ، { والذين يمكرون السيئات } قال الكلبي : أي : الذين يعملون السيئات . وقال مقاتل : يعني الشرك . وقال أبو العالية : يعني الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم في دار النبوة ، كما قال الله تعالى : { وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك } وقال مجاهد : وشهر بن حوشب ، هم أصحاب الرياء . { لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور } يبطل ويهلك في الآخرة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

{ 10 } { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ }

أي : يا من يريد العزة ، اطلبها ممن هي بيده ، فإن العزة بيد اللّه ، ولا تنال إلا بطاعته ، وقد ذكرها بقوله : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ } من قراءة وتسبيح وتحميد وتهليل وكل كلام حسن طيب ، فيرفع إلى اللّه ويعرض عليه ويثني اللّه على صاحبه بين الملأ الأعلى { وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ } من أعمال القلوب وأعمال الجوارح { يَرْفَعُهُ } اللّه تعالى إليه أيضا ، كالكلم الطيب .

وقيل : والعمل الصالح يرفع الكلم الطيب ، فيكون رفع الكلم الطيب بحسب أعمال العبد الصالحة ، فهي التي ترفع كلمه الطيب ، فإذا لم يكن له عمل صالح ، لم يرفع له قول إلى اللّه تعالى ، فهذه الأعمال التي ترفع إلى اللّه تعالى ، ويرفع اللّه صاحبها ويعزه .

وأما السيئات فإنها بالعكس ، يريد صاحبها الرفعة بها ، ويمكر ويكيد ويعود ذلك عليه ، ولا يزداد إلا إهانة ونزولا ، ولهذا قال : { والعمل الصالح يرفعه وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } يهانون فيه غاية الإهانة . { وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } أي : يهلك ويضمحل ، ولا يفيدهم شيئا ، لأنه مكر بالباطل ، لأجل الباطل .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

القول في تأويل قوله تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزّةَ فَلِلّهِ الْعِزّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالّذِينَ يَمْكُرُونَ السّيّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ } .

اختلف أهل التأويل في معنى قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ فَلِلّهِ العِزّةُ جَمِيعا فقال بعضهم : معنى ذلك : من كان يريد العزّة بعبادة الاَلهة والأوثان ، فإن العزة لله جميعا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ يقول : من كان يريد العزّة بعبادته الاَلهة فإنّ العِزّةَ لِلّهِ جَمِيعا .

وقال آخرون : معنى ذلك : من كان يريد العزة فليتعزّز بطاعة الله . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزّةَ فَلِلّهِ العِزّةُ جَمِيعا يقول : فليتعزّز بطاعة الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : من كان يريد علم العزّة لمن هي ، فإنه لله جميعا كلها : أي كلّ وجه من العزّة فللّه .

والذي هو أولى الأقوال بالصواب عندي قول من قال : من كان يريد العزّة ، فبالله فليتعزّز ، فللّه العزّة جميعا ، دون كلّ ما دونه من الاَلهة والأوثان .

وإنما قلت : ذلك أولى بالصواب ، لأن الاَيات التي قبل هذه الاَية ، جرت بتقريع الله المشركين على عبادتهم الأوثان ، وتوبيخه إياهم ، ووعيده لهم عليها ، فأولى بهذه أيضا أن تكون من جنس الحث على فراق ذلك ، فكانت قصتها شبيهة بقصتها ، وكانت في سياقها .

وقوله : إلَيْه يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّب يقول تعالى ذكره : إلى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه عليه والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ يقول : ويرفع ذكر العبد ربه إليه عمله الصالح ، وهو العمل بطاعته ، وأداء فرائضه ، والانتهاء إلى ما أمر به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : أخبرني جعفر بن عون ، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، عن عبد الله بن المخارق ، عن أبيه المخارق بن سليم ، قال : قال لنا عبد الله : إذا حدّثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله . إن العبد المسلم إذا قال : سبحان الله وبحمده ، الحمد لله لا إله إلاّ الله ، والله أكبر ، تبارك الله ، أخذهنّ ملك ، فجعلهنّ تحت جناحيه ، ثم صعد بهنّ إلى السماء ، فلا يمرّ بهنّ على جمع من الملائكة إلاّ استغفروا لقائلهنّ حتى يحيي بهنّ وجه الرحمن ، ثم قرأ عبد الله : إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّبِ والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا سعيد الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، قال : قال كعب : إن لسبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ الله ، والله أكبر ، لدويا حول العرش كدويّ النحل ، يذكرن بصاحبهنّ ، والعمل الصالح في الخزائن .

حدثني يونس ، قال : حدثنا سفيان ، عن ليث بن أبي سليم ، عن شهر بن حوشب الأشعري ، قوله : إِليْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ قال : العمل الصالح يرفع الكلم الطيب .

حدثني عليّ ، حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ قال : الكلام الطيب : ذكر الله ، والعمل الصالح : أداء فرائضه فمن ذَكَر الله سبحانه في أداء فرائضه ، حُمِل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله ، ومن ذكر الله ، ولم يؤدّ فرائضه ، رُدّ كلامه على عمله ، فكان أولى به .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّبُ وَالعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ قال : العمل الصالح يرفع الكلام الطيب .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطّيّبُ والعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ قال : قال الحسن وقتادة : لا يقبل الله قولاً إلاّ بعمل ، من قال وأحسن العمل قبل الله منه .

وقوله : وَالّذِينَ يَمْكُرُونَ السّيّئاتِ يقول تعالى ذكره : والذين يكسبون السيئات لهم عذاب جهنم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : ثني سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَالّذِينَ يَمْكُرُونَ السّيّئاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ قال : هؤلاء أهل الشرك .

وقوله : وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ يقول : وعمل هؤلاء المشركين يَبور ، فيبطُل فيذهب ، لأنه لم يكن لله ، فلم ينفع عامله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ : أي يفسد .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا سفيان ، عن ليث بن أبي سليم ، عن شهر بن حوشب وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال : هم أصحاب الرياء .

حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا سهل بن أبي عامر ، قال : حدثنا جعفر الأحمر ، عن شهر بن حوشب ، في قوله وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال : هم أصحاب الرياء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ قال : بار فلم ينفعهم ، ولم ينتفعوا به ، وضرّهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

{ من كان يريد العزة } الشرف والمنعة . { فلله العزة جميعا } أي فليطلبها من عنده فإن له كلها ، فاستغنى بالدليل عن المدلول . { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه } بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح ، وصعودهما إليه مجاز عن قبوله إياهما ، أو صعود الكتبة بصحيفتهما ، والمستكن في { يرفعه } ل{ الكلم } فإن العمل لا يقبل إلا بالتوحيد ويؤيده أنه نصب { العمل } ، أو ل العمل } فإنه يحقق الإيمان ويقويه ، أو لله وتخصيص العمل بهذا الشرف لما فيه من الكلفة . وقرئ { يصعد } على البناءين والمعصد هو الله تعالى أو المتكلم به أو الملك . وقيل { الكلم الطيب } يتناول الذكر والدعاء وقراءة القرآن . وعنه عليه الصلاة والسلام " هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، فإذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن ، فإذا لم يكن عمل صالح لم تقبل " . { والذين يمكرون السيئات } المكرات السيئات يعني مكرات قريش للنبي عليه الصلاة والسلام في دار الندوة وتداورهم الرأي في إحدى ثلاث حبسه وقتله وإجلائه . { لهم عذاب شديد } لا يؤبه دونه بما يمكرون به . { ومكر أولئك هو يبور } يفسد ولا ينفذ لأن الأمور مقدرة لا تتغير به كما دل عليه بقوله : { والله خلقكم من تراب } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّـٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ لَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٞۖ وَمَكۡرُ أُوْلَـٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ} (10)

وقوله تعالى : { من كان يريد العزة } يحتمل ثلاثة معان : أحدها أن يريد { من كان يريد العزة } بمغالبة { فلله العزة } أي ليست لغيره ولا تتم إلا له وهذا المغالب مغلوب ونحا إليه مجاهد ، وقال { من كان يريد العزة } بعبادة الأوثان .

قال القاضي أبو محمد : وهذا تمسك بقوله تعالى : { واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً }{[9695]} [ مريم : 81 ]

والمعنى الثاني { من كان يريد العزة } وطريقها القويم ويحب نيلها على وجهها { فلله العزة } أي به وعن أوامره لا تنال عزته إلا بطاعته{[9696]} ، ونحا إليه قتادة . والمعنى الثالث وقاله الفراء { من كان يريد } علم { العزة فلله العزة } أي هو المتصف بها ، و { جميعاً } حال ، وقوله تعالى : { إليه يصعد الكلم الطيب } أي التوحيد والتمجيد وذكر الله ونحوه ، وقرأ الضحاك «إليه يُصعد » بضم الياء ، وقرأ جمهور الناس «الكلم » وهو جمع كلمة ، وقرأ أبو عبد الرحمن «الكلام » ، و { الطيب } الذي يستحسن سماعه الاستحسان الشرعي ، وقال كعب الأحبار : إن لسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لدوياً حول العرش كدوي النحل تذكر بصاحبها ، وقوله تعالى : { والعمل الصالح يرفعه } اختلف الناس في الضمير في { يرفعه } على من يعود ، فقالت فرقة يعود على { العمل } ، واختلفت هذه الفرقة فقال قوم الفاعل ب «يرفع » هو { الكلم } أي والعمل يرفعه الكلم وهو قول لا إله إلا الله لأنه لا يرتفع عمل إلا بتوحيد ، وقال بعضهم الفعل مسند إلى الله تعالى أي «والعمل الصالح يرفعه هو » .

قال القاضي أبو محمد : وهذا أرجح الأقوال ، وقال ابن عباس وشهر بن حوشب ومجاهد وقتادة الضمير في { يرفعه } عائد على { الكلم } أي أن العمل الصالح هو يرفع الكلم .

قال القاضي أبو محمد : واختلفت عبارات أهل هذه المقالة فقال بعضها وروي عن ابن عباس أن العبد إذا ذكر الله وقال كلاماً طيباً وأدى فرائضه ارتفع قوله مع عمله ، وإذا قال ولم يؤد فرائضه رد قوله على عمله ، وقيل عمله أولى به .

قال القاضي أبو محمد : وهذا قول يرده معتقد أهل الحق والسنة ولا يصح{[9697]} عن ابن عباس ، والحق أن العاصي التارك للفرائض إذا ذكر الله تعالى وقال كلاماً طيباً فإنه مكتوب له متقبل منه وله حسناته وعليه سيئاته ، والله تعالى يتقبل من كل من اتقى الشرك ، وأيضاً فإن { الكلم الطيب } عمل صالح وإنما يستقيم قول من يقول إن العمل هو الرافع ل { الكلم } بأن يتأول أنه يزيد في رفعه وحسن موقعه إذا تعاضد معه ، كما أن صاحب الأعمال من صلاة وصيام وغير ذلك إذا تخلل أعماله كلم طيب وذكر لله كانت الأعمال أشرف .

قال القاضي أبو محمد : فيكون قوله { والعمل الصالح يرفعه } موعظة وتذكرة وحضاً على الأعمال{[9698]} ، وذكر الثعلبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا يقبل الله قولاً إلا بعمل ولا عمل إلا بنية »{[9699]} ، ومعناه قولاً يتضمن أن قائله عمل عملاً أو يعمله في الأنف ، وأما الأقوال التي هي أعمال في نفوسها كالتوحيد والتسبيح فمقبولة على ما قدمناه ، وقرأت فرقة «والعملَ » بالنصب «الصالحَ » على النعت وعلى هذه القراءة ف { يرفعه } مستند إما إلى الله تعالى وإما إلى { الكلم } ، والضمير في { يرفعه } عائد على { العمل } لا غير ، وقوله { يمكرون السيئات } إما أنه عدى { يمكرون } لما أحله محل يكسبون ، وإما أنه حذف المفعول وأقام صفته مقامه تقديره يمكرون المكرات السيئات ، و { يمكرون } معناه يتخابثون ويخدعون وهم يظهرون أنهم لا يفعلون ، و { يبور } معناه يفسد ويبقى لا نفع فيه ، وقال بعض المفسرين يدخل في الآية أهل الربا .

قال القاضي أبو محمد : ونزول الآية أولاً في المشركين .


[9695]:من الآية(81) من سورة (مريم).
[9696]:قال صلى الله عليه وسلم مفسرا لقوله تعالى:{من كان يريد العزة فلله العزة جميعا}:(من أراد عز الدارين فليطع العزيز)، ولقد أحسن من قال: وإذا تذللت الرقاب تواضعا منا إليك فعزها في ذلها ومن اعتز بالله أعزه الله، ومن اعتز بالعبد أذله الله.
[9697]:الذي في الأصول:"والأصح عن ابن عباس رضي الله عنهما، والصواب ما ذكرناه، وقد نقله القرطبي في تفسيره هكذا.
[9698]:نقل القرطبي كلام ابن عطية هذا، وفيما نقله زيادة على ما هنا، وهي:"وأما الأقوال التي هي أعمال في نفوسها، كالتوحيد والتسبيح فمقبولة". (القرطبي14-330).
[9699]:ذكر القرطبي الحديث كاملا، ونصه:(لا يقبل الله قولا إلا بعمل، ولا يقبل قولا وعملا إلا بنية، ولا يقبل قولا وعملا ونية إلا بإصابة السنة)، ووجدت في الجامع الصغير حديثا أخرجه الطبراني في الكبير، ورمز له الإمام السيوطي بأنه حديث حسن، ولفظه:(لا يقبل إيمان بلا عمل، ولا عمل بلا إيمان)، وليس فيه ذكر للأقوال، وإنما هو بيان لقيمة العمل في الإسلام إلى جانب العقيدة.