المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَيَّ لَئِنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا} (62)

62- قال إبليس : أخبرني يا رب عن هذا الذي كرمته علىَّ ، بأن أمرتني بالسجود له . لِمَ كرَّمته عليّ وأنا خير منه ؟ وعزتك لئن أخرتني حياً إلى يوم القيامة لأهلكن ذريته بالإغواء ، إلا قليلا منهم ممن عصمته وحفظته .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قَالَ أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَيَّ لَئِنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا} (62)

قوله تعالى : { قال } يعني إبليس : { أرأيتك } أي أخبرني ، والكاف لتأكيد المخاطبة ، { هذا الذي كرمت علي } أي : فضلته علي : { لئن أخرتن } أمهلتني { إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته } أي : لأستأصلنهم بالإضلال ، يقال احتنك الجراد الزرع إذا أكله كله . وقيل : هو من قول العرب حنك الدابة يحنكها : إذا شد في حنكها الأسفل حبلاً يقودها ، أي : لأقودنهم كيف شئت . وقيل : لأستولين عليهم بالإغواء ، { إلا قليلاً } ، يعني المعصومين الذين استثناهم الله عز وجل في قوله : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } [ الحجر – 42 ] .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قَالَ أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَيَّ لَئِنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا} (62)

فلما تبين لإبليس تفضيل الله لآدم { قَالَ } مخاطبا لله : { أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } أي : لأستأصلنهم بالإضلال ولأغوينهم { إِلَّا قَلِيلًا } عرف الخبيث أنه لا بد أن يكون منهم من يعاديه ويعصيه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالَ أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَيَّ لَئِنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا} (62)

ثم فصل - سبحانه - ما قاله إبليس فى اعتراضه على السجود لآدم فقال : { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } .

ورأى هنا علمية فتتعدى إلى مفعولين ، أولهما { هذا } والثانى محذوف لدلالة الصلة عليه ، والكاف حرف خطاب مؤكد لمعنى التاء قبله ، والاسم الموصول { الذى } بدل من { هذا } أو صفة له ، والمراد من التكريم فى قوله { كرمت على } : التفضيل .

والمعنى : قال إبليس فى الرد على خالقه - عز وجل - : أخبرنى عن هذا الإِنسان المخلوق من الطين ، والذى فضلته على ، لماذا فضلته على وأمرتنى بالسجود له مع أننى أفضل منه ، لأنه مخلوق من طين ، وأنا مخلوق من نار ! !

وجملة هذا الذى كرمت على ، واقعة موقع المفعول الثانى .

ومقصود إبليس من هذا الاستفهام ، التهوين من شأن آدم - عليه السلام - والتقليل من منزلته . ولم يجبه - سبحانه - على سؤاله ، تحقيرًا له . وإهمالاً لشخصه ، بسبب اعتراضه على أمر خالقه - عز وجل - .

ثم أكد إبليس كلامه فقال : { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إلى يَوْمِ القيامة لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } . إذ أن اللام فى قوله { لئن .

. . } موطئة للقسم ، وجوابه لأحتنكن .

وأصل الاحتناك : الاستيلاء على الشئ ؛ أو الاستئصال له . يقال : حنك فلان الدابة يحتنكها - بكسر النون ورفعها - إذا وضع فى حنكها - أى فى ذقنها - الرسن ليقودها به . ويقال : احتنك الجراد الأرض ، إذا أكل نباتها وأتى عليه .

والمعنى : قال إبليس - متوعدًا ومهددًا - : لئن أخرتن - يا إلهى - إلى يوم القيامة ، لأستولين على ذرية آدم ، ولأقودنهم إلى ما أشاء من المعاصى والشهوات ، إلا عدداً قليلاً منهم فإنى لا أستطيع ذلك بالنسبة لهم ، لقوة إيمانهم ، وشدة إخلاصهم .

وهذا الذى ذكره - سبحانه - عن إبليس فى هذه الآية من قوله : { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً } شبيه به قوله - تعالى - : { ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ } وقوله - تعالى - { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين } قال بعض العلماء : وقول إبليس فى هذه الآية : { لأحتنكن ذريته . . . } قاله ظنا منه أنه سيقع . وقد تحقق له هذا الظن - فى كثير من بنى آدم - كما قال - تعالى { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقاً مِّنَ المؤمنين }

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَيَّ لَئِنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا} (62)

{ قال أرأيتك هذا الذي كرّمت عليّ } الكاف لتأكيد الخطاب لا محل له من الإعراب ، وهذا مفعول أول والذي صفته والمفعول الثاني محذوف لدلالة صلته عليه ، والمعنى اخبرني عن هذا الذي كرمته علي بأمري بالسجود له لم كرمته علي . { لئن أخّرتني إلى يوم القيامة } كلام مبتدأ واللام موطئة للقسم وجوابه : { لأحتنكنّ ذريته إلا قليلا } أي لأستأصلنهم بالإغواء إلا قليلا لا اقدر أن أقاوم شكيمتهم ، من أحتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلاً ، مأخوذ من الحنك وإنما علم أن ذلك يتسهل له إما استنباطا من قول الملائكة { أتجعل فيها من يفسد فيها } مع التقرير ، أو تفرسا من خلقه ذا وهم وشهوة وغضب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَيَّ لَئِنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا} (62)

جملة { قال أرأيتك } بدل اشتمال من جملة { أأسجد لمن خلقت طيناً } باعتبار ما تشتمل عليْه من احتقار آدم وتغليط الإرادة من تفضيله . فقد أعيد إنكار التفضيل بقوله : { أرأيتك } المفيد الإنكار . وعلل الإنكار بإضمار المكر لذريته ، ولذلك فصلت جملة { قال أرأيتك } عن جملة { قال أأسجد } كما وقع في قوله تعالى : { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد } [ طه : 120 ] .

و{ أرأيتك } تركيب يفتتح بها الكلام الذي يراد تحقيقه والاهتمام به . ومعناه : أخبرني عما رأيت ، وهو مركب من همزة استفهام ، و ( رأى ) التي بمعنى علم وتاء المخاطب المفرد المرفوع ، ثم يزاد على ضمير الخطاب كافُ خطاب تشبه ضمير الخطاب المنصوب بحسب المخاطب واحداً أو متعدداً . يقال : أرأيتك وأرأيتكم كما تقدم في قوله تعالى : { قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة } في سورة [ الأنعام : 40 ] . وهذه الكاف عند البصريين تأكيد لمعنى الخطاب الذي تفيده تاء الخطاب التي في محل رفع ، وهو يشبه التوكيد اللفظي . وقال الفراء : الكاف ضمير نصب ، والتركيب : أرأيتَ نفسك . وهذا أقرب للاستعمال ، ويسوغه أن أفعال الظن والعلم قد تنصب على المفعولية ما هو ضميرُ فاعلها نحو قول طرفة :

فما لي أراني وابنَ عمي مالكاً *** مَتى أدْنُ منه ينأ عني ويبَعَد

أي أرى نفسي .

واسم الإشارة مستعمل في التحقير ، كقوله تعالى : { أهذا الذي يذكر آلهتكم } [ الأنبياء : 36 ] . والمعنى أخبرني عن نيتك أهذا الذي كرمته عليّ بلا وجه .

وجملة { لئن أخرتني إلى يوم القيامة } الخ مستأنفة استئنافاً ابتدائياً ، وهي جملة قَسَمية ، واللام موطئة للقسم المحذوف مع الشرط ، والخبرُ مستعمل في الدعاء فهو في معنى قوله : { قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون } [ ص : 79 ] .

وهذا الكلام صدر من إبليس إعراباً عما في ضميره وإنما شرط التأخير إلى يوم القيامة ليعم بإغوائه جميع أجيال ذرية آدم فلا يكون جيل آمنا من إغوائه .

وصدر ذلك من إبليس عن وجدان ألقي في نفسه صادف مراد الله منه فإن الله لما خلقه قدر له أن يكون عنصر إغواء إلى يوم القيامة وأنه يُغوي كثيراً من البشر ويَسلَم منه قليل منهم .

وإنما اقتصر على إغواء ذرية آدم ولم يذكر إغواءَ آدم وهو أولى بالذكر إذ آدم هو أصل عداوة الشيطان الناشئة عن الحسد من تفضيله عليه إما لأن هذا الكلام قاله بعد أن أعوَى آدم وأخرج من الجنة فقد شفَى غليله منه وبقيت العداوة مسترسلة في ذرية آدم ، قال تعالى : { إن الشيطان لكم عدو } [ فاطر : 6 ] .

والاحتناك : وضع الراكب اللجامَ في حَنَك الفرس ليركَبه ويَسيّره ، فهو هنا تمثيل لجلب ذرية آدم إلى مراده من الإفساد والإغواء بتسيير الفَرس على حب ما يريد راكبه .