فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قَالَ أَرَءَيۡتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِي كَرَّمۡتَ عَلَيَّ لَئِنۡ أَخَّرۡتَنِ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَأَحۡتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٗا} (62)

{ قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً ( 62 ) }

{ قَالَ أَرَأَيْتَكَ } أي أخبرني عن { هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ } أي فضلته { عَلَيَّ } بأمري بالسجود له لم كرمته علي وقد خلقتني من نار ، ولم يجبه عن هذا السؤال إهمالا له وتحقيرا حيث اعترض على مولاه وسأله بلم { لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } كلام مبتدأ أو اللام موطئة للقسم ، وجوابه { لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ } أي لأستولين عليهم بالإغواء والإضلال قال الواحدي : أصله من احتناك الجراد الزرع وهو أن تستأصله بإحناكها وتفسده ، وهذا هو الأصل ؛ ثم سمى الاستيلاء على الشيء وأخذه كله احتناكا .

وقيل معناه لأسوقنهم وأقودنهم حيث أردت من حنك الدابة إذا جعل الرسن في حنكها ، وفي المختار حنك الفرس جعل فيه الرسن وبابه نصر وضرب والحنك المنقار ، يقال أسود مثل حنك الغراب وأسود مثل حالك والحنك ما تحت الذقن من الإنسان ، والمعنى الأول أنسب بمعنى هذه الآية .

وقال مجاهد : المعنى لأحتوينهم . وعن ابن زيد قال : لأضلنهم ، وإنما أقسم اللعين هذا القسم على أنه سيفعل بذرية آدم ما ذكره لعلم قد سبق إليه من سمع استرقه أو أنه استنبط ذلك من قول الملائكة : أتجعل فيها من يفسد فيها ، وقيل علم ذلك من طبع البشر لما ركب فيهم من الشهوات أو ظن ذلك لأنه وسوس لآدم فقبل منه ذلك ولم يجد له عزما ، كما روي عن الحسن أو قاله لما ظنه من قوة نفوذ كيده في بني آدم ، وأنه يجري منهم في مجاري الدم ، وإنهم بحيث يروج عندهم كيده وينفق لديهم وسوسته ، إلا من عصم الله كالأنبياء وصلحاء هذه الأمة وهو المرادون بقوله :

{ إَلاَّ قَلِيلاً } قيل من كل ألف واحد ، وفي معنى هذا الاستثناء قوله تعالى سبحانه : { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } ويؤيده ما ذكرناه قوله تعالى : { ولقد صدق عليهم إبليس ظنه } فإنه يفيد أنه قال ما قاله هنا اعتمادا على الظن .