المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ} (28)

28- ليحصلوا على منافع دينية لهم بأداء فريضة الحج ، ومنافع دنيوية بالتعارف مع إخوانهم المسلمين ، والتشاور معهم فيما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، وليذكروا اسم الله في يوم عيد النحر والأيام الثلاثة بعده على ذَبْح ما رزقهم ويسر لهم من الإبل والبقر والغنم ، فكلوا منها ما شئتم وأطعموا الذي أصابه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ} (28)

قوله تعالى : { ليشهدوا } ليحضروا ، { منافع لهم } قال سعيد بن المسيب ، و محمد بن علي الباقر : العفو والمغفرة . وقال سعيد بن جبير : التجارة ، وهي رواية ابن زيد عن ابن عباس ، قال : الأسواق . وقال مجاهد : التجارة وما يرضى الله به من أمر الدنيا والآخرة . { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } يعني عشر ذي الحجة في قول أكثر المفسرين . قيل : لها معلومات للحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها . ويروى عن علي رضي الله عنه : أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وفي رواية عطاء عن ابن عباس أنها يوم عرفة والنحر وأيام التشريق . وقال مقاتل : المعلومات أيام التشريق { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } يعني : الهدايا ، والضحايا ، تكون من النعم ، وهي الإبل والبقر والغنم . واختار الزجاج أن الأيام المعلومات : يوم النحر وأيام التشريق ، لأن الذكر على بهيمة الأنعام يدل على التسمية على نحرها ، ونحر الهدايا يكون في هذه الأيام . { فكلوا منها } أمر إباحة وليس بواجب ، وإنما قال ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئاً ، واتفق العلماء على أن الهدي إذا كان تطوعاً يجوز للمهدي أن يأكل منه وكذلك أضحية التطوع .

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أنبأنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أنبأنا أحمد بن علي الكشمهيني ، أنبأنا علي بن حجر ، أنبأنا إسماعيل بن جعفر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال في قصة حجة الوداع : " وقدم علي ببدن من اليمن وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة ، فنحر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وستين بدنة بيده ونحر علي ما بقي ، ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ بضعة من كل بدنة فتجعل في قدر ، فأكلا من لحمها وحسيا من مرقها " . واختلفوا في الهدي الواجب بالشرع هل يجوز للمهدي أن يأكل منه شيئاً مثل دم التمتع والقران والدم الواجب بإفساد الحج وفواته وجزاء الصيد ، فذهب قوم إلى أنه لا يجوز أن يأكل منه شيئاً ، وبه قال الشافعي ، وكذلك ما أوجبه على نفسه بالنذر ، وقال ابن عمر : لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ، ويأكل مما سوى ذلك ، وبه قال أحمد و إسحاق ، وقال مالك : يأكل من هدي التمتع ومن كل هدي وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والمنذور ، وعند أصحاب الرأي يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما . قوله عز وجل : { وأطعموا البائس الفقير } يعني : الزمن الفقير الذي لا شيء له والبائس : الذي اشتد بؤسه ، والبؤس شدة الفقر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ} (28)

ثم ذكر فوائد زيارة بيت الله الحرام ، مرغبا فيه فقال : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } أي : لينالوا ببيت الله منافع دينية ، من العبادات الفاضلة ، والعبادات التي لا تكون إلا فيه ، ومنافع دنيوية ، من التكسب ، وحصول الأرباح الدنيوية ، وكل هذا أمر مشاهد كل يعرفه ، { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } وهذا من المنافع الدينية والدنيوية ، أي : ليذكروا اسم الله عند ذبح الهدايا ، شكرا لله على ما رزقهم منها ، ويسرها لهم ، فإذا ذبحتموها { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } أي : شديد الفقر .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ} (28)

وقوله - سبحانه - : { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ } متعلق بقوله : { يَأْتُوكَ } .

أى : يأتيك الناس راجلين وراكبين من كل مكان بعيد ، ليشهدوا وليحصلوا منافع عظيمة فهم فى دينهم وفى دنياهم .

ومن مظاهر منافعهم الدينية : غفران ذنوبهم ، وإجابة دعائهم ، ورضا الله - تعالى - عنهم .

ومن مظاهر منافعهم الدنيوية : اجتماعهم فى هذا المكان الطاهر ، وتعارفهم وتعاونهم على البر والتقوى ، وتبادلهم المنافع فيما بينهم عن طريق البيع والشراء وغير ذلك من أنواع المعاملات التى أحلها الله - تعالى - .

وجاء لفظ " منافع " بصيغة التنكير ، للتعميم والتعظيم والتكثير . أى : منافع عظيمة وشاملة لأمور الدين والدنيا ، وليس فى الإمكان تحديدها لكثرتها ، وقوله { وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام } معطوف على قوله { لِّيَشْهَدُواْ } .

والمراد بالأيام المعلومات : الأيام العشر الأولى من شهر ذى الحجة ، أو هى أيام النحر ، أو يوم العيد وأيام التشريق .

والمراد ببهمية الأنعام : الإبل والبقر والغنم .

أى : ليشهدوا منافع لهم ، وليكثروا من ذكر الله ومن طاعته فى تلك الأيام المباركة . وليشكروه على ما رزقهم من بهيمة الأنعام التى يتقربون إليه - سبحانه - عن طريق ذبحها وإراقة دمائها ، واستجابة لأمره - عز وجل - .

وقوله - سبحانه - : { فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ البآئس الفقير } إرشاد منه - تعالى - إلى كيفية التصرف فيها بعد ذبحها .

أى : فكلوا من هذه البهيمة بعد ذبحها ، وأطعموا منها الإنسان البائس ، أى : الذى أصابه بؤس ومكروه بجانب فقره واحتياجه .

قال الآلوسى : والأمر فى قوله { فَكُلُواْ مِنْهَا .

. . } للإباحة بناء على أن الأكل كان منهيا عنه شرعا ، وقد قالوا : إن الأمر بعد المنع يقتضى الإباحة ويدل على سبق النهى قوله - صلى الله عليه وسلم - : " كنت نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحى فكلوا منها وادخروا " .

وقيل : لأن أهل الجاهلية كانوا يتحرجون فيه ، أو للندب على مواساة الفقراء ومساواتهم فى الأكل منها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ} (28)

{ ليشهدوا } ليحضروا . { منافع لهم } دينية ودنيوية ، وتنكيرها لأن المراد بها نوع من المنافع مخصوص بهذه العبادة . { ويذكروا اسم الله } عند إعداد الهدايا والضحايا وذبحها . وقيل كنى بالذكر عن النحر لأن ذبح المسلمين لا ينفك عنه تنبيها على أنه المقصود مما يتقرب به إلى الله تعالى . { في أيام معلومات هي } عشر ذي الحجة ، وقيل أيام النحر . { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } علق الفعل بالمرزوق وبينه بالبهيمة تحريضا على التقرب وتنبيها على مقتضى الذكر . { فكلوا منها } من لحومها أمر بذلك إباحة وإزالة لما عليه أهل الجاهلية من التحرج فيه ، أو ندبا إلى مواساة الفقراء ومساواتهم ، وهذا في المتطوع به دون الواجب . { وأطعموا البائس } الذي أصابه بؤس أي شدة . { الفقير } المحتاج ، والمر فيه للوجوب وقد قيل به في الأول .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ} (28)

و «المنافع » في هذه الآية التجارة في قول أكثر المتأولين ابن عباس وغيره ، وقال أبو جعفر محمد بن علي : أراد الأجر و { منافع } الآخرة ، وقال مجاهد بعموم الوجهين وقوله تعالى : { اسم الله } ، يصح أن يريد بالاسم ها هنا المسمى بمعنى ويذكروا الله على تجوز في هذه العبارة إلا أن يقصد ذكر القلوب ، ويحتمل أن يريد بالاسم التسميات وذكر الله تعالى إنما هو بذكر أسمائه ثم بذكر القلب السلطان والصفات ، وهذا كله على أن يكون الذكر بمعنى حمده وتقديسه شكراً على نعمته في الرزق ويؤيده قوله عليه السلام

«إنها أيام أكل وشرب وذكر الله تعالى »{[8359]} ، وذهب قوم إلى أن المراد ذكر اسم الله تعالى على النحو والذبح ، وقالوا إن في ذكر «الأيام » دليلاً على أن الذبح في الليل لا يجوز ، وهو مذهب مالك وأصحاب الرأي ، وقال ابن عباس «الأيام المعلومات » هي أيام العشر ويوم النحر وأيام التشريق ، وقال ابن سيرين : بل أيام العشر فقط ، وقالت فرقة : أيام التشريق ، ذكره القتبي ، وقالت فرقة فيها مالك وأصحابه : بل المعلومات يوم النحر ويومان بعده وأيام التشريق الثلاثة هي معدودات فيكون يوم النحر معلوماً لا معدوداً واليومان بعده معلومان معدودان والرابع معدود لا معلوم ع وحمل هؤلاء على هذا التفصيل أنهم أخذوا ذكر { اسم الله } هنا على الذبح للأضاحي والهدي وغيره ، فاليوم الرابع لا يضحى فيه عند مالك وجماعة وأخذوا التعجل والتأخر بالنفر في الأيام المعدودات فتأمل هذا ، يبين لك قصدهم ، ويظهر أن تكون المعدودات والمعلومات بمعنى أن تلك الأيام الفاضلة كلها ويبقى أمر الذبح وأمر الاستعجال لا يتعلق بمعدود ولا بمعلوم وتكون فائدة قوله { معلومات } و { معدودات } [ البقرة : 184 ، آل عمران : 24 ] التحريض على هذه الأيام وعلى اغتنام فضلها أي ليست كغيرها فكأنه قال : هي مخصوصات فلتغتنم . وقوله ، { فكلوا } ندب ، واستحب أهل العلم للرجل أن يأكل من هديه وأضحيته وأن يتصدق{[8360]} بأكثرها مع تجويزهم الصدقة بالكل وأكل الكل ، و { البائس } الذي قد مسه ضر الفاقة وبؤسها ، يقال : بأس الرجل يبؤس{[8361]} وقد يستعمل فيمن نزلت به نازلة دهر وإن لم تكن فقراً ، ومنه قوله عليه السلام ، «لكن البائس سعد بن خولة »{[8362]} ، والمراد في هذه الآية أهل الحاجة .


[8359]:أخرجه مسلم في الصيام، وأبو داود في الأضاحي، والترمذي في الصوم، والنسائي في الحج، وابن ماجه في الصيام، وكذلك الدرامي، ومالك في الحج في موطئه، والإمام أحمد 5 ـ 75، ولفظه فيه عن نبيشة الهذلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل)، وفي رواية أخرى عنه: (وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نهيناكم أن تأكلوا لحومها فوق ثلاث كي تسعكم، فقد جاء الله بالسعة، فكلوا وادخروا واتجروا، ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله تبارك وتعالى).
[8360]:في بعض النسخ "وأن يتصدق".
[8361]:الذي في اللسان (بأس) هو: "بؤس الرجل يبؤس بأسا إذا كان شديد البأس شجاعا، فهو بئيس، أي شجاع، وبئس يبأس بؤسا وبأسا وبئيسا إذا افتقر واشتدت حاجته، فهو بائس، أي فقير".
[8362]:هذا جزء من حديث أخرجه البخاري في باب الجنائز ومناقب الأنصار والفرائض، وأخرجه مسلم في الوصية، وأخرجه مالك في موطئه أيضا في الوصية، ولفظه كما في البخاري، عن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه رضي الله عنه، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي، فقلت: إني قد بلغ بي من الوجع، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا، فقلت: بالشطر؟ فقال: لا، ثم قال: الثلث والثلث كبير أو كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في امرأتك، فقلت: يا رسول الله، أخلف بعد أصحابي، قال: إنك لن تخلف فتعمل عملا صالحا إلا ازددت به درجة ورفعة، ثم لعلك تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون، اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد ابن خوله يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة).
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ} (28)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ليشهدوا منافع لهم} يعني: الأجر في الآخرة في مناسكهم {و} لكي {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} يعني: ثلاثة أيام، يوم النحر، ويومين بعده إلى غروب الشمس {على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس} يعني: الضرير الزمن {الفقير}: الذي ليس له شيء.

تفسير الإمام مالك 179 هـ :

ابن العربي: روى ابن القاسم عن مالك: الأيام المعلومات: أيام النحر، يوم النحر ويومان بعده. وقال: هو النهار دون الليل.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ" اختلف أهل التأويل في معنى المنافع التي ذكرها الله في هذا الموضع؛

فقال بعضهم: هي التجارة ومنافع الدنيا...

وقال آخرون: هي الأجْر في الآخرة، والتجارة في الدنيا...

وقال آخرون: بل هي العفو والمغفرة...

وأولى الأقوال بالصواب قول من قال: عني بذلك: ليشهدوا منافع لهم من العمل الذي يرضي الله والتجارة، وذلك أن الله عمّ لهم منافع جميع ما يشْهَد له الموسم ويأتي له مكة أيام الموسم من منافع الدنيا والآخرة، ولم يخصص من ذلك شيئا من منافعهم بخبر ولا عقل، فذلك على العموم في المنافع التي وصفت.

وقوله: "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أيّامِ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنَ بَهِيمَةِ الأَنْعامِ "يقول تعالى ذكره: وكي يذكروا اسم الله على ما رزقهم من الهدايا والبُدْن التي أهدوها من الإبل والبقر والغنم، "في أيّامٍ مَعْلُومَاتٍ" وهنّ أيام التشريق في قول بعض أهل التأويل. وفي قول بعضهم أيام العَشْر. وفي قول بعضهم: يوم النحر وأيام التشريق...

عن ابن عباس، في قوله: "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أيّامِ مَعْلُوماتٍ" يعني أيام التشريق...

وقوله: "فَكلَوا مِنْها" يقول: كلوا من بهائم الأنعام التي ذكرتم اسم الله عليها أيها الناس هنالك. وهذا الأمر من الله جلّ ثناؤه أمر إباحة لا أمر إيجاب وذلك أنه لا خلاف بين جميع الحُجة أن ذابح هديه أو بدنته هنالك، إن لم يأكل من هديه أو بدنته، أنه لم يضيع له فرضا كان واجبا عليه، فكان معلوما بذلك أنه غير واجب...

وقوله: "وأطْعِمُوا البائِسَ الفَقِيرَ" يقول: وأطعموا مما تذبحون أو تنحرون هنالك من بهيمة الأنعام من هديكم وبُدْنكم "البائسَ"، وهو الذي به ضرّ الجوع والزّمانة والحاجة، "والفقيرَ": الذي لا شيء له...

عن عكرِمة، قال: البائسَ: المضطر الذي عليه البؤس، والفقير: المتعفّف.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

نكر المنافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات... وكنى عن النحر والذبح بذكر اسم الله، لأن أهل الإسلام لا ينفكون عن ذكر اسمه إذا نحروا أو ذبحوا. وفيه تنبيه على أن الغرض الأصلي فيما يتقرب به إلى الله أن يذكر اسمه، وقد حسن الكلام تحسيناً بيناً أن جمع بين قوله: {وَيَذْكُرُواْ اسم الله}، وقوله: {على مَا رَزَقَهُمْ} ولو قيل: لينحروا في أيام معلومات بهيمة الأنعام، لم تر شيئاً من ذلك الحسن والروعة.

أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :

{وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}: فَأَمَّا الْفَقِيرُ فَهُوَ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى نَعْتِ مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ. وَأَمَّا الْبَائِسُ فَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ عَلَيْهِ الْبُؤْسُ، وَهُوَ ضَرَرُ الْمَرَضِ أَوْ ضَرَرُ الْحَاجَةِ.

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

قال ابن عباس: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قال: منافع الدنيا والآخرة؛ أما منافع الآخرة فرضوان الله، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من منافع البُدْن والربح والتجارات، وكذا قال مجاهد، وغير واحد: إنها منافع الدنيا والآخرة، كقوله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198]...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان الإنسان ميالاً إلى الفوائد، مستشرقاً إلى جميل العوائد، علل الإتيان بما يرغبه مبيحاً من فضله ما يقصده من أمر المعاش فقال: {ليشهدوا} أي يحضروا حضوراً تاماً {منافع لهم} أي لا للمعبود، دينية ودنيوية، فإنه كما جعل سبحانه تلك المواطن ماحية للذنوب، جالبة للقلوب، جعلها جالبة للفوائد، جارية على أحسن العوائد، سالة للفقر جابرة للكسر، ولما كانت المنافع لا تطيب وتثمر إلا بالتقوى كان الحامل على التقوى لذكر قال: {ويذكروا اسم الله} أي الجامع لجميع الكمالات بالتكبير وغيره عند الذبح وغيره، إعلاماً بأنه المقصود الذي يتبعه جميع المقاصد لأنه ما جمعهم على ما فيه من تلك الأرض الغراء والأماكن الغبراء إلا هو بقدرته الكاملة، وقوته الشاملة، لا اسم شيء من الأصنام كما كانت الجاهلية تفعل...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويقف السياق عند بعض معالم الحج وغاياته: (ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير. ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق).. والمنافع التي يشهدها الحجيج كثير. فالحج موسم ومؤتمر. الحج موسم تجارة وموسم عبادة. والحج مؤتمر اجتماع وتعارف، ومؤتمر تنسيق وتعاون. وهو الفريضة التي تلتقي فيها الدنيا والآخرة كما تلتقي فيها ذكريات العقيدة البعيدة والقريبة.. أصحاب السلع والتجارة يجدون في موسم الحج سوقا رائجة، حيث تجبى إلى البلد الحرام ثمرات كل شيء.. من أطراف الأرض؛ ويقدم الحجيج من كل فج ومن كل قطر، ومعهم من خيرات بلادهم ما تفرق في أرجاء الأرض في شتى المواسم. يتجمع كله في البلد الحرام في موسم واحد. فهو موسم تجارة ومعرض نتاج؛ وسوق عالمية تقام في كل عام. وهو موسم عبادة تصفو فيه الأرواح، وهي تستشعر قربها من الله في بيته الحرام. وهي ترف حول هذا البيت وتستروح الذكريات التي تحوم عليه وترف كالأطياف من قريب ومن بعيد.. طيف إبراهيم الخليل -عليه السلام- وهو يودع البيت فلذة كبده إسماعيل وأمه، ويتوجه بقلبه الخافق الواجف إلى ربه: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم. ربنا ليقيموا الصلاة. فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم، وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون).. وطيف هاجر وهي تستروح الماء لنفسها ولطفلها الرضيع في تلك الحرة الملتهبة حول البيت، وهي تهرول بين الصفا والمروة وقد نهكها العطش، وهدها الجهد وأضناها الإشفاق على الطفل.. ثم ترجع في الجولة السابعة وقد حطمها اليأس لتجد النبع يتدفق بين يدي الرضيع الوضيء. وإذا هي زمزم. ينبوع الرحمة فيي صحراء اليأس والجدب. وطيف إبراهيم -عليه السلام- وهو يرى الرؤيا، فلا يتردد في التضحية بفلذة كبده، ويمضي في الطاعة المؤمنة إلى ذلك الأفق البعيد: (قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى؟) فتجيبه الطاعة الراضية في إسماعيل -عليه السلام -: (قال: يا أبت افعل ما تؤمر، ستجدني إن شاء الله من الصابرين).. وإذا رحمة الله تتجلى في الفداء: (وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين. إن هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم).. وطيف إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام -يرفعان القواعد من البيت، في إنابة وخشوع: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، وأرنا مناسكنا وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم).. وتظل هذه الأطياف وتلك الذكريات ترف وتتتابع، حتى يلوح طيف عبد المطلب، وهو ينذر دم ابنه العاشر إن رزقه الله عشرة أبناء. وإذا هو عبد الله. وإذا عبد المطلب حريصا على الوفاء بالنذر. وإذا قومه من حوله يعرضون عليه فكرة الفداء وإذا هو يدير القداح حول الكعبة ويضاعف الفداء، والقدح يخرج في كل مرة على عبد الله، حتى يبلغ الفداء مائة ناقة بعد عشر هي الدية المعروفة. فيقبل منه الفداء، فينحر مائة وينجو عبد الله. ينجو ليودع رحم آمنة أطهر نطفة وأكرم خلق الله على الله- محمد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] -ثم يموت! فكأنما فداه الله من الذبح لهذا القصد الوحيد الكريم الكبير! ثم تتواكب الأطياف والذكريات. من محمد رسول الله [صلى الله عليه وسلم] وهو يدرج في طفولته وصباه فوق هذا الثرى، حول هذا البيت.. وهو يرفع الحجر الأسود بيديه الكريمتين فيضعه موضعه ليطفى ء الفتنة التي كادت تنشب بين القبائل.. وهو يصلي.. وهو يطوف.. وهو يخطب.. وهو يعتكف.. وإن خطواته- عليه الصلاة والسلام -لتنبض حية في الخاطر، وتتمثل شاخصة في الضمير، يكاد الحاج هناك يلمحها وهو مستغرق في تلك الذكريات.. وخطوات الحشد من صحابته الكرام وأطيافهم ترف وتدف فوق هذا الثرى، حول ذلك البيت، تكاد تسمعها الأذن وتكاد تراها الأبصار! والحج بعد ذلك كله مؤتمر جامع للمسلمين قاطبة. مؤتمر يجدون فيه أصلهم العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيهم إبراهيم الخليل: (ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا).. ويجدون محورهم الذي يشدهم جميعا إليه: هذه القبلة التي يتوجهون إليها جميعا ويلتقون عليها جميعا.. ويجدون رايتهم التي يفيئون إليها. راية العقيدة الواحدة التي تتوارى في ظلها فوارق الأجناس والألوان والأوطان.. ويجدون قوتهم التي قد ينسونها حينا. قوة التجمع والتوحد والترابط الذي يضم الملايين. الملايين التي لا يقف لها أحد لو فاءت إلى رايتها الواحدة التي لا تتعدد.. راية العقيدة والتوحيد. وهو مؤتمر للتعارف والتشاور وتنسيق الخطط وتوحيد القوى، وتبادل المنافع والسلع والمعارف والتجارب. وتنظيم ذلك العالم الإسلامي الواحد الكامل المتكامل مرة في كل عام. في ظل الله. بالقرب من بيت الله. وفي ظلال الطاعات البعيدة والقريبة، والذكريات الغائبة والحاضرة. في أنسب مكان، وأنسب جو، وأنسب زمان.. فذلك إذ يقول الله سبحانه: (ليشهدوا منافع لهم).. كل جيل بحسب ظروفه وحاجاته وتجاربه ومقتضياته. وذلك بعض ما أراده الله بالحج يوم أن فرضه على المسلمين، وأمر إبراهيم- عليه السلام -أن يؤذن به في الناس. ويمضي السياق يشير إلى بعض مناسك الحج وشعائره وأهدافها: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام).. وهذه كناية عن نحر الذبائح في أيام العيد وأيام التشريق الثلاثة بعده. والقرآن يقدم ذكر اسم الله المصاحب لنحر الذبائح، لأن الجو جو عبادة ولأن المقصود من النحر هو التقرب إلى الله. ومن ثم فإن أظهر ما يبرز في عملية النحر هو ذكر اسم الله على الذبيحة. وكأنما هو الهدف المقصود من النحر لا النحر ذاته.. والنحر ذكرى لفداء إسماعيل- عليه السلام -فهو ذكرى لآية من آيات الله وطاعة من طاعات عبديه إبراهيم وإسماعيل- عليهما السلام -فوق ما هو صدقة وقربى لله بإطعام الفقراء...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

ومعنى {لِيَشهدوا} ليحضروا منافع لهم، أي ليحضروا فيحصّلوا منافع لهم إذ يحصّل كلّ واحد ما فيه نفعه. وأهم المنافع ما وعدهم الله على لسان إبراهيم عليه السلام من الثواب. فكُني بشهود المنافع عن نيلها. ولا يعرف ما وعدهم الله على ذلك بالتعيين. وأعظم ذلك اجتماع أهل التوحيد في صعيد واحد ليتلقى بعضهم عن بعض ما به كمال إيمانه. وتنكير {منافع} للتعظيم المراد منه الكثرة وهي المصالح الدينية والدنيوية لأن في مجمع الحجّ فوائد جمّة للناس: لأفرادهم من الثواب والمغفرة لكل حاج، ولمجتمعهم لأن في الاجتماع صلاحاً في الدنيا بالتعارف والتعامل.وخُص من المنافع أن يذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام. وذلك هو النحر والذبح للهدايا. وهو مجمل في الواجبة والمتطوع بها. وقد بيّنْته شريعة إبراهيم من قبل بما لم يبلغ إلينا، وبيّنه الإسلام بما فيه شفاء.وأدمج في هذا الحكم الامتنان بأنّ الله رزقهم تلك الأنعام، وهذا تعريض بطلب الشكر على هذا الرزق بالإخلاص لله في العبادة وإطعام المحاويج من عباد الله من لحومها، وفي ذلك سد لحاجة الفقراء بتزويدهم ما يكفيهم لعامهم، ولذلك فرع عليه {فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير}. وقد عدل عن الغيبة الواقعة في ضمائر {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام}، إلى الخطاب بذلك في قوله: {فكلوا منها وأطعموا البائس} الخ. على طريقة الالتفات أو على تقدير قول محذوف مأمورٍ به إبراهيم عليه السلام. وفي حكاية هذا تعريض بالرد على أهل الجاهلية إذ كانوا يمنعون الأكل من الهدايا.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وقوله تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} ورد فيه وصف الأيام "بالمعلومات"، كما ورد في آية أخرى وصف الأيام "بالمعدودات"، تنبيها على ان أيام النحر وأيام التشريق أيام فاضلة تستحق مزيد الاعتناء، وعلى أنها أيام مخصوصة ليست كغيرها من أيام العمر، فينبغي اغتنام فضلها، لما لها من خصوصية وامتياز...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ولا ينبغي أن نضيق ما وسعه الله، فكل ما يتصل بالحج من حركات الحياة يعد من المنافع، فاستعدادك للحج، وتدبير نفقاته وأدواته وراحلته فيها منافع لك ولغيرك حين توفر لأهلك ما يكفيهم حتى تعود. ما يتم من حركة بيع وشراء في مناطق الحج، كلها منافع متبادلة بين الناس، التاجر الذي يبيع لك، وصاحب البيت الذي يؤجره لك، وصاحب السيارة التي تنقلك. إذن: لا يتم الحج إلا بحركة حياة واسعة، فيها نفع لك وللناس من حيث لا تدري...ومن منافع الحج أن الحاج منذ أن ينوي أداء هذه الفريضة ويعد نفسه لها إعدادا ماديا، وإعدادا نفسيا معنويا، فيحاول أن يعيد حساباته من جديد، ويصلح من نفسه ما كان فاسدا، وينتهي عما كان يقع فيه من معصية الله، ويصلح ما بينه وبين الناس، إذن: يجري عملية صقل خاصة تحوله إلى إنسان جديد يليق بهذا الموقف العظيم، ويكون أهلا لرؤية بيت الله والطواف به. ومن الإعداد للحج أن يتعلم الحاج ما له وما عليه، ويتأدب بآداب الحج فيعرف محظوراته وما يحرم عليه، وأنه سوف يتنازل عن هندامه وملابسه التي يزهو بها، ومكانته التي يفتخر بها بين الناس، وكيف أن الإحرام يسوي بين الجميع. يتعلم كيف يتأدب مع نفسه، ومع كل أجناس الكون من حوله، مع نفسه فلا يفكر في معصية، ولا تمتد يده حتى على شعرة من شعره، أو ظفر من أظافره ولا يقرب طيبا، ولا حتى صابونة لها رائحة.إن الحج التزام وانضباط يفوق أي انضباط يعرفه أهل الدنيا في حركة حياتهم، ففي الحج ترى هذا الإنسان السيد الأعلى لكل المخلوقات كم هو منكسر خاضع مهما كانت منزلته.

ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} يذكروا اسم الله، لأن كل أعمال الحج مصحوبة بذكر الله وتلبيته، فما من عمل يؤديه الحاج إلا ويقول: لبيك اللهم لبيك. وتظل التلبية شاغله وديدنه إلى أن يرمي جمرة العقبة، ومعنى "لبيك اللهم لبيك "أن مشاغل الدنيا تطلبني، وأنت طلبتني لأداء فرضك علي، فأنا ألبيك أنت أولا، لأنك خالقي وخالق كل ما يشغلني ويأخذني منك.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

{لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ} في ما يحصلون عليه من خلال الحج من منافع دنيوية يحققها لهم اجتماعهم على مستوى التعارف والتبادل والتعاون والتشاور في المشاكل التي يعيشونها فكراً وواقعاً، عبر ما يثيرونه من قضايا وما يحددونه من أهداف وما ينتظرونه من حلول.

وبذلك تسقط الحواجز المادية والنفسية التي تضعها الفواصل العرقية واللونية والقومية بين الناس، ليلتقوا على صعيد واحد هو الإيمان بالله، والسير على منهجه، والالتزام بدينه، والجهاد في سبيله، طلباً لرضاه، ما يوفر لهم الخروج من الدوائر الضيقة التي يحبسون حياتهم فيها، لينطلقوا إلى الدائرة الواسعة التي تحتويهم جميعاً، مما ينقذهم من مشاكل التجزئة في حل القضايا العامة التي قد يستغرقون معها في خصوصياتهم، فيسيئون بذلك إلى تلك القضايا من حيث يريدون أو لا يريدون، لابتعادهم عن الأسس التي ترتكز عليها القضايا الإسلامية لجهة علاقتها ببعضها البعض، وارتباطها بالهدف الكبير الذي يتحرك فيه الإسلام في الحياة..

وهكذا تتواصل المنافع الدنيوية في رحاب الحج، لتصل إلى مستوى توحيد الموقف السياسي، والتصور الفكري، وتحقيق التكامل الاقتصادي، والمواجهة الموحدة للقوى الطاغية وغيرها. وهذا ما يمكن الوصول إليه في هذا المؤتمر العالمي السنوي الذي يتشكل بطريقةٍ عفويةٍ، امتثالاً لأمر الله في العبادة، ليمتد إلى امتثال أمره في حركة الإنسان في الواقع..

أما المنافع الروحية التي تتداخل في أكثر من موقع مع المنافع المادية، فتأتي من التشريعات الإسلامية المتصلة بواجبات الحج المتنوعة التي تحقق لكل جانب من جوانب شخصية الإنسان، حركة روحية تغذي فيه علاقته بالله وإخلاصه له، وشوقه للوصول إلى درجات القرب عنده في دار النعيم..

وهكذا يريد الله للناس في الحج أن يأتوا إلى رحاب البيت، ليشهدوا من مواقع الوعي والمعاناة المنافع التي يجدونها أمامهم عند الوصول، أو التي يحققونها بعده، {وَيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} هي أيّام التشريق التي تبدأ من يوم الأضحى حتى الثالث عشر من ذي الحجة...

{عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام} من الإبل والبقر والغنم، إذا ذبحوها أو نحروها في نسكهم، حيث جعل الله ذلك تعبّداً منهم له تعالى، لتكون قرباناً له، إذ أحلّ لهم هذه الأضحية وجعل لها معنى يتصل بالجانب الإيماني من حياتهم، ما يوحي بهذا التزاوج في التشريع بين ما هو روحي وما هو مادي في حياة الناس، إذ يجب أن لا يستغرقوا في حياتهم في جانب واحد، فالله هو الذي خلق الروح التي تلتقي به لتعبده، وهو الذي خلق المادة لتكون شاهداً على سرّ الإبداع في عظمته، وهو الذي خلق الأنعام وأراد للإنسان أن يتقرب بها إليه، تنميةً للحياة التي شاء لها أن تكون خاضعةً لقانون التضحية بحياة مخلوقة لله من أجل حياةٍ أخرى يريد لها أن تؤكد إرادته في دور الخلافة على الأرض...

{فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ البائس الْفَقِيرَ} وهي رخصة شرعية بأكلها تدفع احتمال التحريم الذي قد يتوهمه البعض، على أساس أن القربان لا بد من أن تأكله النار، ولا يجوز للإنسان أن يأكل منه، لأنه لله، وما يكون لله لا يجوز أن يأكله الإنسان. ولكن الله أراد أن يبيّن أن القربان يمثل معنى داخل الإنسان عند تقديم الأضحية باسمه.. وتنتهي المسألة عند هذا الحد، وبعد ذلك تأتي قضية الانتفاع بالأضحية حتى لا تذهب طعمةً للنار، أو للتراب، فللإنسان أن يأكل منها، هديةً من الله له، وأن يعطي الفقراء القسم الآخر {وَأَطْعِمُواْ البائس الْفَقِيرَ} لتكون جزءاً من التشريع المتكامل الذي يفتح للفقير الأبواب التي تسد فاقته، وتقضي حاجته، وتسكت جوعه..

ومن خلال ما تقدمه الآية، نستوحي ما ينبغي للمسلمين فعله بالذبائح التي يمتثلون بذبحها واجب تقديم الأضحية يوم النحر، فلا يلقونها في التراب دون فائدة، مما يعطي للآخرين انطباعاً سلبياً عن التشريع الإسلامي الذي قد يتحول، من خلال ممارسة كهذه، إلى عملٍ عبثي، تدفن معه ثروة حيوانية كبيرة تحت التراب، في وقت يعاني فيه الكثير من الشعوب الإسلامية المجاعة، علماً أن القرآن أكد على استثمار تلك الأضاحي والانتفاع منها بشكل فردي أو جماعي كجزءٍ من المساهمة في حل مشكلة الفقر، وهو ما يؤدي تركه إلى إلغاء الهدف من التشريع نفسه، وإلى تجميد الحكم الشرعي في صورة ذاتية، بدلاً من أن يتحرك ليحقق لنفسه وللإنسان، مصداقية الحل الإسلامي للحياة.

وربما تحتاج المسألة إلى دراسةٍ فقهية، لتجاوز الإشكالات الشرعية التي يثيرها البعض حول المسألة، ليُصار إلى حلها من ناحيةٍ شرعيةٍ، كما تحتاج إلى دراسةٍ عملية واقعية، لمواجهة المشاكل العملية في تنظيم الذبح وتوزيعه..

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

تناولت الآية التالية فلسفة الحجّ في عبارة موجزة ذات دلالات عديدة فقالت: (ليشهدوا منافع لهم). أي أنّ على الناس الحجّ إلى هذه الأرض المقدّسة، ليروا منافع لهم باُم أعينهم. وقد ذكر المفسّرون لكلمة المنافع الواردة في الآية عدّة معان، إلاّ أنّه لا تحديد لمعناها كما يبدو من ظاهر الآية، فهي تشمل جميع المنافع والبركات المعنوية والمكاسب المادية، وكلّ عائد فردي وإجتماعي وفلسفة سياسيّة وإقتصادية وأخلاقية. فما أحرى المسلمين أن يتوجّهوا من أنحاء العالم إلى مكّة ليشهدوا هذه المنافع! إنّها لعبارة جميلة! ما أولاهم أن يجعلهم الله شهوداً على منافعهم! ليروا بأعينهم ما سمعوه بآذانهم! وبما أنّ الإهتمام الأساس في مراسم الحجّ، ينصب على الحالات التي يرتبط فيها الإنسان بربّه ليعكس جوهر هذه العبادة العظيمة، تُقيّد الآية المذكورة تقديم القربان بذكر اسم الله على الاُضحية فقط، وهو أحد الشروط لقبولها من لدن العلي القدير. وهذا الذكر إشارة إلى توجّه الحاج إلى الله كلّ التوجّه عند تقديم الاُضحية، وهمّه كسب رضى الله وقبوله القربان، كما أنّ الاستفادة من لحم الضحية تقع ضمن هذا التوجّه. وفي الحقيقة يعتبر تقديم الأضاحي رمزاً لإعلان الحاج استعداده للتضحية بنفسه في سبيل الله إنّ لشعائر الحجّ ـ كما هو الحال بالنسبة للعبادات الأخرى ـ بركات كثيرة جدّاً في نفسيّة الفرد والمجتمع الإسلامي. ويمكنها ـ إن اُجريت وفق اُسلوب صحيح ـ أن تحدث في المجتمعات الإسلامية تبدّلا جديداً كلّ عام.ويتجلّى للحجّاج جهادهم وتضحياتهم، إضافةً إلى كون أرض مكّة عامّة، والمسجد الحرام وبيت الكعبة ومحلّ الطواف حولها خاصّة، تذكّر الحاجّ بالرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقادة الإسلام العظام وجهاد المسلمين في صدر الإسلام،...