فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ} (28)

{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ( 28 ) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ( 29 ) ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ( 30 ) } .

{ لِيَشْهَدُوا } أي ليحضروا { مَنَافِعَ لَهُمْ } وهي تعم منافع الدنيا والآخرة وقيل المراد بها المناسك ، وقيل المغفرة ، وقيل التجارة كما في قوله : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } .

قال ابن عباس : أسواقا كانت لهم ما ذكر الله منافع إلا الدنيا ، وعنه قال : منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة فأما منافع الآخرة فرضوان الله ، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من لحوم البدن في ذلك اليوم ، والذبائح والتجارات ، ونكر منافع لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات ، وللنسفي في هذا المقام كلام حسن من باب الاعتبار تركنا ذكره روما للاختصار فمن شاء إدراكه فليرجع إلى المدارك .

{ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ } عند ذبح الهدايا والضحايا ، وقيل إن هذا الذكر كناية عن الذبح لأنه لا ينفك عنه تنبيها على أن المقصود مما يتقرب به إلى الله تعالى أن يذكر اسمه { فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } هي أيام النحر كما يفيد ذلك قوله الآتي { عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } وبه قال ابن عمر والصاحبان ، وقيل عشر ذي الحجة وهو قول أكثر المفسرين والشافعي وأبي حنيفة .

قال ابن عباس : الأيام المعلومات أيام العشر ، وعنه قال : يوم النحر وثلاثة أيام بعده ، وعنه قال : أيام التشريق ، وعنه قال : قيل يوم التروية بيوم ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، وقد تقدم الكلام في الأيام المعلومات والمعدودات في البقرة فلا نعيده ، والكلام في وقت ذبح الأضحية معروف في كتب الفقه وشروح الحديث .

{ على } ذبح { ما رزقهم من بهيمة الأنعام } هي الأنعام فالإضافة في هذا كالإضافة في قولهم مسجد الجامع وصلاة الأولى والبهيمة مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر ، فبينت بالأنعام ، وهي الإبل والبقر والضأن والمعز التي تنحر في يوم العيد وما بعده من الهدايا والضحايا { فَكُلُوا مِنْهَا } أي من لحومها والأمر هنا للندب عند الجمهور ، وذهبت طائفة إلى أن الأمر للوجوب ، وهذا التفات من الغيبة إلى الخطاب .

{ وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } البائس ذو البؤس ، وهو شدة الفقر فذكر الفقير بعده لمزيد من الإيضاح ، وقال ابن عباس ، الزمن{[1238]} الذي لا شيء له والأمر هنا للوجوب ، وقيل للندب .


[1238]:الزمن بزاي مشددة مفتوحة بعدها ميم مكسورة وهو ذو العاهة.