تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ} (28)

الآية 28 : وقوله تعالى : { ليشهدوا منافع لهم } قال الحسن : يشهدون مشاهد فيه ، فيذكرون الله فيها ، ويكتسبون أشياء ، تنفع لهم في الآخرة . فذلك { منافع لهم } التي يشهدونها .

وقال غيره من أهل التأويل : { منافع لهم } التجارات والمنافع التي يكسبونها إذا خرجوا للحج . وقال بعضهم : التجارة في الدنيا ، والأجر في الآخرة ، وهو مثل الأول .

وجائز أن يكون قوله : { ليشهدوا منافع لهم } الأرزاق التي جعلت لهم في البلدان النائية البعيدة ما لو لم يشهدوها لم يَسُقِ الله ذلك إليهم ، لأن من الأرزاق التي جعلت لهم في البلدان ما يساق إلى أهلها ، وهم في مقامهم وأمكنتهم . ومن{[13013]} الأرزاق ما يساق أهلها إليها ما لو لم يأتوها لم يسق ذلك إليهم .

فجائز ما ذكر من المنافع ، وهو ما غاب عنهم من المنافع والأرزاق التي جعلت لهم في البلدان النائية والبعيدة ؛ إذا خرجوا للحج نالوها ، وإذا لم يخرجوا له لم ينالوها .

وقال بعضهم : { ليشهدوا منافع لهم } أي متاجرهم وقضاء مناسكهم .

وقوله تعالى : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } اختلف فيه . قال الحسن : هو يوم النحر خاصة .

وجائز إضافة الواحدة إلى الجماعة كقوله : { وجعل القمر فيهن نورا } [ نوح : 16 ] وإنما جعل في السماء الدنيا ، وكما يقال : توارى{[13014]} فلان في دور بني تميم ، وإنما توارى في دار من دورهم . ومثل هذا كثير . وذلك جائز في اللسان .

وقال بعضهم : الأيام المعلومات هو يوم النحر ويومان بعده . وقال بعضهم : الأيام المعلومات والمعدودات هي أيام التشريق جميعا . وقال بعضهم : الأيام المعلومات [ هي أيام العشر لأنها ] {[13015]} هي أيام الذكر فيها .

وجائز أن يكون قوله : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } كناية عن الذبح وأيام الذبح ثلاثة : يوم النحر ويومان بعده .

ألا ترى أنه قال : { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } ذكر الأكل{[13016]} ، ولم يذكر الذبح ؟ فذلك يدل على أن قوله : { ويذكروا اسم الله } كناية عن الذبح . وإنما كان كناية عنه لأنه بالذكر تقدم الذبائح ، ولا يخلو منه دونه ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فكلوا منها } قال بعضهم : من الأضاحي لأن التناول من الأضاحي ، كان لا يحل ، فخرج ذلك مخرج رخصة التناول منها . والحل لكل{[13017]} الأضاحي لا يحتمل لأن الوقت ليس هو وقت الأضاحي ولا أماكنها ، إنما هو وقت دم المتعة والقران ودم التطوع ، وفيه إباحة التناول من دم المتعة والقران .

وقوله تعالى : { وأطعموا البائس الفقير } قال بعضهم : البائس من البؤس ، وهو ما اشتد به من الحاجة والشدة . وقال بعضهم : البائس الذي سألك ، والفقير المتعفف الذي لا شيء له ، وقال بعضهم : البائس هو الذي به زمانه ، والفقير الصحيح الذي لا شيء له . وهو مثل الأول .


[13013]:الواو ساقطة من الأصل و م.
[13014]:من م، في الأصل: نوراتي.
[13015]:من م، ساقطة من الأصل.
[13016]:في الأصل و م: الكل.
[13017]:في الأصل و م: لكن