اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ} (28)

قوله : «لِيَشْهَدُوا » يجوز في هذه اللام{[30962]} وجهان :

أحدهما : أن تتعلق ب «أَذِّنْ » ، أي : أذن ليشهدوا .

والثاني : أنها متعلقة ب «يَأْتُوكَ » . وهو الأظهر{[30963]} .

قال الزمخشري : ونكر «مَنَافِعَ » لأنه أراد منافع مختصة بهذه العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات{[30964]} . قل سعيد بن المسيب{[30965]} ومحمد بن علي الباقر{[30966]} :

المنافع : هي العفو والمغفرة وقال سعيد بن جبير : التجارة ، وهي رواية ابن زيد .

وعن ابن عباس قال : الأسواق . وقال مجاهد : التجارة وما يرضى الله به من أمر الدنيا والآخرة{[30967]} . { وَيَذْكُرُواْ اسم الله في أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ } قال الأكثرون : هي عشر ذي الحجة قيل لها «مَعْلُومَات » للحرص على علمها{[30968]} بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها {[30969]} .

والمعدودات : أيام التشريق{[30970]} . وروي عن علي : أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده{[30971]} ، وهو اختيار الزجاج{[30972]} . لأن الذكر على «بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ » يدل على التسمية على نحرها . والنحر للهدايا إنما يكون في هذه الأيام . وروى عطاء عن ابن عباس : أنها يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق{[30973]} . وقيل : عبر عن الذبح والنحر بذكر اسم الله ؛ لأن المسلمين لا ينفكون عن ذكر اسم الله إذا نحروا{[30974]} . ثم قال : { على مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الأنعام } يعني الهدايا والضحايا تكون من النعم ، وهي الإبل والبقرة والغنم{[30975]} . قال الزمخشري : البهيمة المبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر ، فبينت بالأنعام وهي : الإبل والبقر والغنم{[30976]} .

قوله : «فَكُلُوا مِنْهَا » . قيل : هذا أمر وجوب ، لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئاً تَرَفُّقاً على الفقراء . وقيل : هذا أمر إباحة{[30977]} . واتفق العلماء{[30978]} على أن الهدي إذا كان تطوعاً كان للمُهْدِي أن يأكل منه ، وكذلك أضحية التطوع ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أن يؤخذ من كل جزور بضعه ، فطبخت ، وأكل لحمها ، وحسي من مرقها ، وكان هذا تطوعاً . واختلفوا في الهدي الواجب في النذور والكفارات والجبرانات للنقصان مثل دم القران ودم التمتع ودم الإساءة ودم التقليم والحلق ، والواجب{[30979]} بإفساد الحج وفواته وجزاء الصيد{[30980]} . فقال الشافعي وأحمد : لا يأكل منه{[30981]} . وقال ابن عمر : لا يأكل من جزاء الصيد والنذور{[30982]} ، ويأكل مما سواهما{[30983]} . وقال مالك : يأكل من هدي التمتع ، ومن كل هدي وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والمنذور{[30984]} . وعند أصحاب الرأي : يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهما{[30985]} .

قوله : { وَأَطْعِمُواْ البائس الفقير } . يعني الزمن الفقير الذي لا شيء له {[30986]} .

قال ابن عباس : البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي{[30987]} وجهه ، والفقير الذي لا يكون كذلك فتكون ثيابه نقية ووجهه وجه غني{[30988]} . والبؤس شدة الفقر .


[30962]:في الأصل: الآية. وهو تحريف.
[30963]:انظر التبيان 2/940.
[30964]:الكشاف: 3/30.
[30965]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 5/574.
[30966]:هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي أبو جعفر المدني الإمام المعروف بالباقر، أخذ عن أبيه وأبي سعيد وجابر وابن عمر وغيرهم، وأخذ عنه ابنه جعفر والزهري وغيرهما. مات سنة 114 هـ. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 2/440.
[30967]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/574.
[30968]:في ب: عملها. وهو تحريف.
[30969]:انظر البغوي 5/575.
[30970]:وهو قول مقاتل. البغوي 5/575.
[30971]:انظر البغوي 5/575.
[30972]:فإنه قال: ("ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام" يعني به يوم النحر والأيام التي بعده ينحر فيها لأن الذكر هاهنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) معاني القرآن وإعرابه 3/423.
[30973]:انظر البغوي 5/575.
[30974]:انظر الكشاف 3/30.
[30975]:انظر البغوي 5/575.
[30976]:الكشاف: 3/30.
[30977]:انظر البغوي 23/30.
[30978]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 5/575. بتصرف.
[30979]:في ب: والحج. وهو تحريف.
[30980]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/575 بتصرف.
[30981]:انظر البغوي 5/576.
[30982]:في ب: والنذو. وهو تحريف.
[30983]:انظر البغوي 5/576.
[30984]:انظر البغوي 5/576.
[30985]:انظر البغوي 5/576.
[30986]:المرجع السابق.
[30987]:في الأصل: لا في. وهو تحريف.
[30988]:انظر الفخر الرازي 23/30.