غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ} (28)

وفي قوله { على ما رزقهم } إشارة إلى أن نفس القربان وتيسير ذلك العمل من نعم الله تعالى ولو قيل " لينحروا في أيام معلومات بهيمة الأنعام " لم يكن شيء من هذه الفوائد . والأيام المعلومات عند أكثر العلماء عشر ذي الحجة الأول آخرها يوم النحر لأنها معلومة عند الناس لحرصهم على أعمال الحج فيها . ثم للمنافع أوقات من العشر معروفة كيوم عرفة والمعشر الحرام ، كذلك للذبح وقت بعينه وهو يوم النحر وهذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والحسن ورواية سعيد بن جبير عن ابن عباس واختيار الشافعي وأبي حنيفة . وعن ابن عباس في رواية أخرى أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعدها وهو اختيار أبي مسلم وقول أبي يوسف ومحمد . وعلى الأول يكون قوله { في أيام } متعلقاً بكلا الفعلين أعني { ليشهدوا } { وليذكروا } وعلى الثاني يختص تعلقه بالثاني . ومعنى { بهيمة الأنعام } بهيمة من الأنعام لأن البهيمة تشمل كل ذات أربع في البر والبحر فبينت بالأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز ، وقد مر في أول المائدة قال مقاتل : إذا ذبحت فقل " بسم الله والله أكبر اللهم منك وإليك " وتستقبل القبلة .

وزاد الكلبي " إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " . قال القفال : كأن المتقرب بها وبإراقة دمائها متصور بصورة من يفدي نفسه بما يعادلها فكأنه يبذل تلك الشاة بذل مهجته طلباً لمرضاة الله واعترافاً بأن تقصيره كاد يستحق مهجته . أما قوله { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } فالبائس الذي أصابه بؤس أي شدة والفقير قد مر في آية الصدقات في " التوبة " وفي غيرها . ثم من الناس من قال : الأمران للوجوب لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون منها فأمر المسلمون بمخالفتهم . والأكثرون على أن الأكل ليس بواجب . ثم منهم من قال : يحسن أن يأكل النصف ويتصدق بالنصف رعاية للأمرين . ومنهم من قال : يأكل الثلث ويتصدق بالثلثين لما يجيء من قوله { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } فجعلها على ثلاثة أقسام ومنهم من قال : يأكل الثلث ويدخر الثلث ويتصدق بالثلث لما جاء في الحديث من الأمر بالادخار . والأولى وهو مذهب الشافعي أنه إن أطعم جميعها أجزأه ، وإن أكل جميعها لم يجزئه ، وإذا تصدق بأقل شيء من لحمها يكفي هذا إذا كان متطوعاً . وأما الواجبات كالنذور والكفارات وجبران النقصانات مثل دم القران ودم التمتع ودم الإساءة فلا يأكل منها لا هو ولا أغنياء الرفقة ولا فقراؤها لما روي عن هشام بن عروة عن أبيه عن ناجية الخزاعي " قال : قلت : يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من البدن ؟ قال : انحرها ثم إغمس نعلها في دمها ثم خل بين الناس وبينها يأكلونها " وقال أيضا صلى الله عليه وسلم في مثله : " لا تأكل منها أنت ولا أحد من أهل رفقتك " .

/خ41