قوله تعالى : { وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم } أي : انطلقوا من مجلسهم الذي كانوا فيه عند أبي طالب ، يقول بعضهم لبعض : امشوا واصبروا على آلهتكم ، أي : اثبتوا على عبادة آلهتكم ، { إن هذا لشيء يراد } أي لأمر يراد بنا ، وذلك أن عمر لما أسلم وحصل للمسلمين قوة لمكانه قالوا : إن هذا الذي نراه من زيادة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لشيء يراد بنا . وقيل يراد بأهل الأرض ، وقيل : يراد بمحمد أن يملك علينا .
{ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ } : المقبول قولهم ، محرضين قومهم على التمسك بما هم عليه من الشرك . { أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ } أى : استمروا عليها ، وجاهدوا نفوسكم في الصبر عليها وعلى عبادتها ، ولا يردكم عنها راد ، ولا يصدنكم عن عبادتها ، صاد . { إِنَّ هَذَا } الذي جاء به محمد ، من النهي عن عبادتها { لَشَيْءٌ يُرَادُ } أي : يقصد ، أي : له قصد ونية غير صالحة في ذلك ، وهذه شبهة لا تروج إلا على السفهاء ، فإن من دعا إلى قول حق أو غير حق ، لا يرد قوله بالقدح في نيته ، فنيته وعمله له ، وإنما يرد بمقابلته بما يبطله ويفسده ، من الحجج والبراهين ، وهم قصدهم ، أن محمدا ، ما دعاكم إلى ما دعاكم ، إلا ليرأس فيكم ، ويكون معظما عندكم ، متبوعا .
ثم صور - سبحانه - حرصهم على صرف الناس عن دعوة الحق . تصويرا بديعا ، فقال : { وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا وَاْصْبِرُواْ على آلِهَتِكُمْ } ، أى : وانطلق الأشراف فى قريش عن مجلس أبى طالب ، بعد أن سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم ما أغضبهم وخيب آمالهم . انطلقوا يقولون : أن امشوا فى طريقهم التى كان عليها آباؤكم واصبروا على عبادة آلهتكم مهما هوَّن محمد صلى الله عليه وسلم من شأنها ، ومهما نهى عن عبادتها .
{ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرَادُ } أى : إن هذا الذى يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من عبادة الله - تعالى - وحده وترك عبادة آلهتنا لشئ يراد من جهته هو ، وهو مصمم عليه كل التصميم ، ونحن من جانبنا يجب أن نقابل تصميمه على دعوته ، بتصميم منا على عبادة آلهتنا .
وعلى هذا المعنى تكون الإِشارة هنا عائدة إلى ما يدعوهم إليه النبى صلى الله عليه وسلم من عبادة الله وحده .
ويصح أن تكون الإِشارة إلى دينهم هم ، فيكون المعنى : إن هذا الدين الذى نحن عليه لشئ يراد لنا ، وقد وجدنا عليه آباءنا ، وما دام الأمر كذلك فلن نتركه مهما كرَّهنَا فيه محمد صلى الله عليه وسلم .
قال الآلوسى : قوله : { إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرَادُ } تعليل للأمر بالصبر ، والإِشارة إلى ما وقع وشاهدوه من أمر النبى صلى الله عليه وسلم وتصلبه فى أمر التوحيد ، ونفى ألوهية آلهتهم . . أى : إن هذا لشئ عظيم يراد به من جهته صلى الله عليه وسلم إمضاؤه وتنفيذه . فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله إلى إرادتكم ، واصبرو على عبادة آلهتكم . وقيل : إن هذا الأمر لشئ من نوائب الدهر يراد بنا ، فلا حيلة إلا تجرع مرارة الصبر . وقيل : إن هذا - أى : دينكم - يُطلب لينتزع منكم ويطرح ويراد إبطاله . .
{ وَانْطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ } وهم سادتهم وقادتهم ورؤساؤهم وكبراؤهم قائلين : { [ أن ] امْشُوا } ، أي : استمروا على دينكم { وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ } ولا تستجيبوا لما يدعوكم إليه محمد من التوحيد .
وقوله : { إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ } قال ابن جرير : إن هذا الذي يدعونا إليه محمد صلى الله عليه وسلم من التوحيد لشيء يريد به الشرف عليكم والاستعلاء ، وأن يكون له منكم أتباع ولسنا مجيبيه إليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.