اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

قوله : { وانطلق الملأ مِنْهُمْ } الملأ : هم القوم الذين إذا حضروا امتلأت العيونُ والقلوبُ من مهابتهم ، وقوله «مِنْهُمْ » أي من قريش انطلقوا عن مجلس أبي طالب بعد ما بكَّتهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجواب العنيد قائلين بعضهم لبعض : «أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا على آلِهَتِكُمْ » ، وذلك «أن عُمَرَ بْنَ الخطاب أسلم فشق ذلك على قريش وفرح به المؤمنون فقال الوليد بن المغيرة للملأ من قريش وهم الصناديد والأشراف وكانوا خمسةً وعشرينَ رجلاً أكبرهم سنًّا الوليد بن المغيرة قال لهم : امشوا إلى أبي طالب فأتَوْا أبا طالب وقالوا له : أنت شيخنا وكبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء وإنا قد أتينَاك لتقضيَ بيننا وبين ابن أخيك ، فأرسل أبو طالب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فدعا به فقال يا ابن أخي : هؤلاء قومك يسألونَك السَّوَاءَ فلا تَمِلْ كُلَّ الميل على قومك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «مَاذَا تسألون » ؟ فقالوا : ارْفُضْ ذكرَ آلهتنا ونَدَعُكَ وآلهتَك فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أتعطوني كلمةً واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم فقال أبو جهل لله أبوك لنُعْطِيكَها وعشراً أمثالها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قولوا لا إله إلا الله فنفروا من ذلك وقالوا : أجعل الآلهة إلهاً واحداً كيف يسع الخلق كلهم إله واحد ؟ ! { إن هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } أي عجيب » .

قوله : { أَنِ امشوا } يجوز أن تكون «أن » مصدرية أي انطلقوا بقولهم أَنِ امْشُوا ، وأن تكون مفسِّرَة إما «لانْطَلَقَ » لأنه ضمن معنى القول ، قال الزمخشري : لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لا بد لهم أن يتكلموا ويتعارضوا فيما جرى لهم انتهى .

وقيل : بل هي مفسرة لجملة محذوفة في محل حال تقديره وانْطَلَقُوا يتحاورون أَن امْشوا .

ويجوز أن تكون مصدرية معمولة لهذا المقدر . وقيل : الانطلاق هنا الاندفاع في القول والكلام نحو : انْطَلَقَ لسانُه فأن مفسرة له من غير تضمين ولا حذف . والمشيُ الظاهرُ أنَّه هو المتعارف . وقيل : ( بل ) هو دعاء بكثرة الماشية . وهذا فاسد لفظاً ومعنى ، أما اللفظ فلأنه إنما يقال من هذه المعنى : أمشى الرجل إذا كثرت ماشيته ، بالألف ؛ أي صار ذا ماشية فكان ينبغي على هذا أن يقرأ أَمْشُوا بقطع الهمزة مفتوحة . وأما المعنى فليس مراداً البتة وأي معنى على ذلك ، إلا أن الزمخشري ذكر وجهاً صحيحاً من حيث الصناعة وأقرب معنًى ممَّا تقدم فقال : ويجوز أنهم قالوا امشوا أي اكثروا واجتمعوا من : مَشَت المرأة إذا كثرتْ ولاَدَتُها ، ومنه : الماشية للتفاؤل انتهى . وإذا وقف على «أن » وابتدئ بما بعدها فليبتدأ بكسر الهمزة لا بضمِّها ، لأن الثالث مكسور تقديراً إذ الأصل : امْشِيُوا ، ثم أُعِلّ بالحذف ، وهذا كما يبتدأ بضم الهمزة في قولك : أُغْزِي يا امرأة ، وإن كانت الزاي مكسورة لأنها مضمومة ، إذا الأصل اعْزُوِي كاخْرُجِي فأعلّ بالحذف .

فصل

لما أسلم عمر وحصل للمسلمين قوة لمكانه ، قال المشركون : إن هذا الذي نراه من زيادة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - لشيء يراد بنا ، وقيل : يراد بأهل الأرض ، وقيل : يراد بمحمد أن يملك علينا ، وقيل : إن دينكم لشيءٌ يُرَادُ أي يطلب ليؤخذ عنكم .