الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُواْ وَٱصۡبِرُواْ عَلَىٰٓ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيۡءٞ يُرَادُ} (6)

قوله تعالى : { وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا وَاْصْبِرُواْ على آلِهَتِكُمْ } الآية ، " رُوِيَ فِي قَصَصِ هذهِ الآيةِ ، أنَّ أشْرَافَ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا عِنْدَ مَرَضِ أبي طالبٍ ، وقالوا : إن مِنَ القبيحِ علينا أن يموتَ أبو طالب ، ونُؤْذِيَ محمَّداً بَعْدَهُ ، فتقولُ العربُ : تركُوهُ مُدَّةَ عَمِّهِ ، فَلَمَّا مَاتَ آذَوْهُ ، ولكن لِنذهبْ إلى أبي طالب فَيُنْصِفَنَا مِنْهُ ويَرْبِطَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ رَبْطاً ، فَنَهَضُوا إليه ، فقالوا : يا أبا طالب : إن محمداً يَسُبُّ آلهتَنا ، ويُسَفِّهُ آراءنا ، ونحنُ لا نُقَارُّهُ على ذلك ، ولكن افْصِلْ بَيْنَنَا وبَيْنَهُ في حياتِكَ ؛ بأن يُقِيمَ في منزلهِ يَعْبُدُ ربَّهُ الذي يَزْعُمُ ويدعُ آلهتنا وسَبَّها ، ولا يَعْرِضُ لأحَدٍ منا بشيْءٍ من هذا ، فبعث أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمَّدُ ، إن قومَكَ قَد دَعَوْكَ إلى النَّصَفَةِ ، وهِيَ أن تَدَعَهُمْ وتَعْبُدَ رَبَّكَ وَحْدَكَ ، فَقال : أوَ غَيْرَ ذلكَ يا عَمُّ ؟ قال : وما هو ؟ قال : يُعْطُونَنِي كَلِمَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا العَرَبُ ، وَتُؤَدِّي إلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ بِهَا العَجَمُ ، قَالُوا : وَمَا هِيَ ؟ ! فَإنَّا نُبَادِرُ إلَيْهَا ! قَالَ : «لاَ إله إلاَّ اللَّهُ » ؛ فَنَفَرُوا عِنْدَ ذَلِكَ ، وَقَالُوا : مَا يُرْضِيكَ مِنَّا غَيْرُ هذا ؟ قال : «واللَّهِ ، لَوْ أَعْطَيْتُمُونِي الأَرْضَ ذَهَبَاً وَمَالاً » " وفي روايةِ " لَوْ جَعَلْتُمُ الشَّمْسَ فِي يَمِينِي والقَمَرَ فِي شِمَالِي مَا أرضى مِنْكُمْ غَيْرُهَا " فَقَامُوا عِنْدَ ذَلِكَ ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لِبَعْضٍ : { أَجَعَلَ الآلهة إلها وَاحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } ، ويُرَدِّدُونَ هذا المعنى ، وعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ يقولُ : { امشوا وَاْصْبِرُواْ على آلِهَتِكُمْ } ، فقوله تعالى : { وانطلق الملأ } عبارةٌ عن خروجِهم عَن أبي طالبٍ وانطلاقِهِمْ من ذلكَ الجَمْعِ ، هذا قولُ جماعةٍ من المفسِّرين .

وقوله : { أَنِ امشوا } نَقَلَ الإمامُ الفخرُ أَنَّ { أنْ } بمعنى : «أي » ، انتهى ، وقولهم : { إِنَّ هذا لَشَيء يُرَادُ } يريدون ظهورَ محمَّدٍ وعلوَّه ، أي : يُرادُ مِنَّا الانقيادُ لَه ، وأنْ نكونَ له أتْبَاعاً .