{ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم } وذلك أن الكفار أرادوا أن يصيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ، فنظر إليه قوم من قريش وقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه . وقيل : كانت العين في بني أسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول : يا جارية خذي المكتل والدراهم فأتينا بشيء من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت ، فتنحر . وقال الكلبي : كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثاً ، ثم يرفع جانب خبائه فتمر بها الإبل فيقول : لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قليلاً حتى تسقط منها طائفة وعدة ، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين ويفعل به مثل ذلك ، فعصم الله نبيه وأنزل : { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم } أي ويكاد ، ودخلت اللام في { ليزلقونك } لمكان إن ، وقرأ أهل المدينة : { ليزلقونك } بفتح الياء ، والآخرون بضمها ، وهما لغتان ، يقال : زلقه يزلقه زلقاً وأزلقه إزلاقاً . قال ابن عباس : معناه : ينفذونك ، ويقال : زلق السهم : إذا أنفذ . قال السدي : يصيبونك بعيونهم . قال النضر بن شميل : يعينونك . وقيل : يزيلونك . وقال الكلبي : يصرعونك . وقيل : يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة . قال ابن قتيبة : ليس يريد أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه ، وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظراً شديداً بالعداوة والبغضاء ، يكاد يسقطك . وقال الزجاج : يعني من شدة عداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك . وهذا مستعمل في كلام العرب يقول القائل : نظر إلي نظراً يكاد يصرعني ، ونظراً يكاد يأكلني . يدل على صحة هذا المعنى : أنه قرن هذا النظر بسماع القرآن ، وهو قوله : { لما سمعوا الذكر } وهم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهية فيحدون إليه النظر بالبغضاء ، { ويقولون إنه لمجنون } أي ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن .
حتى إنهم حرصوا على أن يزلقوه بأبصارهم أي : يصيبوه{[1203]} بأعينهم ، من حسدهم وغيظهم وحنقهم ، هذا منتهى ما قدروا عليه من الأذى الفعلي ، والله حافظه وناصره ، وأما الأذى القولي ، فيقولون فيه أقوالًا ، بحسب ما توحي إليهم قلوبهم ، فيقولون تارة " مجنون " وتارة " ساحر " وتارة " شاعر " .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة ، ببيان ما كان عليه الكافرون من كراهية للنبى صلى الله عليه وسلم ومن حقد عليه ، فقال - تعالى - : { وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ الذكر وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ . وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } .
وقولهك { لَيُزْلِقُونَكَ } من الزَّلَق - بفتحتين - ، وهو تزحزح الإِنسان عن مكانه ، وقد يؤدى به هذا التزحزح إلى السقوط على الأرض ، يقال : زَلَقه يَزْلِقه ، و أزْلقه يُزْلِقه إزلافا ، إذا نحاه وأبعده عن مكانه ، واللام فيه للابتداء .
قال الشوكانى : قرأ الجمهور : { لَيُزْلِقُونَكَ } بضم الياء من أزلقه ، أى : أزل رجله . .
وقرأ نافع وأهل المدينة { لَيُزْلِقُونَكَ } - بفتح الياء - من زلق عن موضعه .
و { إن } هى المخففة من الثقيلة ، - واسمها ضمير الشأن محذوف ، و " لما " ظرفية منصوبة بيزلقونك . أو هى حرف ، وجوابها محذوف لدلالة ما قبلها عليه . أى : لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك . .
أى : وإن يكاد الذين كفروا ليهلكونك ، أو ليزلون قدمك عن موضعها ، أو ليصرعونك بأبصارهم من شدة نظرهم إليك شزرا ، بعيون ملؤها العداوة والبغضاء حين سمعوا الذكر ، وهو القرآن الكريم . .
{ وَيَقُولُونَ } على سبيل البغض لك { إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ } أى : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لمن الأشخاض الذين ذهبت عقولهم . .
{ وَمَا هُوَ } أى : القرآن الذى أنزلناه عليك { إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } أى : تذكير بالله - تعالى - وبدينه وبهداياته . . وشرف لهم وللعالمين جميعا .
وجاء قوله { يَكَادُ } بصيغة المضارع ، للإِشارة إلى استمرار ذلك فى المستقبل .
وجاء قوله { سَمِعُواْ } بصيغة الماضى ، لوقوعه مع { لما } وللإِشعار بأنهم قد حصل منهم هذا القول السَّيئ .
وجاء قوله { لَيُزْلِقُونَكَ } بلام التأكيد للإشعار بتصميم على هذه الكراهية ، وحرصهم عليها .
وقوله - سبحانه - : { وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } رد على أكاذيبهم وإبطال لأقوالهم الزائفة ، حيث وصفوه صلى الله عليه وسلم بالجنون لأنه إذا ما كان ما جاء به شرف وموعظة وهداية وتذكير بالخير للناس . . لم يكن معقولا أن يكون مبلغة مجنونا .
ومنهم من فسر قوله - تعالى - { لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ . . . } أى : ليحدسونك عن طريق النظر الشديد بعيونهم . .
قال الإِمام ابن كثير : وقوله : { وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } قال ابن عباس ومجاهد وغيرهما : { لَيُزْلِقُونَكَ } : لينقذونك بأبصارهم ، أى : لَيعَينوك بأبصارهم ، بمعنى ليحسدونك لبغضهم إياك ، لولا وقاية الله لك ، وحمايتك منهم .
وفى هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله - عز وجل - ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة .
ثم ساق - رحمه الله - جملة من الأحاديث فى هذا المعنى ، منها ما رواه أبو داود فى سننه ، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا رقية إلا من عين أو حُمَه - أى : سم - ، أودم لا يرقأ " .
وروى الإمام مسلم فى صحيحه عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق ، ولو كان شئ سابَق القدر سَبَقَت العين " .
وعن ابن عباس - أيضا - قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين فيقول : " أعيذ كما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهامة - والهامة كل ذات سم يقتل - ، ومن كل عين لامة " " .
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق حتى لتورد الرجل القبر ، والجمل القدر ، وإن أكثر هلاك أمتى فى العين " .
وبعد : فهذا تفسير محرر لسورة " ن " نسأل الله - تعالى - أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده .
وفي الختام يرسم مشهدا للكافرين وهم يتلقون الدعوة من الرسول الكريم ، في غيظ عنيف ، وحسد عميق ينسكب في نظرات مسمومة قاتلة يوجهونها إليه ، ويصفها القرآن بما لا يزيد عليه :
( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر . ويقولون : إنه لمجنون ) .
فهذه النظرات تكاد تؤثر في أقدام الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] فتجعلها تزل وتزلق وتفقد توازنها على الأرض وثباتها ! وهو تعبير فائق عما تحمله هذه النظرات من غيظ وحنق وشر وحسد ونقمة وضغن ، وحمى وسم . . مصحوبة هذه النظرات المسمومة المحمومة بالسب القبيح ، والشتم البذيء ، والافتراء الذميم : ( ويقولون : إنه لمجنون ) . .
وهو مشهد تلتقطه الريشة المبدعة وتسجله من مشاهد الدعوة العامة في مكة . فهو لا يكون إلا في حلقة عامة بين كبار المعاندين المجرمين ، الذين ينبعث من قلوبهم وفي نظراتهم كل هذا الحقد الذميم المحموم !
وقوله : { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وغيرهما : { لَيُزْلِقُونَكَ } لينفذونك بأبصارهم ، أي : ليعينونك بأبصارهم ، بمعنى : يحسدونك لبغضهم إياك لولا وقاية الله لك ، وحمايته إياك منهم . وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق ، بأمر الله ، عز وجل ، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة .
حديث أنس بن مالك ، رضي الله عنه : قال أبو داود : حدثنا سليمان بن داود العَتَكي ، حدثنا شريك( ح ) ، وحدثنا العباس العَنْبَريّ ، حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا شريك ، عن العباس بن ذَرِيح ، عن الشعبي - قال العباس : عن أنس - قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا رقية إلا من عين أو حُمة أو دم لا يرقأ " . لم يذكر العباس العين . وهذا لفظ سليمان{[29216]} .
حديث بُرَيدة بن الحُصَيب ، رضي الله عنه : قال أبو عبد الله ابن ماجة : حدثنا محمد بن عبد الله بن نُمَير ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي جعفر الرازي ، عن حُصَين ، عن الشعبي ، عن بُرَيدة بن الحصيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا رقية إلا من عين أو حُمة " {[29217]} .
هكذا رواه ابن ماجة وقد أخرجه مسلم في صحيحه ، عن سعيد بن منصور ، عن هشيم ، عن حُصَين بن عبد الرحمن ، عن عامر الشعبي ، عن بريدة موقوفًا ، وفيه قصة{[29218]} وقد رواه شعبة ، عن حصين ، عن الشعبي ، عن بريدة . قاله الترمذي{[29219]} وروى هذا الحديث الإمام البخاري من حديث محمد بن فضيل ، وأبو داود من حديث مالك بن مِغْول ، والترمذي من حديث سفيان بن عيينة ، ثلاثتهم عن حصين ، عن عامر عن الشعبي ، عن عمران بن حُصَين موقوفًا{[29220]} .
حديث أبي جندب بن جنادة : قال الحافظ أبو يعلى الموصلي ، رحمه الله : حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن البِرِند السامي ، حدثنا ديلم بن غَزوان ، حدثنا وهْب بن أبي دبي ، عن أبي حرب عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العين لتولع الرجلَ بإذن الله ، فيتصاعد حالقا ، ثم يتردى منه " إسناده غريب ، ولم يخرجوه{[29221]} .
حديث حابس التميمي : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حرب ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني حَيَّة بن حابس التميمي : أن أباه أخبره : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا شيء في الهام ، والعين حق ، وأصدق الطيَرَة{[29222]} الفَألُ " {[29223]} .
وقد رواه الترمذي عن عمرو بن علي ، عن أبي غسان يحيى بن كثير ، عن علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، به{[29224]} ثم قال غريب . قال وروى شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن حَيَّة بن حابس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
قلت : كذلك رواه الإمام أحمد ، عن حسن بن موسى وحُسَين بن محمد ، عن شيبان ، يحيى بن أبي كثير ، عن حَيَّة ، حدثه عن أبيه ، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا بأس في الهام ، والعين حق ، وأصدق الطيرة الفأل " {[29225]} .
حديث ابن عباس : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن الوليد ، عن سفيان ، عن دُوَيد ، حدثني إسماعيل بن ثوبان ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العين حق ، العين حق ، تستنزل الحالق " {[29226]} غريب .
طريق أخرى : قال مسلم في صحيحه : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا وُهَيب ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق ، ولو كان شيء سَابَقَ القَدَرَ سَبَقَت العين ، وإذا اغْتُسلتم فاغسلوا " . انفرد به دون البخاري{[29227]} .
وقال عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن المِنْهال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذ الحسن والحسين ، يقول : " أعيذكما بكلمات الله التامة ، من كل شيطان وهَامَّة ، ومن كل عين لامَّة " ، ويقول هكذا كان إبراهيم يُعَوِّذ إسحاق وإسماعيل ، عليهما السلام " .
أخرجه البخاري وأهل السنن من حديث المنهال ، به{[29228]}
حديث أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف ، رضي الله عنه : " قال ابن ماجة : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا سفيان ، عن الزهري ، عن أبي أمامة ابن سهل بن حُنَيف قال : مر عامر بن ربيعة بسهل بن حُنَيف ، وهو يغتسل ، فقال : لم أر كاليوم ولا جلدَ مخبأة . فما لبث أن لُبِطَ به ، فأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : أدرك سهلا صريعًا . قال : " من تتهمون به ؟ " . قالوا : عامر بن ربيعة . قال : " علام يقتل أحدكم أخاه ؟ إذا رأى أحدكم من أخيه ما يُعجبه فَلْيَدعُ له بالبركة " . ثُم دعا بماء فأمر عامرًا أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، وركبتيه ، ودَاخِلة إزاره ، وأمره أن يصب عليه .
قال سفيان : قال مَعْمَر ، عن الزهري : وأمر أن يكفَأ الإناء من خلفه{[29229]} .
وقد رواه النسائي ، من حديث سفيان بن عيينة ومالك بن أنس ، كلاهما عن الزهري ، به . ومن حديث سفيان بن عيينة أيضًا عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي أمامة : ويكفَأ الإناء من خلفه . ومن حديث ابن أبي ذئب عن الزهري ، عن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حُنَيف ، عن أبيه ، به . ومن حديث مالك أيضًا ، عن محمد بن أبي أمامة بن سهل ، عن أبيه ، به{[29230]} .
حديث أبي سعيد الخدري : قال ابن ماجة : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أعين{[29231]} الجان وأعين الإنس . فلما نزل{[29232]} المعوذتان أخذ بهما وترك ما سوى ذلك .
ورواه الترمذي والنسائي من حديث سعيد بن إياس{[29233]} أبي مسعود الجُرَيري ، به{[29234]} وقال الترمذي : حسن .
حديث آخر عنه : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدثني أبي ، حدثني عبد العزيز بن صُهيب ، حدثني أبو نضرة ، عن أبي سعيد : أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : اشتكيت يا محمد ؟ قال : " نعم " . قال باسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من شر كل نفس و عين يشفيك ، باسم الله أرقيك{[29235]} .
ورواه عن عفان ، عن عبد الوارث ، مثله . ورواه مسلم وأهل السنن - إلا أبا داود - من حديث عبد الوارث ، به{[29236]} .
وقال الإمام أحمد أيضًا : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا داود ، عن أبي نَضرة ، عن أبي سعيد - أو : جابر بن عبد الله ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتكى ، فأتاه جبريل فقال : باسم الله أرقيك ، من كل شيء يؤذيك ، من كل حاسد وعين والله يُشفيك{[29237]} .
ورواه أيضًا ، عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ، عن داود ، عن أبي نَضرة ، عن أبي سعيد به{[29238]} .
قال أبو زُرْعَة الرازي : روى عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن أبيه ، عن عبد العزيز ، عن أبي نضرة ، وعن عبد العزيز ، عن أنس ، في معناه ، وكلاهما صحيح .
حديث أبى هُرَيرة : قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أنبأنا مَعْمَر ، عن هَمَّام بن مُنَبِّه قال : هذا ما حدثنا أبو هُرَيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العين حق " {[29239]} .
أخرجاه من حديث عبد الرزاق{[29240]} .
وقال ابن ماجة : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة ، عن الجُرَيري ، عن مُضَارب بن حَزن ، عن أبي هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " العين حق " . تفرد به .
ورواه أحمد ، عن إسماعيل بن عُلَيَّة ، عن سعيد الجريري ، به{[29241]} .
وقال الإمام أحمد حدثنا ابن نمير ، حدثنا ثور - يعني ابن يزيد - عن مكحول ، عن أبي هُرَيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العين حق ، ويحضُرها الشيطانُ ، وحسد ابن آدم " {[29242]}
وقال أحمد : حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن قيس : سُئل أبو هُرَيرة : هل سمعت رسول الله يقول : الطيرة في ثلاث : في المسكن والفرس والمرأة ؟ قال : قلت : إذًا أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ! ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أصدق الطيرة الفألُ ، والعين حق " {[29243]} .
حديث أسماء بنت عُمَيس : قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن عُروةَ بن عامر ، عن عُبَيد بن رفاعة الزُرقي قال : قالت أسماء : يا رسول الله ، إن بني جعفر تصيبهم العين ، أفأسترقي لهم ؟ قال : " نعم ، فلو كان شيء يسبق القدرَ لسبقته العين " .
وكذا رواه الترمذي وابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة ، به{[29244]} ورواه الترمذي أيضًا والنسائي ، من حديث عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن أيوب ، عن عمرو بن دينار ، عن عُرْوَة بن عامر ، عن عُبَيد بن رفاعة ، عن أسماء بنت عميس ، به{[29245]} وقال الترمذي : حسن صحيح .
حديث عائشة ، رضي الله عنها : قال ابن ماجة : حدثنا علي بن أبي الخَصِيب ، حدثنا وَكِيع ، عن سفيان ، ومِسْعَر ، عن معبد بن خالد ، عن عبد الله بن شَدَّاد ، عن عائشة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها أن تسترقي من العين{[29246]} .
ورواه البخاري عن محمد بن كثير ، عن سفيان ، عن معبد بن خالد ، به . وأخرجه مسلم من حديث سُفيانَ ومِسْعَر ، كلاهما عن معبد ، به{[29247]} ثم قال ابن ماجة :
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا أبو هشام المخزومي ، حدثنا وُهَيب ، عن أبي واقد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استعيذوا بالله فإن النفس حق " . تفرد به{[29248]}
وقال أبو داود : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، حدثنا الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عائشة قالت : كان يؤمر العائن فيتوضأ ويغسل منه المَعين{[29249]} .
حديث سهل بن حُنَيف : قال الإمام أحمد : حدثنا حُسَين بن محمد ، حدثنا أبو أويس{[29250]} حدثنا الزهري ، عن أبي أمامة بن سَهل بن حُنَيف : أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وساروا معه نحو مكة ، حتى إذا كانوا بشعب الخَرَار - من الجحفة - اغتسل سهلُ بن حُنَيف - وكان رجلا أبيض حَسن الجسم والجلد - فنظر إليه عامر بن ربيعة ، أخو بني عدي بن كعب ، وهو يغتسل ، فقال : ما رأيت كاليوم ولا جلد مُخَبَّأة . فلُبِطَ سهل ، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له : يا رسول الله ، هل لك في سهل . والله ما يرفع رأسه ولا يُفيق . قال : " هل تتهمون فيه من أحد ؟ " . قالوا : نظر إليه عامر بن ربيعة . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرا ، فتغيظ عليه ، وقال : " علام يقتل أحدكم أخاه ، هلا إذا رأيت ما يعجبك بَركت ؟ " . ثم قال له : " اغتسل له " - فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه ودَاخلَة إزاره في قَدح - ثم صُب ذلك الماء عليه . يَصُبَه رجل على رأسه وظهره من خلفه ، ثم يكفأ{[29251]} . القدح وراءه . ففعل ذلك ، فراح سهل مع الناس ، ليس به بأس{[29252]} .
حديث عامر بن ربيعة : " قال الإمام أحمد في مسند عامر : حدثنا وَكِيع ، حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن عيسى ، عن أمَيّة بن هند بن سهل بن حُنَيْف ، عن عبد الله بن عامر قال : انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل ، قال : فانطلقا يلتمسان الخمرَ - قال : فوضع عامر جُبَّة كانت عليه من صوف ، فنظرت إليه فأصبته بعيني فنزل الماء يغتسل . قال : فسمعت له في الماء فرقعة ، فأتيته فناديته ثلاثا فلم يجبني . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته . قال : فجاء يمشي فخاض الماء كأني أنظر إلى بياض ساقيه ، قال : فضرب صدره بيده ثم قال : " اللهم اصرف عنه حرها وبردها ووصبها " . قال : فقام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا رأى أحدكم من أخيه ، أو من نفسه أو من ماله ، ما يعجبه ، فَليُبَرِّك ، فإن العين حق " {[29253]} .
حديث جابر : قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده : حدثنا محمد بن مَعْمَر ، حدثنا أبو داود ، حدثنا طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل الأنصاري - ويقال له : ابن الضَجِيع ، ضجيع حمزة ، رضي الله عنه - حدثني عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس " {[29254]} .
قال البزار : يعني العين . قال ولا نعلم يروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد .
قلت : بل قد روي من وجه آخر عن جابر ، قال الحافظ أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر الهروي - المعروف بشَكَّر - في كتاب العجائب ، وهو مشتمل على فوائد جليلة وغريبة : حدثنا الرهاوي ، حدثنا يعقوب بن محمد ، حدثنا علي بن أبي علي الهاشمي ، حدثنا محمد بن المُنكَدر ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق ، لتُورِد الرجل القبر ، والجمل القِدر ، وإن أكثر هلاك أمتي في العين " {[29255]} .
ثم رواه عن شعيب بن أيوب ، عن معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد تُدخل الرجلَ العينُ في القبر ، وتدخل الجمل القدر " {[29256]} .
حديث عبد الله بن عمرو : " قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا رشدين بن سعد ، عن الحسن بن ثوبان ، عن هشام بن أبي رُقية ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى ولا طيرةَ ، ولا هَامة ولا حَسَد ، والعين حق " . تفرد به أحمد{[29257]} .
حديث عن علي : روى الحافظ ابن عساكر من طريق خَيْثمة بن سليمان الحافظ : حدثنا عبيد بن محمد الكَشَوري ، حدثنا عبد الله بن عبد الله بن عبد ربه البصري ، عن أبي رجاء ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ؛ أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوافقه مغتما ، فقال : يا محمد ، ما هذا الغم الذي أراه في وجهك ؟ قال : " الحسن والحسين أصابتهما عين " . قال : صَدَق بالعين ، فإن العين حق ، أفلا عوذتهما بهؤلاء الكلمات ؟ قال : " وما هن يا جبريل ؟ " . قال : قل : اللهم ذا السلطان العظيم ، ذا المن{[29258]} القديم ، ذا الوجه الكريم ، ولي الكلمات التامات ، والدعوات المستجابات ، عاف الحسن والحسين من أنفس الجن ، وأعين الإنس . فقالها النبي صلى الله عليه وسلم فقاما يلعبان بين يديه . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عَوِّذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التعويذ ، فإنه لم يتعوذ المتعوذون بمثله " .
قال الخطيب البغدادي : تفرد بروايته أبو رجاء محمد بن عبيد الله الحَيَطي{[29259]} من أهل تُسْتَر . ذكره ابن عساكر في ترجمة " طراد بن الحسين " ، من تاريخه{[29260]} .
وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم إن هي المخففة واللام دليلها والمعنى إنهم لشدة عداوتهم ينظرون إليك شزرا بحيث يكادون يزلون قدمك أو يهلكونك من قولهم نظر إلي نظرا يكاد يصرعني أي لو أمكنه بنظره الصرع لفعله أو أنهم يكادون يصيبونك بالعين إذ روي أنه كان في بني أسد عيانون فأراد بعضهم أن يعين رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت وفي الحديث إن العين لتدخل الرجل القبر والجمل القدر ولعله يكون من خصائص بعض النفوس وقرأ نافع ليزلقونك من زلقته فزلق كحزنته فحزن وقرئ ليزهقونك أي ليهلكونك لما سمعوا الذكر أي القرآن أي ينبعث عند سماعه بعضهم وحسدهم ويقولون إنه لمجنون حيرة في أمره وتنفيرا عنه .
عطف على جملة { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث } [ القلم : 44 ] ، عرَّف الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعض ما تنطوي عليه نفوس المشركين نحو النبي صلى الله عليه وسلم من الحقد والغيظ وإضمار الشر عندما يسمعون القرآن .
والزلَق : بفتحتين زَلل الرجل من مَلاَسَةِ الأرض من طين عليها أو دهن ، وتقدم في قوله تعالى : { فتُصْبِحَ صعيداً زلَقاً } في سورة الكهف ( 40 ) .
ولما كان الزلق يفضي إلى السقوط غالباً أطلق الزلق وما يشتق منه على السقوط والاندحاض على وجه الكناية ، ومنه قوله هنا ليَزْلقونك ، } أي يسقطونك ويصرعونك .
وعن مجاهد : أيْ ينفذونك بنظرهم . وقال القرطبي : يقال زلق السهم وزهق ، إذا نفذ ، ولم أراه لغيره ، قال الراغب قال يونس : لم يسمع الزلق والإِزلاق إلاّ في القرآن اه .
قلت : وعلى جميع الوجوه فقد جعل الإِزلاق بأبصارهم على وجه الاستعارة المكنية ، شبهت الأبصار بالسهام ورمز إلى المشبه به بما هو من روادفه وهو فعل ( يزلقونك ) وهذا مثل قوله تعالى : { إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا } [ آل عمران : 155 ] .
وقرأ نافع وأبو جعفر ( يزلقونك ) بفتح المثناة مضارع زلَق بفتح اللام يزلق متعدياً ، إذا نحاه عن مكانه .
وجاء { يكاد } بصيغة المضارع للدلالة على استمرار ذلك في المستقبل ، وجاء فعل { سمعوا } ماضياً لوقوعه مع { لَمَّا } وللإِشارة إلى أنه قد حصل منهم ذلك وليس مجرد فرض .
واللام في { ليزلقونك } لام الابتداء التي تدخل كثيراً في خبر { إن } المكسورة وهي أيضاً تفرق بين { إنْ } المخففة وبين ( إنّ ) النافية .
وضمير { إنه لمجنون } عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حكاية لكلامهم بينهم ، فمعاد الضمير كائن في كلام بعضهم ، أو ليسَ للضمير معاد في كلامهم لأنه منصرف إلى من يتحدثون عنه في غالب مجالسهم .
والمعنى : يقولون ذلك اعتلالاً لأنفسهم إذ لم يجدوا في الذكر الذي يسمعونه مدخلاً للطعن فيه فانصرفوا إلى الطعن في صاحبه صلى الله عليه وسلم بأنه مجنون لينتقلوا من ذلك إلى أن الكلام الجاري على لسانه لا يوثق به ليصرفوا دهماءهم عن سماعه ، فلذلك أبطل الله قولهم : { إنه لمجنون } بقوله : { وما هو إلاّ ذكر للعالمين ، } أي ما القرآن إلاّ ذكر للناس كلهم وليس بكلام المجانين ، وينتقل من ذلك إلى أن الناطق به ليس من المجانين في شيء .
والذكر : التذكير بالله والجزاء هو أشرف أنواع الكلام لأن فيه صلاح الناس .
فضمير { هو } عائد إلى غير مذكور بل إلى معلوم من المقام ، وقرينةُ السياق تُرجع كلَّ ضمير من ضميري الغيبة إلى معاده ، كقول عباس بن مرداس :
عُدْنا ولولا نحن أحدقَ جمعُهم *** بالمسلمين وأحرَزوا ما جمَّعوا
أي لأحْرز الكفار ما جمَّعه المسلمون .
وفي قوله : { ويقولون إنه لمجنون } مع قوله في أول السورة { ما أنت بنعمة ربّك بمجنون } [ القلم : 2 ] محسن ردّ العجز على الصدر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وإن يكاد} يقول: قد كاد {الذين كفروا} يعني المستهزئين من قريش.
{ليزلقونك بأبصارهم} يعني يبعدونك.
{لما سمعوا الذكر} يقول: حين سمعوا القرآن كراهية له.
{ويقولون إنه} إن محمدا {لمجنون}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وإن يكاد الذين كفروا يا محمد يَنْفُذونك بأبصارهم من شدة عداوتهم لك ويزيلونك فيرموا بك عند نظرهم إليك غيظا عليك.
وقد قيل: إنه عُنِيَ بذلك: وإن يكان الذين كفروا مما عانوك بأبصارهم ليرمون بك يا محمد، ويصرعونك، كما تقول العرب: كاد فلان يصرعني بشدّة نظره إليّ...
عن ابن عباس، في قوله:"وَإنْ يكادُ الّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَك بأبْصَارِهِم لَمّا سَمِعُوا الذّكْرَ "يقول: يَنْفُذونك بأبصارهم من شدّة النظر... ليزهقونك بأبصارهم...
"وقوله لمَا سَمِعُوا الذّكْرَ "يقول: لما سمعوا كتاب الله يتلى.
"وَيَقُولُونَ إنّهُ لَمَجْنُونٌ": يقول هؤلاء المشركون الذين وصف صفتهم إن محمدا لمجنون، وهذا الذي جاءنا به من الهذيان الذي يَهْذِي به في جنونه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ليزلقونك} أي يسقطونك، ويصرعونك،
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أخبر تعالى نبيه بحال نظر الكفار إليه، وأنهم يكادون من الغيظ والعداوة، يزلقونه فيذهبون قدمه من مكانها ويسقطونه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما نهاه صلى الله عليه وسلم عن طاعة المكذبين وحذره إدهانهم وضرب لهم الأمثال، وتوعدهم إلى أن قال: {ذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم} وختم بقصة يونس عليه السلام للتدريب على الصبر وعدم الضعف ولو بالصغو إلى المدهن، فكان التقدير تسبيباً عما فيها من النهي: فإنهم إنما يبالغون في أذاك لتضجر فتترك ما أنت فيه، قال عاطفاً على هذا المقدر مخبراً له بما في صدورهم من الإحن عليه وفي قلوبهم من الضغائن له ليشتد حذره من إدهانهم، مؤكداً لأن من يرى إدهانهم يظن إذعانهم وينكر لمبالغتهم فيه طغيانهم: {وإن} أي وإنه {يكاد} وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف فقال: {الذين كفروا} أي ستروا ما قدروا عليه مما جئت به من الدلائل.
{ليزلقونك} أي من شدة عداوتهم وحسدهم وغيظ قلوبهم {بأبصارهم} أي يوجدون لك التنحية عما أنت فيه والزلل العظيم الذي صاحبه في موضع دحض لا مستمسك فيه بالهلاك فما دونه من الأذى حتى يرموك من قامتك إلى الأرض كما يزلق الإنسان فينطرح لما يتراءى في عيونهم حين تصويب النظر للفطن من الحنق والسخط الدال على أن صدورهم تغلي، كما قال تعالى {يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا} [الحج: 72]...
{ويقولون} أي قولاً لا يزالون يجددونه.
ولما كان صلى الله عليه وسلم في غاية البعد عما يشين، أكدوا قولهم: {إنه لمجنون} حيرة في أمرك وتنفيراً عنك لما يعلمون من أنه لا يسمعه أحد لا غرض له إلا كذبهم ومال بكليته إليك وكان معك وارتبط بك واغتبط بما جئت به...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وفي الختام يرسم مشهدا للكافرين وهم يتلقون الدعوة من الرسول الكريم، في غيظ عنيف، وحسد عميق ينسكب في نظرات مسمومة قاتلة يوجهونها إليه، ويصفها القرآن بما لا يزيد عليه:
(وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر. ويقولون: إنه لمجنون).
فهذه النظرات تكاد تؤثر في أقدام الرسول [صلى الله عليه وسلم] فتجعلها تزل وتزلق وتفقد توازنها على الأرض وثباتها! وهو تعبير فائق عما تحمله هذه النظرات من غيظ وحنق وشر وحسد ونقمة وضغن، وحمى وسم.. مصحوبة هذه النظرات المسمومة المحمومة بالسب القبيح، والشتم البذيء، والافتراء الذميم: (ويقولون: إنه لمجنون)..
وهو مشهد تلتقطه الريشة المبدعة وتسجله من مشاهد الدعوة العامة في مكة. فهو لا يكون إلا في حلقة عامة بين كبار المعاندين المجرمين، الذين ينبعث من قلوبهم وفي نظراتهم كل هذا الحقد الذميم المحموم!