فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

{ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك } أي ينفذونك قاله ابن عباس ، وإن هي المخففة من الثقيلة ، قرأ الجمهور بضم الياء من أزلقه أي أزل رجله ، يقال أزلقه عن موضعه إذا نحاه ، وقرأ نافع وأهل المدينة بفتحها من زلق عن موضعه إذا تنحى وهما سبعيتان ، قال الهروي أي يغتالونك بعيونهم فيزلقونك عن مكانك الذي أقامك الله فيه عداوة لك ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وغيرهما ليرهقونك أي يهلكونك ، وقال الكلبي : يزلقونك أي يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة وكذا قال السدي وسعيد بن جبير : وقال النضر بن شميل والأخفش : يفتنونك ، وقال الحسن وابن كيسان : ليقتلونك .

{ بأبصارهم } أي ينظرون إليك نظرا شديدا يكاد أن يصرعك ويسقطك عن مكانك والباء إما للتعدية كالداخلة على الآلة أي جعلوا أبصارهم كالآلة المزلقة لك كما تقول عملت بالقدوم ، وإما للسببية أي بسبب عيونهم ، قال الزجاج : في الآية مذهب أهل اللغة والتأويل أنهم من شدة إبغاضهم وعداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك . وهذا مستعمل في الكلام يقول القائل نظر إلي نظرا يكاد يصرعني ونظرا يكاد يأكلني ، قال ابن قتيبة : ليس يريد الله أنهم يصيبونك بأعينهم كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه . وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك كما قال الشاعر :

يتقاضون إذا التقوا في مجلس نظرا يزيل مواطئ الأقدام

وقيل : " أرادوا أن يصيبوه بالعين فنظر إليه قوم من قريش المجربة إصابتهم فعصمه الله وحماه من أعينهم فلم تؤثر فيه فنزلت هذه الآية " ؛ وذكر الماوردي أن العين كانت في بني أسد من العرب ؛ وفيه دليل على أن العين حق ، وقد رواه أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ والحديث متفق عليه ( {[1620]} ) .

وأخذ بظاهر الحديث جماهير العلماء وقالوا إنه حق وإنه ليدخل الرجل القبر والجمل القدر ؛ وأنكره طوائف من المبتدعة ولا اعتداد بهم بعدما ورد في كلام النبوة وصح . قال الحسن : رقية العين هذه الآية ( {[1621]} ) .

{ لما سمعوا الذكر } أي وقت سماعهم القرآن لكراهتهم لذلك أشد كراهة ، ولما ظرفية منصوبة بيزلقونك . وقيل هي حرف وجوابها محذوف لدلالة ما قبلها عليه أي لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك { ويقولون } حسدا وتنفيرا عنه { إنه لمجنون } أي ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن .


[1620]:قال ابن كثير: وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله عز وجل، كما وردت بذبك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة. وقد روى مسلم في "صحيحه" 4/1719 عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا". وروى البخاري وأصحاب "السنن" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين يقولك أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة".
[1621]:زاد المسير، 8/344.