البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

ولما أمره تعالى بالصبر لما أراده تعالى ونهاه عن ما نهاه ، أخبره بشدة عداوتهم ليتلقى ذلك بالصبر فقال : { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك } : أي ليزلقون قومك بنظرهم الحاد الدال على العداوة المفرطة ، أو ليهلكونك من قولهم : نظر إليّ نظراً يكاد يصرعني ويكاد يأكلني ، أي لو أمكنه بنظره الصرع والأكل لفعله .

وقال الشاعر :

يتعارضون إذا التقوا في موطن *** نظراً يزل مواطن الأقدام

وقال الكلبي : ليزلقونك : ليصرفونك .

وقرأ الجمهور : { ليزلقونك } بضم الياء من أزلق ؛ ونافع : بفتحها من زلقت الرجل ، عدى بالفتحة من زلق الرجل بالكسر ، نحو شترت عينه بالكسر ، وشترها الله بالفتح .

وقرأ عبد الله وابن عباس والأعمش وعيسى : ليزهقونك .

وقيل : معنى { ليزلقونك بأبصارهم } : ليأخذونك بالعين ، وذكر أن اللفع بالعين كان في بني أسد .

قال ابن الكلبي : كان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلاثة لا يأكل ، ثم يرفع جانب خبائه فيقول : لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه ، فما تذهب إلا قليلاً ثم تسقط طائفة أو عدة منها .

قال الكفار لهذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأجابهم ، وأنشد :

قد كان قومك يحسبونك سيداً *** وأخال أنك سيد معيون

أي : مصاب بالعين ، فعصم الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأنزل عليه هذه الآية .

قال قتادة : نزلت لدفع العين حين أرادوا أن يعينوه عليه الصلاة والسلام .

وقال الحسن : دواء من أصابته العين أن يقرأ هذه الآية .

وقال القشيري : الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان ، لا مع الكراهة والبغض ، وقال : { ويقولون إنه لمجنون } .

وقال القرطبي : ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة له حتى يهلك . انتهى .

وقد يكون في المعين ، وإن كان مبغضاً عند العائن صفة يستحسنها العائن ، فيعينه من تلك الصفة ، لا سيما من تكون فيه صفات كمال .

{ لما سمعوا الذكر } : من يقول لما ظرف يكون العامل فيه { ليزلقونك } ، وإن كان حرف وجوب لوجوب ، وهو الصحيح ، كان الجواب محذوفاً لدلالة ما قبله عليه ، أي لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك ، والذكر : القرآن .

{ ويقولون إنه لمجنون } تنفيراً عنه ، وقد علموا أنه صلى الله عليه وسلم أتمهم فضلاً وأرجحهم عقلاً .