فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

{ وَإِن يَكَادُ الذين كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بأبصارهم } «إن » هي المخففة من الثقيلة . قرأ الجمهور { لِيُزْلِقُونَكَ } بضم الياء من أزلقه : أي أزلّ رجله ، يقال : أزلقه عن موضعه إذا نحاه ، وقرأ نافع وأهل المدينة بفتحها من زلق عن موضعه : إذا تنحى . قال الهروي : أي فيغتالونك بعيونهم ، فيزلقونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوة لك ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش ومجاهد وأبو وائل «ليرهقونك » أي يهلكونك . وقال الكلبي { يزلقونك } أي يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة ، وكذا قال السديّ وسعيد بن جبير . وقال النضر بن شميل والأخفش : يفتنونك . وقال الحسن وابن كيسان : ليقتلونك . قال الزجاج : في الآية مذهب أهل اللغة والتأويل أنهم من شدّة إبغاضهم وعداوتهم يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك ، وهذا مستعمل في الكلام ، يقول القائل : نظر إليّ نظراً يكاد يصرعني ، ونظراً يكاد يأكلني . قال ابن قتيبة : ليس يريد الله أنهم يصيبونك بأعينهم ، كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه ، وإنما أراد أنهم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن نظراً شديداً بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك ، كما قال الشاعر :

يتعارضون إذا التقوا في مجلس *** نظراً يزيل مواطئ الأقدام

{ لَمَّا سَمِعُواْ الذكر } أي وقت سماعهم للقرآن لكراهتهم لذلك أشدّ كراهة ، ولما ظرفية منصوبة بيزلقونك ، وقيل : هي حرف ، وجوابها محذوف لدلالة ما قبله عليه : أي لما سمعوا الذكر كادوا يزلقونك { وَيَقُولُونَ إِنَّهُ مَّجْنُونٍ } أي ينسبونه إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن .

/خ52