تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ} (51)

الآية 51 وقوله تعالى : { وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم } فمنهم من يقول : هذا على التحقيق ، وصرف ذلك إلى قوم بأعيانهم قد عرفوا بخبث الأعين وحلول الآفات بمن يعينونه{[21867]} من أهل الشرف والتبجيل .

ثم الله تعالى بفضله عصم رسوله عليه الصلاة والسلام فلم يتهيأ لهم أن يعينوه ، فكان فيه تقرير رسالته وآية نبوته عند أولئك الكفرة .

فإن قال قائل : إنهم كانوا يعدون رسول الله صلى الله عليه وسلم من المجانين ، ويقولون : إنه لمجنون ، والمجنون لا يعان ، وإنما يعان أهل الشرف والحجى وذوو الأحلام والنهي ، فما أنكرت أنه سلم من الآفات حتى يقصد إليه بالعينة .

فجوابه أنهم وإن كانوا يعدونه من جملة المجانين فإنهم سمعوا منه ذكرا عجبا ، وهو القرآن . ومن أعطي مثل ذلك الذكر والشرف فهو مما يقصد إليه بالحسد ، فكانوا يعينونه لذلك المعنى . ثم لم يضره كيدهم ، ولا نفذت فيه حيلهم ، فأوجب فيه ذلك : ينبئهم أنه رسول من الله تعالى .

ومنهم من حمله على التمثيل لا على التحقيق ، فيقول : { وإن يكاد الذين كفروا } لشدة بغضهم وعداوتهم إياك { ليزلقونك بأبصارهم } كما يقال : نظر إليّ فلان نظرا ، وكاد يقتلني ، فيقوله على التمثيل .

ثم قوله تعالى : { ليزلقونك } أي يسقطونك ، ويصرعونك ، وقوله تعالى : { لما سمعوا الذكر } وهو القرآن .

وقوله تعالى : { ويقولون إنه لمجنون } قد وصفنا أنهم لأي معنى كانوا ينسبونه إلى الجنون ، وذكرنا ما يرد عليهم ، وينفي عنهم الريب والإشكال .


[21867]:في الأًصل و م: يعينه