المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

13- يوم يقول المنافقون والمنافقات للمؤمنين والمؤمنات : انتظرونا نُصِبْ بعض نوركم ، قيل - توبيخاً لهم ارجعوا إلى حيث أعطينا هذا النور فاطلبوه ، فضرب بين المؤمنين والمنافقين بحاجز له باب ، باطن الحاجز الذي يلي الجنة فيه الرحمة والنعيم ، وظاهر الحاجز الذي يلي النار من جهته النقمة والعذاب .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

وتقول لهم الملائكة :{ بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا } قرأ الأعمش وحمزة : { أنظرونا } بفتح الهمزة وكسر الظاء يعني أمهلونا . وقيل : انظرونا . وقرأ الآخرون بحذف الألف في الوصل وضمها في الابتداء وضم الظاء ، تقول العرب : انظرني وأنظرني ، يعني انتظرني . { نقتبس من نوركم } نستضيء من نوركم ، وذلك أن الله تعالى يعطي المؤمنين نوراً على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضاً نوراً خديعةً لهم ، وهو قوله عز وجل : { وهو خادعهم }( النساء- 141 ) ، فبينا هم يمشون إذ بعث الله عليهم ريحاً وظلمة فأطفأت نور المنافقين ، فذلك قوله : { يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا } ( التحريم- 8 ) ، مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين . وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ، ولا يعطون النور ، فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين : أنظرونا نقتبس من نوركم ، { قيل ارجعوا وراءكم } قال ابن عباس : يقول لهم المؤمنون ، وقال قتادة : تقول لهم الملائكة : ارجعوا وراءكم من حيث جئتم ، { فالتمسوا نورا } فاطلبوا هناك لأنفسكم نوراً فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا ، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئاً فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين ، وهو قوله : { فضرب بينهم بسور } أي سور ، " والباء " صلة يعني بين المؤمنين والمنافقين ، وهو حائط بين الجنة والنار ، { له } ، أي لذلك السور ، { باب باطنه فيه الرحمة } أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة ، { وظاهره } أي خارج ذلك السور ، { من قبله } ، أي من قبل ذلك الظاهر ، { العذاب } وهو النار .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

فإذا رأى المنافقون نور المؤمنين يمشون به{[981]}  وهم قد طفئ نورهم وبقوا في الظلمات حائرين ، قالوا للمؤمنين : { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } أي : أمهلونا لننال من نوركم ما نمشي به ، لننجو من العذاب ، ف { قِيلَ } لهم : { ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا } أي : إن كان ذلك ممكنا ، والحال أن ذلك غير ممكن ، بل هو من المحالات ، { فَضُرِبَ } بين المؤمنين والمنافقين { بِسُورٍ } أي : حائط منيع ، وحصن حصين ، { لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ } وهو الذي يلي المؤمنين { وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } وهو الذي يلي المنافقين .


[981]:- في ب: يمشون بنورهم.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

وقوله - عز وجل - : { يَوْمَ يَقُولُ المنافقون والمنافقات } بدل من قوله - تعالى - { يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات } .

أى : واذكر - أيها العاقل - أيضا - يوم يقول المنافقون والمنافقات ، الذين أظهروا الإسلام ، وأبطنوا الكفر ، يقولون للذين آمنوا ، على سبيل التذلل والتحسر .

{ انظرونا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أى انتظرونا وتريثوا فى سيركم لكى نلحق بكم ، فنستنير بنوركم الذى حرمنا منه ، وننتفع بالاقتباس من نوركم الذى أكرمكم الله - تعالى - به .

قال الآلوسى : { انظرونا } أى : انتظرونا { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } نصب منه ، وذلك بأن يلحقوا بهم ، فيستنيروا به . . واصل الاقتباس طلب القبس ، أى الجذوة من النار .

وقولهم للمؤمنين ذلك ، لأنهم فى ظلمة لا يدرون كيف يمشون فيها . وروى أن ذلك يكون على الصراط .

وقوله - سبحانه - { قِيلَ ارجعوا وَرَآءَكُمْ فالتمسوا نُوراً } حكاية لما يرد به عليهم المؤمنون ، أو الملائكة .

أى : قال المؤمنون فى ردهم على هؤلاء المنافقين : ارجعوا وراءكم حيث الموقف الذى كنا واقفين فيه فالتمسوا منه النور ، أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نوراً ، عن طريق تحصيل سببه وهو الإيمان ، أو ارجعوا خائبين فلا نور لكم عندنا .

وهذا القول من المؤمنين لهم ، على سبيل التهكم بهم ، إذا لا نور وراء المنافقين .

وقوله : { وَرَآءَكُمْ } تأكيد لمعنى { ارجعوا } إذ الرجوع يستلزم الوراء .

ثم بين - سبحانه - ما حدث للمنافقين بعد ذلك فقال : { فالتمسوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرحمة وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العذاب } .

أى : فضرب بين المؤمنين وبين المنافقين يحاجز عظيم ، هذا الحاجز العظيم ، والسور الكبير { لَّهُ بَابٌ } باطن هذا الباب مما يلى المؤمنين { فِيهِ الرحمة } أى : فيه الجنة ، وظاهر هذا الباب مما يلى المنافقين { مِن قِبَلِهِ العذاب } .

أى : بأنى من جهته العذاب . قالوا : وهذا السور ، هو الحجاب المذكور فى سورة الأعراف فى قوله - تعالى - : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعراف رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ } والمقصود بهذه الآية الكريمة ، بيان أن المؤمنين فى مكان آمن تحيط به الجنة ، أما المنافقون ففى مكان مظلم يؤدى بهم إلى النار وبئس القرار .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

ولكن المشهد لا ينتهي عند هذا المنظر الطريف اللطيف . . إن هناك المنافقين والمنافقات ، في حيرة وضلال ، وفي مهانة وإهمال . وهم يتعلقون بأذيال المؤمنين والمؤمنات : ( يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا : انظرونا نقتبس من نوركم ) . . فحيثما تتوجه أنظار المؤمنين والمؤمنات يشع ذلك النور اللطيف الشفيف . ولكن أنى للمنافقين أن يقتبسوا من هذا النور وقد عاشوا حياتهم كلها في الظلام ? إن صوتا مجهلا يناديهم : ( قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا ) . . ويبدو أنه صوت للتهكم ، والتذكير بما كان منهم في الدنيا من نفاق ودس في الظلام : ارجعوا وراءكم إلى الدنيا . إلى ما كنتم تعملون . ارجعوا فالنور يلتمس من هناك . من العمل في الدنيا . ارجعوا فليس اليوم يلتمس النور !

" وعلى الفور يفصل بين المؤمنين والمؤمنات والمنافقين والمنافقات . فهذا يوم الفصل إن كانوا في الدنيا مختلطين في الجماعة : ( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ) . . ويبدو أنه سور يمنع الرؤية ولكنه لا يمنع الصوت .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

وقوله : { يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال المزعجة ، والزلازل العظيمة ، والأمور الفظيعة{[28254]} وإنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله ، وعمل بما أمر الله ، به وترك ما عنه زجر .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبدة بن سليمان ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا صفوان بن عمرو ، حدثني سليم بن عامر قال : خرجنا على جنازة في باب دمشق ، ومعنا أبو أمامة الباهلي ، فلما صلى على الجنازة وأخذوا في دفنها ، قال أبو أمامة : أيها الناس ، إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات ، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر ، وهو هذا - يشير إلى القبر - بيت الوحدة ، وبيت الظلمة ، وبيت الدود ، وبيت الضيق ، إلا ما وسع الله ، تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة ، فإنكم في بعض تلك المواطن [ حتى ]{[28255]} يغشى الناس أمر من الله ، فتبيض وجوه وتسود وجوه ، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فتغشى الناس ظلمة شديدة ، ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورًا ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئًا ، وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه ، قال { أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ } إلى قوله : { فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } [ النور : 40 ] ، فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى بنور{[28256]} البصير ، ويقول المنافقون للذين آمنوا : { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا } وهي خدعة الله التي خدع بها المنافقين{[28257]} حيث قال : { يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ } [ النساء : 142 ] . فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور ، فلا يجدون شيئًا فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم بسور له باب ، { بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } الآية . يقول سليم بن عامر : فما يزال المنافق مغترًا حتى يقسم النور ، ويميز الله بين والمؤمن المنافق .

ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا ابن حيوة ، حدثنا أرطأة بن المنذر ، حدثنا يوسف بن الحجاج ، عن أبي أمامة قال : تُبْعَثُ ظلمة يوم القيامة ، فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه ، حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم ، فيتبعهم المنافقون فيقولون : { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } .

وقال العَوْفي ، والضحاك ، وغيرهما ، عن ابن عباس : بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نورًا فلما رأي المؤمنون النور توجهوا نحوه ، وكان النور{[28258]} دليلا من الله إلى الجنة ، فلما رأي المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم ، فأظلم الله على المنافقين ، فقالوا حينئذ : { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } فإنا كنا معكم في الدنيا . قال المؤمنون : { ارْجِعُوا } من حيث جئتم من الظلمة ، فالتمسوا هنالك النور .

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا الحسن بن علوية القطان ، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار ، حدثنا إسحاق بن بشر أبو{[28259]} حذيفة ، حدثنا ابن جريج ، عن ابن أبي مُلَيْكة ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترًا منه على عباده ، وأما عند الصراط فإن الله يعطي كل مؤمن نورًا ، وكل منافق نورًا ، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات فقال المنافقون : { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } وقال المؤمنون : { رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا } [ التحريم : 8 ] . فلا يذكر عند ذلك أحد أحدًا " {[28260]} وقوله : { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } قال الحسن ، وقتادة : هو حائط بين الجنة النار .

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هو الذي قال الله تعالى : { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } [ الأعراف : 46 ] . وهكذا روي عن مجاهد ، رحمه الله ، وغير واحد ، وهو الصحيح .

{ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ } أي : الجنة وما فيها { وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } أي : النار . قاله قتادة ، وبن زيد ، وغيرهما .

قال ابن جرير : وقد قيل : إن ذلك السور سورُ بيت المقدس عند وادي جهنم . ثم قال : حدثنا ابن البرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن سعيد بن عطية بن قيس ، عن أبي العوام - مؤذن بيت المقدس - قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : إن السور الذي ذكر{[28261]} الله في القرآن : { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ } هو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه ، وظاهره وادي جهنم .

ثم روي عن عبادة بن الصامت ، وكعب الأحبار ، وعلي بن الحسين زين العابدين ، نحو ذلك . وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالا لذلك ، لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين ونفس المسجد وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم ؛ فإن الجنة في السموات في أعلى عليين ، والنار في الدركات أسفل سافلين . وقول كعب الأحبار : إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد ، فهذا من إسرائيلياته وتُرّهاته . وإنما المراد بذلك : سورٌ يُضْرَب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين ، فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه ، فإذا استكملوا دُخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب ، كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة .


[28254]:- (5) في أ: "العظيمة".
[28255]:- (6) في هـ: "يوم"، والمثبت من م، أ.
[28256]:- (7) في م: "ببصر".
[28257]:- (1) في م: "المنافقون" وهو خطأ.
[28258]:- (2) في م، أ: "النور لهم".
[28259]:- (3) في م، أ، هـ: "ابن"، والصواب ما أثبتناه من المعجم الكبير.
[28260]:- (4) المعجم الكبير (11/122) وقال الهيثمي في المجمع (10/395): "فيه إسحاق بن بشر وهو متروك".
[28261]:- (1) في م: "ذكره".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

يوم يقول المنافقون والمنافقات بدل من يوم ترى للذين آمنوا انظرونا انتظرونا فإنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبرق الخاطف أو انظروا إلينا فإنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم فيستضيئون بنور بين أيديهم وقرأ حمزة أنظرونا على أن اتئادهم ليلحقوا بهم إمهال لهم نقتبس من نوركم نصب منه قيل ارجعوا وراءكم إلى الدنيا فالتمسوا نورا بتحصيل المعارف الإلهية والأخلاق الفاضلة فإنه يتولد منها أو إلى الموقف فإنه من ثمة يقتبس أو إلى حيث شئتم فاطلبوا نورا آخر فإنه لا سبيل لكم إلى هذا وهو تهكم بهم وتخييب من المؤمنين أو الملائكة فضرب بينهم بين المؤمنين والمنافقين بسور بحائط له باب يدخل منه المؤمنون باطنه باطن السور أو الباب فيه الرحمة لأنه يلي الجنة وظاهره من قبله العذاب من جهته لأنه يلي النار .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ} (13)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا} وهم على الصراط {انظرونا} يعني ارقبونا {نقتبس من نوركم} فنمضي معكم {قيل} يعني قالت الملائكة: {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} من حيث جئتم فالتمسوا نورا من الظلمة، فرجعوا فلم يجدوا شيئا {فضرب} الله {بينهم} يعني بين أصحاب الأعراف وبين المنافقين {بسور له باب} يعني بالسور حائط بين أهل الجنة، وبين أهل النار {باطنه} يعني باطن السور {فيه الرحمة} وهو مما يلي الجنة {وظاهره} من قبل النار، وهو الحجاب ضرب بين أهل الجنة والنار، وهو السور، والأعراف ما ارتفع من السور، {الرحمة} يعني الجنة، {وظاهره من قبله العذاب}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: هو الفوز العظيم في يوم يقول المنافقون والمنافقات، واليوم من صلة الفوز للذين آمنوا بالله ورسله: انظرونا.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله:"انْظُرُونا"؛ فقرأت ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض أهل الكوفة انْظُرُونا موصولة بمعنى: انتظرونا، وقرأته عامة قرّاء الكوفة «أنْظُرُونا» مقطوعة الألف من أنظرت بمعنى: أخرونا، وذكر الفرّاء أن العرب تقول: أنظرني وهم يريدون: انتظرني قليلاً... والصواب من القراءة في ذلك عندي الوصل، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب إذا أريد به انتظرنا، وليس للتأخير في هذا الموضع معنى، فيقال: أنظرونا، بفتح الألف وهمزها.

وقوله: "نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُم" يقول: نستصبح من نوركم، والقبس: الشعلة.

وقوله: "قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فالْتَمِسُوا نُورا" يقول جلّ ثناؤه: فيجابون بأن يقال لهم: ارجعوا من حيث جئتم، واطلبوا لأنفسكم هنالك نورا، فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا...

وقوله: "فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ" يقول تعالى ذكره: فضرب الله بين المؤمنين والمنافقين بسُور، وهو حاجز بين أهل الجنة وأهل النار...

وقوله: "لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرّحْمَةُ" يقول تعالى ذكره: لذلك السور باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبل ذلك الظاهر العذاب: يعني النار...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... ثم الآية دلت على أن أهل النفاق يكونون ببعد من المؤمنين، ولا ينتفعون بنور المؤمنين. ولكن يرون ذلك اليوم من بعد فيقولون: {انظرونا نقتبس من نوركم} ولو كانوا بقرب منهم، أو ينتفعون بنورهم لكانوا لا يطلبون منهم الانتظار لهم والاقتباس من نورهم، والله أعلم. وقوله تعالى: {قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} من الناس من يقول: إن هذا هو الاستهزاء الذي ذكر في آية أخرى أنه يستهزئ بهم حين قال: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15] بقوله: {ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} هو ذلك الاستهزاء. وجائز أن يكون قوله: {ارجعوا وراءكم} ليس على الأمر بالرجوع إلى وراء والتماس النور، ولكن على التوبيخ والتعبير، أي النور إنما يطلب من وراء هذا اليوم، أي من قبل هذا اليوم لا يطلب فيه...

جائز أن يكون السور الذي ذكر الذي ضرب بينهم ما ذكر في سورة الأعراف حين قال: {وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال} [الآية: 46] السور هو الأعراف الذي ذكر أنه يكون حجابا بين أهل النار وأهل الجنة. يرفع ذلك السور بينهم لئلا ينتفعوا بنور المؤمنين...

جائز أن يكون قوله: {له باب} ليس على حقيقة الباب [ولكن] كناية عن الطريق والسبيل؛ يقول: هو طريق وسبيل من يأخذ ذلك السبيل أفضاه إلى الرحمة. ومن سلك ظاهره أفضاه إلى العذاب. وجائز أن يفتح من النار إلى الجنة باب، فيرون ما حل بهم من العذاب، ويرى أهل النار أهل الجنة على ما هم عليه من النعيم ليزدادوا حسرة وندامة، أو يكون اطلاعا لا من باب ولكن من السور والأعراف الذي ذكر...

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{قِيلَ ارْجِعُوا وَرَآءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُوراً}: ارجعو فاعملوا عملاً يجعل الله بين أيديكم نوراً.

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

يدل على أن الأنوار لابد وأن تتزود أصلها في الدنيا ثم يزداد في الآخرة إشراقا فأما أن يتجدد نور فلا. (نفسه: 4/342)...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

... والمراد من ضرب السور، هو امتناع العود إلى الدنيا... {ارجعوا} منع المنافقين عن الاستضاءة، كقول الرجل لمن يريد القرب منه: وراءك أوسع لك، فعلى هذا القول المقصود من قوله: {ارجعوا} أن يقطعوا بأنه لا سبيل لهم إلى وجدان هذا المطلوب البتة، لا أنه أمر لهم بالرجوع.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{يوم} أي يوم القيامة يوم يرى المؤمنون نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يوصلهم إلى الجنة، في نفس هذا اليوم {يقولُ المُنافقُون والمنافقاتُ للذين آمنُوا انظرونا..} [الحديد] أي: انتظرونا {نَقْتَبِس من نُوركِم..} نأخذ منه قبساً نستضيء به ونهتدي به، فيُقال لهم: (ارجعُوا وَرَاءكُم فالتَمِسُوا نُوراً..}

أي: عودوا إلى الدنيا فاطلبوا النور الذي يهديكم الآن، لأن النور الذي نهتدي به الآن قدّمناه عملاً صالحاً في الدنيا يوم آمنّا بالله ورسوله وأطعنا، والآن نجني ثمرة ما قدّمناه، وعليكم أن تستأنفوا حياة جديدة حيث التكليف والعمل، فاليوم جزاء لا عمل.

وتأمل هنا عظمة الأداء القرآني: فالحوار يدور بين المؤمنين والمنافقين، ومع ذلك بنى الفعل (قيل) للمجهول ولم يقل قال المؤمنون للمنافقين حتى لا يكون في الموقف شماتة، ولا يريد أنْ يُوقف المؤمنين هذا الموقف، فكأن الصوت جاءهم من جهة لا يعرفونها.

وقوله تعالى: {فضُربَ بينَهُم..} بين المؤمنين والمنافقين {بسُورٍ لّهُ بابٌ..} وهكذا أنهى الحق سبحانه هذا الحوار وحجز المؤمنين عن المنافقين بسور له باب حتى لا يروْهم ولا يسمعوهم، لأن المؤمن بطبعه رقيق القلب.

فربّه عز وجل يحمي سمعه ويحمي بصره أنْ يتأذّى بما يعانيه المنافقون في جهنم والعياذ بالله {بسُورٍ لهُ بابٌ باطنُهُ فيه الرّحمَةُ..} من ناحية المؤمنين {وظاهرُهُ من قبله العذابُ} من ناحية المنافقين.