225- عفا الله عنكم في بعض الأيمان ، فما جرى على الألسنة من صور الأيمان ولم يصحبه قصد ولا عقد قلب ، أو كان يحلف على شيء يعتقده حصل وهو لم يحصل فإن الله لا يؤاخذ عليه ، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم من عزم على إيقاع فعل أو عدم إيقاعه . وعلى الكذب في القول مع التوثيق باليمين ، فالله غفور لمن يتوب ، حليم يعفو عما لا يكتسبه القلب .
قوله تعالى : { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } . اللغو كل مطرح من الكلام لا يعتد به ، واختلف أهل العلم في اللغو في اليمين المذكورة في الآية فقال قوم : هو ما يسبق إلى اللسان على عجلة لصلة الكلام ، من غير عقد وقصد ، كقول القائل : لا والله وبلى والله وكلا والله . أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الكسائي ، أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أنا الربيع أنا الشافعي أنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت : لغو اليمين قول الإنسان ، لا والله وبلى والله ، ورفعه بعضهم وإلى هذا ذهب الشعبي وعكرمة وبه قال الشافعي .
ويروى عن عائشة : أيمان اللغو ما كانت في الهزل والمراء والخصومة ، والحديث الذي لا يعقد عليه القلب ، وقال قوم : هو أن يحلف على شيء يرى أنه صادق فيه ثم يتبين له خلاف ذلك ، وهو قول الحسن ، والزهري وإبراهيم النخعي وقتادة ومكحول ، وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه ، وقالوا : لا كفارة فيه ولا إثم ، وقال علي : هو اليمين على الغضب ، وبه قال طاووس وقال سعيد بن جبير : هو اليمين في المعصية لا يؤاخذه الله بالحنث فيها ، بل يحنث ويكفر . وقال مسروق : ليس عليه كفارة ، أيكفر خطوات الشيطان ؟ وقال الشعبي في الرجل يحلف على المعصية ، كفارته أن يتوب منها ، وكل يمين لا يحل لك أن تفي بها فليس فيها كفارة ولو أمرته بالكفارة لأمرته أن يتم ويستمر على قوله . وقال زيد بن أسلم : هو دعاء الرجل على نفسه تقول لإنسان أعمى الله بصري أن أفعل كذا ، فهذا كله لغو لا يؤاخذه الله به ولو آخذهم به لعجل لهم العقوبة ( ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم ) ، وقال ( ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير ) .
قوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } . أي عزمتم وقصدتم إلى اليمين ، وكسب القلب العقد والنية .
قوله تعالى : { والله غفور رحيم } . واعلم أن اليمين لا تنعقد إلا بالله أو باسم من أسمائه ، أو بصفة من صفاته : فاليمين بالله أن يقول : والذي أعبده ، والذي أصلي له ، والذي نفسي بيده ، ونحو ذلك ، واليمين بأسمائه كقوله : والله والرحمن ونحوه ، واليمين بصفاته كقوله : وعزة الله وعظمة الله وجلال الله وقدرة الله ونحوها ، فإذا حلف بشيء منها على أمر في المستقبل فحنث يجب عليه الكفارة ، وإذا حلف على أمر ماض أنه كان ولم يكن ، أو على أنه لم يكن وقد كان ، إن كان عالماً به حالة ما حلف فهو اليمين الغموس ، وهو من الكبائر ، ويجب فيه الكفارة عند بعض أهل العلم ، عالماً كان أو جاهلاً ، وبه قال الشافعي ، ولا تجب عند بعضهم وهو قول أصحاب الرأي وقالوا إن كان عالماً فهو كبيرة ولا كفارة لها كما في سائر الكبائر ، وإن كان جاهلاً فهو يمين اللغو عندهم ، ومن حلف بغير الله مثلا ، مثل أن قال : والكعبة وبيت الله ونبي الله ، أو حلف بابيه ونحو ذلك ، فلا يكون يميناً ، فلا يجب عليه الكفارة إذا حلف ، وهي يمين مكروهة ، قال الشافعي : وأخشى أن يكون معصية .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحق الهاشمي ، أنا أبو مصعب ، عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب وهو يحلف بأبيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت " .
ثم قال تعالى : { لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
أي : لا يؤاخذكم بما يجري على ألسنتكم من الأيمان اللاغية ، التي يتكلم بها العبد ، من غير قصد منه ولا كسب قلب ، ولكنها جرت على لسانه كقول الرجل في عرض كلامه : " لا والله " و " بلى والله " وكحلفه على أمر ماض ، يظن صدق نفسه ، وإنما المؤاخذة على ما قصده القلب .
وفي هذا دليل على اعتبار المقاصد في الأقوال ، كما هي معتبرة في الأفعال .
{ والله غفور } لمن تاب إليه ، { حليم } بمن عصاه ، حيث لم يعاجله بالعقوبة ، بل حلم عنه وستر ، وصفح مع قدرته عليه ، وكونه بين يديه .
وقوله - تعالى - : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ } استئناف بياني ، لأن الآية السابقة لما أفادت النهي عن التسرع في الحلف ، أو عن اتخاذ الأيمان حاجزاً عن عمل الخير ، كانت نفوس السامعين مشوقة إلى حكم اليمين التي تجري على الألسنة بدون قصد .
والمؤاخذة : مفاعلة من الأخذ بمعنى المحاسبة أو المعاقبة أو الإِلزام بالوفاء بها .
واللغو من الكلام : الساقط الذي لا يعتد به ولا يصدر عن فكر وروية مصدر لغا يلغو ويلغى .
والمعنى : لا يعاقبكم الله - تعالى - ولا يلزمكم بكفارة ما صدر عنكم من الإِيمان اللاغية فضلا منه - سبحانه - كرماً .
واليمين اللغو هو التي لا يقصدها الحالف ، بل تجري على لسانه عادة من غير قصد ، وقد ذكر العلماء صوراً لها منها - كما يقول ابن كثير :
ما رواه عطاء عن عائشة أنها قالت : " اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته كلا والله بلى والله " وفي رواية عن الزهري عن عروة عنها أنها قالت : " اللغو في اليمين هو ما يكون بين القوم يتدارءون في الأمر - أي يتناقشون ويتذاركون فيه - فيقول هذا لا والله وبلى والله وكلا والله لا تعقد عليه قلوبهم " أي تجري على ألسنتهم ألفاظ اليمين ولكن بدون قصد يمين : -
ومنها ما جاء عن عروة عنها أنها كانت تتأول هذه الآية يعني قوله - تعالى - : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ } وتقول : هو الشيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه " .
ثم بين - سبحانه - اليمين التي هي موضع المحاسبة والمعاقبة فقال : { ولكن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } .
أي : لا يؤاخذكم الله في اليمين التي لم تصدر عن روية ولكن يؤاخذكم أي يعاقبكم في الآخرة بما قصدته قلوبكم وتعمدتم فيه الكذب في اليمين ، بأن يحلف أحدكم على شيء كذب ليعتقد السامع صدقه ، وتلك هي اليمين الغموس - أي التي تغمس صاحبها في النار - ويدخل فيها الإِيمان التي يحلفها شهود الزور والكاذبون عند التقاضي ومن يشابههم في تعمد الكذب .
ويرى جمهور العلماء أن هذه اليمين لا كفارة فيها وإنما كفارتها التوبة الصادقة ورد الحقوق إلى أصحابها إن ترتب على اليمين الكاذبة ضياع حق أو حكم بباطل .
ويرى الإِمام الشافعي أنه يجب فيها فوق ذلك الكفارة .
والباء في قوله : { بِمَا } للسببية ، وما مصدرية أي ، لا يؤاخذكم باللغو ولكن يؤاخذكم بالكسب ، أو موصولة والعائد محذوف أي ولكن يؤاخذكم بالذي كسبته قلوبكم .
وقوله : { والله غَفُورٌ حَلِيمٌ } تذييل لتأكيد معنى عدم المؤاخذة في اللغو . أي والله غفور حيث لم يؤاخذكم باللغو حليم حيث لم يعاجل المخطئين بالعقوبة .
على أن الله كان أرأف بالناس ، فلم يجعل الكفارة إلا في اليمين المعقودة ، التي يقصد إليها الحالف قصدا ، وينوي ما وراءها مما حلف عليه . فأما ما جرى به اللسان عفوا ولغوا من غير قصد ، فقد أعفاهم منه ولم يوجب فيه الكفارة :
( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم . والله غفور حليم ) . . وقد روى أبو داود - بإسناده - عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله [ ص ] قال : " اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته : كلا والله . وبلى والله " . . ورواه ابن جرير عن طريق عروة موقوفا على عائشة : " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم . . لا والله وبلى والله " . . وفي حديث مرسل - عن الحسن بن أبي الحسن - قال : مر رسول الله [ ص ] بقوم ينتضلون - يعني يرمون - ومع رسول الله [ ص ]رجل من أصحابه . فقام رجل من القوم فقال : أصبت والله ، وأخطأت والله . فقال الذي مع النبي [ ص ] للنبي [ ص ] حنث الرجل يا رسول الله . قال : " كلا . إيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة " . .
وورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان . . كما روي عنه : لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله ، فذلك ليس عليكم فيه كفارة . .
وعن سعيد بن المسيب أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث . فسأل أحدهما صاحبه القسمة . فقال : إن عدت تسألني عن القسمة فكل ما لي في رتاج الكعبة ! فقال له عمر : إن الكعبة غنية عن مالك ! كفر عن يمينك وكلم أخاك . سمعت رسول الله [ ص ] يقول : " لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب عز وجل ، ولا في قطيعة الرحم ، ولا فيما لا تملك " . .
والذي يخلص من هذه الآثار أن اليمين التي لا تنعقد النية على ما وراءها ، إنما يلغو بها اللسان ، لا كفارة فيها . وإن اليمين التي ينوي الحالف الأخذ أو الترك لما حلف عليه هي التي تنعقد . وهي التي تستوجب الكفارة عند الحنث بها . وإنه يجب الحنث بها إن كان مؤداها الامتناع عن فعل خير أو الإقدام على فعل شر . فأما إذا حلف الإنسان على شيء وهو يعلم أنه كاذب ، فبعض الآراء أنه لا تقوم لها كفارة أي لا يكفر عنها شيء . قال الإمام مالك في الموطأ : أحسن ما سمعت في ذلك أن اللغو حلف الإنسان على الشيء يستيقن أنه كذلك ثم يوجد بخلافه فلا كفارة فيه . والذي يحلف على الشيء وهو يعلم أنه فيه آثم كاذب ليرضي به أحدا ، ويقتطع به مالا ، فهذا أعظم من أن تكون له كفارة .
ويعقب السياق على حكم العدول عن اليمين إلى ما فيه البر والخير بقوله : ( والله سميع عليم ) . . ليوحي إلى القلب بأن الله - سبحانه - يسمع ما يقال ويعلم أين هو الخير . ومن ثم يحكم هذا الحكم .
ويعقب على حكم يمين اللغو واليمين المعقودة التي ينويها القلب بقوله : ( والله غفور حليم ) . . ليلوح للقلب بحلم الله عن مؤاخذة العباد بكل ما يفلت من ألسنتهم ، ومغفرته كذلك - بعد التوبة - لما تأثم به قلوبهم .
بهذا وذلك يربط الأمر بالله ، ويعلق القلوب بالاتجاه إليه في كل ما تكسب وكل ما تقول .
{ لاّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِالّلغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلََكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : لا يُؤَاخُذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمْ وفي معنى اللغو . فقال بعضهم في معناه : لا يؤاخذكم الله بما سبقتكم به ألسنتكم من الأيمان على عجلة وسرعة ، فيوجب عليكم به كفارة إذا لم تقصدوا الحلف واليمين ، وذلك كقول القائل : فعل هذا والله ، أو أفعله والله ، أو لا أفعله والله ، على سبوق المتكلم بذلك لسانه بما وصل به كلامه من اليمين . ذكر من قال ذلك :
حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد ، قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن عكرمة عن ابن عباس : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هي بلى والله ، ولا والله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن القاسم ، عن عائشة في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قالت : لا والله ، وبلى والله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء ، عن عائشة نحوه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : سألت عائشة عن لغو اليمين ، قالت : هو لا والله ، وبلى والله ، ما يتراجع به الناس .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع وعبدة وأبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة في قول الله لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قالت : لا والله ، وبلى والله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قالت : لا والله ، وبلى الله ، يصل بها كلامه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن عبد الملك ، عن عطاء قال : دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة فقال لها : يا أمّ المؤمنين قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قالت : هو لا والله ، وبلى والله ، ليس مما عقدتم الأيمان .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا ابن أبي ليلى ، عن عطاء ، قال : أتيت عائشة مع عبيد بن عمير ، فسألها عبيد عن قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ فقالت عائشة : هو قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، ما لم يعقد عليه قلبه .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية قال : أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، قال : انطلقت مع عبيد بن عمير إلى عائشة وهي مجاورة في ثبير ، فسألها عبيد عن لغو اليمين ، فقالت : لا والله ، وبلى والله .
حدثنا محمد بن موسى الحرسي ، قال : حدثنا حسان بن إبراهيم الكرماني ، قال : حدثنا إبراهيم الصائغ ، عن عطاء في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : قالت عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هُوَ قَوْلُ الرّجُلِ فِي بَيْتِهِ كَلاّ وَاللّهِ وَبَلى وَاللّهِ » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قالت : هم القوم يتدارءون في الأمر ، فيقول هذا : لا والله ، وبلى والله ، وكلا والله ، يتدارءون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، يصل به كلامه ليس فيه كفارة .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا المغيرة ، عن الشعبي ، قال : هو الرجل يقول : لا والله ، وبلى والله ، يصل حديثه .
حدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا ابن عون ، قال : سألت عامرا عن قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو لا والله ، وبلى والله .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي جميعا ، عن ابن عون ، عن الشعبي مثله .
حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أيوب ، قال : قال أبو قلابة في «لا والله وبلى والله » : أرجو أن يكون لغة .
وقال يعقوب في حديثه : أرجو أن يكون لغوا . وقال ابن وكيع في حديثه : أرجو أن يكون لغة ، ولم يشك .
حدثنا أبو كريب وابن وكيع وهناد ، قالوا : حدثنا وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، قال : لا والله ، وبلى والله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن مالك ، عن عطاء ، قال : سمعت عائشة تقول في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قالت : لا والله ، وبلى والله .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، عن مالك بن مغول ، عن عطاء ، مثله .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو قول الناس : لا والله وبلى والله .
حدثنا سفيان بن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن الشعبي وعكرمة قالا : لا والله ، وبلى والله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة عن عمرو ، عن عطاء ، قال : دخلت مع عبيد بن عمير على عائشة ، فسألها ، فقالت : لا والله ، وبلى والله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص ، عن ابن أبي ليلى وأشعث ، عن عطاء ، عن عائشة : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قالت : لا والله ، وبلى والله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي وجرير ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : لا والله ، وبلى والله .
حدثنا ابن وكيع وهناد ، قالا : حدثنا يعلى ، عن عبد الملك ، عن عطاء ، قال : قالت عائشة في قول الله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قالت : هو قولك : لا والله ، وبلى والله ، ليس لها عقد الأيمان .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن مغيرة ، عن الشعبيّ قال : اللغو : قول الرجل : لا والله ، وبلى والله ، يصل به كلامه ما لم يشكّ شيئا يعقد عليه قلبه .
حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني عمرو أن سعيد بن أبي هلال حدثه أنه سمع عطاء بن أبي رباح يقول : سمعت عائشة تقول : لغو اليمين قول الرجل : لا والله ، وبلى والله فيما لم يعقد عليه قلبه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال عمرو : وحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي ، عن عطاء ، عن عائشة ، بذلك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مجاهد في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : الرجلان يتبايعان ، فيقول أحدهما : والله لا أبيعك بكذا وكذا ، ويقول الاَخر : والله لا أشتريه بكذا وكذا فهذا اللغو لا يؤاخذ به .
وقال آخرون : بل اللغو في اليمين : اليمين التي يحلف بها الحالف وهو يرى أنه كما يحلف عليه ثم يتبين غير ذلك وأنه بخلاف الذي حلف عليه . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرني ابن نافع ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس ، عن أبي هريرة أنه كان يقول : لغو اليمين : حلف الإنسان على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه ، فإذا هو غير ذلك .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ واللغو : أن يحلف الرجل على الشيء يراه حقا وليس بحق .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح : قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ هذا في الرجل يحلف على أمر إضرار أن يفعله فلا يفعله ، فيرى الذي هو خير منه ، فأمره الله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير . ومن اللغو أيضا : أن يحلف الرجل على أمر لا يألو فيه الصدق وقد أخطأ في يمينه ، فهذا الذي عليه الكفارة ولا إثم عليه .
حدثنا ابن بشار وابن المثنى ، قالا : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا هشام ، عن قتادة ، عن سليمان بن يسار في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : خطأ غير عمد .
حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن الحسن في هذه الآية : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو أن تحلف على الشيء وأنت يخيل إليك أنه كما حلفت وليس كذلك فلا يؤاخذه الله ولا كفارة ، ولكن المؤاخذة والكفارة فيما حلف عليه على علم .
حدثنا هناد وابن وكيع ، قالا : حدثنا وكيع ، عن الفضل بن دلهم ، عن الحسن ، قال : هو الرجل يحلف على اليمين لا يرى إلا أنه كما حلف .
حدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن الحسن : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو الرجل يحلف على اليمين يرى أنها كذلك ، وليست كذلك .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا عبدة ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو الرجل يحلف على الشيء ، وهو يرى أنه كذلك ، فلا يكون كما قال فلا كفارة عليه .
حدثنا هناد وأبو كريب وابن وكيع ، قالوا : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو الرجل يحلف على اليمين لا يرى إلا أنها كما حلف عليه ، وليست كذلك .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح في قول الله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : من حلف بالله ولا يعلم إلا أنه صادق فيما حلف .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ حلف الرجل على الشيء وهو لا يعلم إلا أنه على ما حلف عليه فلا يكون كما حلف ، كقوله : إن هذا البيت لفلان وليس له ، وإن هذا الثوب لفلان وليس له .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو الرجل يحلف على الشيء يرى أنه فيه صادق .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو الرجل يحلف على الأمر يرى أنه كما حلف عليه فلا يكون كذلك ، قال : فلا يؤاخذ بذلك . قال : وكان يحبّ أن يكفر .
حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا الجعفي ، عن زائدة ، عن منصور ، قال : قال إبراهيم : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : أن يحلف على الشيء وهو يرى أنه صادق وهو كاذب ، فذلك اللغو لا يؤاخذ به .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن إبراهيم نحوه ، إلا أنه قال : إن حلفت على الشيء وأنت ترى أنك صادق وليس كذلك .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك أنه قال : اللغو : الرجل يحلف على الأيمان ، وهو يرى أنه كما حلف .
حدثني إسحاق بن حبيب بن الشهيد ، قال : حدثنا عتاب بن بشير ، عن خصيف ، عن زياد ، قال : هو الذي يحلف على اليمين يرى أنه فيها صادق .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، قال : حدثنا بكير بن أبي السميط ، عن قتادة في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو الخطأ غير العمد ، الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك وليس كذلك .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن منصور ويونس ، عن الحسن قال : اللغو : الرجل يحلف على الشيء يرى أنه كذلك فليس عليه فيه كفارة .
حدثنا هناد وابن وكيع قال هناد : حدثنا وكيع وقال ابن وكيع : حدثني أبي ، عن عمران بن حدير قال : سمعت زرارة بن أوفى قال : هو الرجل يحلف على اليمين لا يرى إلا أنها كما حلف .
حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا عمر بن بشير ، قال : سئل عامر عن هذه الآية : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : اللغو : أن يحلف الرجل لا يألو عن الحقّ فيكون غير ذلك ، فذلك اللغو الذي لا يؤاخذ به .
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ فاللغو : اليمين الخطأ غير العمد ، أن تحلف على الشيء وأنت ترى أنه كما حلفت عليه ثم لا يكون كذلك ، فهذا لا كفارة عليه ، ولا مأثم فيه .
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ أما اللغو : فالرجل يحلف على اليمين ، وهو يرى أنها كذلك فلا تكون كذلك ، فليس عليه كفارة .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : اللغو : اليمين الخطأ في غير عمد أن يحلف على الشيء وهو يرى أنه كما حلف عليه ، وهذا ما ليس عليه فيه كفارة .
حدثنا هناد ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن أبي مالك ، قال : أما اليمين التي لا يؤاخذ بها صاحبها فالرجل يحلف على اليمين وهو يرى أنه فيها صادق ، فذلك اللغو .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين عن أبي مالك مثله ، إلا أنه قال : الرجل يحلف على الأمر ، يرى أنه كما حلف عليه فلا يكون كذلك ، فليس عليه فيه كفارة ، وهو اللغو .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني معاوية بن صالح ، عن يحيى بن سعيد ، وعن ابن أبي طلحة كذا قال ابن أبي جعفر قالا : من قال : والله لقد فعلت كذا وكذا وهو يظن أن قد فعله ، ثم تبين أنه لم يفعله ، فهذا لغو اليمين ، وليس عليه فيه كفارة .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن رجل ، عن الحسن في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو الخطأ غير العمد ، كقول الرجل : والله إن هذا لكذا وكذا وهو يرى أنه صادق ولا يكون كذلك . قال معمر : وقاله قتادة أيضا .
حدثني ابن البرقي ، قال : حدثنا عمرو ، قال : سئل سعيد عن اللغو في اليمين ، قال سعيد وقال مكحول : الخطأ غير العمد ، ولكن الكفارة فيما عقدت قلوبكم .
حدثني ابن البرقي ، قال : حدثنا عمرو ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن مكحول أنه قال : اللغو الذي لا يؤاخذ الله به : أن يحلف الرجل على الشيء الذي يظن أنه فيه صادق ، فإذا هو فيه غير ذلك ، فليس عليه فيه كفارة ، وقد عفا الله عنه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : إذا حلف على اليمين وهو يرى أنه فيه صادق وهو كاذب ، فلا يؤاخذ به ، وإذا حلف على اليمين وهو يعلم أنه كاذب ، فذاك الذي يؤاخذ به .
وقال آخرون : بل اللغو من الأيمان التي يحلف بها صاحبها في حال الغضب على غير عقد قلب ولا عزم ، ولكن وُصْلَةً للكلام . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن خالد ، عن عطاء ، عن وسيم ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : لغو اليمين : أن تحلف وأنت غضبان .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا أبو حمزة ، عن عطاء ، عن طاوس ، قال : كل يمين حلف عليها رجل وهو غضبان فلا كفارة عليه فيها ، قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ وعلة من قال هذه المقالة ما :
حدثني به أحمد بن منصور المروزي ، قال : حدثنا عمر بن يونس اليمامي ، قال : حدثنا سليمان بن أبي سليمان الزهري ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لاَ يمِينَ فِي غَضَبٍ » .
وقال آخرون ، بل اللغو في اليمين : الحلف على فعل ما نهى الله عنه ، وترك ما أمر الله بفعله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا هناد ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن داود بن أبي هند ، عن سعيد بن جبير ، قال : هو الذي يحلف على المعصية ، فلا يفي ويكفر يمينه قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ .
حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا داود ، عن سعيد بن جبير ، قال : لغو اليمين أن يحلف الرجل على المعصية لله لا يؤاخذه الله بإيفائها .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن سعيد بن جبير بنحوه ، وزاد فيه : قال : وعليه كفارة .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ويزيد بن هارون ، عن داود ، عن سعيد بنحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الوهاب ، قال : حدثنا داود ، عن سعيد بن جبير : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في هذه الآية : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله بتركها .
حدثنا الحسن بن الصباح البزار ، قال : حدثنا إسحاق ، عن عيسى ابن بنت داود بن أبي هند ، قال : حدثنا خالد بن إلياس ، عن أمّ أبيه : أنها حلفت أن لا تكلم ابنة ابنها ابنة أبي الجهم ، فأتت سعيد بن المسيب وأبا بكر وعروة بن الزبير ، فقالوا : لا يمين في معصية ، ولا كفارة عليها .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله بتركها إن تركها . قلت : فكيف يصنع ؟ قال : يكفر عن يمينه ويترك المعصية .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو الرجل يحلف على الحرام ، فلا يؤاخذه الله بتركه .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا داود ، عن سعيد بن جبير ، قال في لغو اليمين ، قال : هي اليمين في المعصية ، قال : أو لا تقرأ فتفهم ؟ قال الله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِمَا عَقّدْتُمْ الأيمَانَ قال : فلا يؤاخذه بالإيفاء ، ولكن يؤاخذه بالتمام عليها ، قال : وقال لاَ تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لأيمَانِكُمْ . . . إلى قوله : وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : الرجل يحلف على المعصية فلا يؤاخذه الله بتركها ويُكَفّر .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم ، عن الشعبي ، عن مسروق في الرجل يحلف على المعصية ، فقال : أيكفر خطوات الشيطان ؟ ليس عليه كفارة .
حدثني ابن المثنى ، قال : حدثنا وهب بن جرير ، قال : حدثنا شعبة ، عن عاصم ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، مثل ذلك .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن الشعبي في الرجل يحلف على المعصية قال : كفارتها أن يتوب منها .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن الشعبي أنه كان يقول : يترك المعصية ولا يكفر ، ولو أمرته بالكفارة لأمرته أن يتمّ على قوله .
حدثنا يحيى بن داود الواسطي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن مجالد ، عن عامر ، عن مسروق قال : كل يمين لا يحلّ لك أن تفي بها فليس فيها كفارة .
وعلة من قال هذا القول من الأثر ما :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن الوليد بن كثير ، قال : ثني عبد الرحمن بن الحرث ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ نَذَرَ فِيما لا يَمْلِكُ فَلا نَذْرَ لَهُ ، وَمَنْ حَلَفَ على مَعْصِيَةٍ اللّهِ فَلاَ يَمِينَ لَهُ ، وَمَنْ حَلَفَ على قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَلاَ يَمِينَ لَهُ » .
حدثني عليّ بن سعيد الكندي ، قال : حدثنا عليّ بن مسهر ، عن حارثة بن محمد ، عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ حَلَفَ على يَمِينِ قَطِيعَةِ رَحِمٍ أوْ مَعْصِيَةٍ لِلّهِ فَبِرّهُ أنْ يَحْنَثَ بِهَا وَيَرْجِعَ عَنْ يَمِينِهِ » .
وقال آخرون : اللغو من الأيمان : كل يمين وصل الرجل بها كلامه على غير قصد منه إيجابَها على نفسه . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا هشام ، قال : حدثنا حماد ، عن إبراهيم ، قال : لغو اليمين : أن يصل الرجل كلامه بالحلف ، والله ليأكلنّ ، والله ليشربنّ ، ونحو هذا لا يتعمد به اليمين ولا يريد به حلفا ، ليس عليه كفارة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن علية ، عن هشام الدستوائي ، عن حماد ، عن إبراهيم : لغو اليمين : ما يصل به كلامه : والله لتأكلنّ ، والله لتشربن .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحكم ، عن مجاهد : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هما الرجلان يتساومان بالشيء ، فيقول أحدهما : والله لا أشتريه منك بكذا ، ويقول الاَخر : والله لا أبيعك بكذا وكذا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، أن عروة حدثه أن عائشة زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم ، قالت : أيمان اللغو ما كان في الهزل والمراء والخصومة والحديث الذي لا يعتمد عليه القلب .
وعلة من قال هذا القول من الأثر ما :
حدثنا به محمد بن موسى الحرسي ، قال : حدثنا عبيد الله بن ميمون المرادي ، قال : حدثنا عوف الأعرابي ، عن الحسن بن أبي الحسن ، قال : مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون يعني يرمون ومع النبيّ صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه ، فرمى رجل من القوم ، فقال : أصبت والله وأخطأت فقال الذي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم : حنث الرجل يا رسول الله ، قال : «كَلاّ أيمَانُ الرّماةِ لَغْوٌ لا كَفّارَةَ فِيها وَلا عُقُوبَةَ » .
وقال آخرون : اللغو من الأيمان : ما كان من يمين بمعنى الدعاء من الحالف على نفسه إن لم يفعل كذا وكذا ، أو بمعنى الشرك والكفر . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري ، قال : حدثنا إسماعيل بن مرزوق ، عن يحيى بن أيوب ، عن محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم في قول الله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : هو كقول الرجل : أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا ، أخرجني الله من مالي إن لم آتك غدا . فهو هذا ، ولا يترك الله له مالاً ولا ولدا . يقول : لو يؤاخذكم الله بهذا لم يترك لكم شيئا .
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا إسماعيل ، قال : ثني يحيى بن أيوب ، عن عمرو بن الحارث ، عن زيد بن أسلم ، بمثله .
حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا إسماعيل بن مرزوق ، قال : ثني يحيى بن أيوب أن زيد بن أسلم كان يقول في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ مثل قول الرجل : هو كافر وهو مشرك . قال : لا يؤاخذه حتى يكون ذلك من قلبه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : اللغو في هذا : الحلف بالله ما كان بالألسن فجعله لغوا ، وهو أن يقول : هو كافر بالله ، وهو إذن يشرك بالله ، وهو يدعو مع الله إلها . فهذا اللغو الذي قال الله في سورة البقرة .
وقال آخرون : اللغو في الأيمان : ما كانت فيه كفارة . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ فهذا في الرجل يحلف على أمر إضرار أن يفعله فلا يفعله ، فيرى الذي هو خير منه ، فأمره الله أن يكفر يمينه ويأتي الذي هو خير .
حدثني يحيى بن جعفر ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ قال : اليمين المكفرة .
وقال آخرون : اللغو من الأيمان : هو ما حنث فيه الحالف ناسيا . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : أخبرني مغيرة ، عن إبراهيم ، قال : هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينساه يعني في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْو فِي أيمَانِكُمُ .
قال أبو جعفر : واللغو من الكلام في كلام العرب كل كلام كان مذموما وفعلاً لا معنى له مهجورا ، يقال منه : لغا فلان في كلامه يلغو لغوا : إذا قال قبيحا من الكلام ، ومنه قول الله تعالى ذكره : وَإذَا سَمِعُوا اللّغْوَ أعْرَضُوا عَنْهُ وقوله : وَإذَا مَرّوا باللّغْوِ مَرّوا كِرَاما ومسموع من العرب لغيت باسم فلان ، بمعنى أولعت بذكره بالقبيح . فمن قال لغيت ، قال ألْغَى لَغا ، وهي لغة لبعض العرب ، ومنه قول الراجز :
وَرُبّ أسْرابِ حجيجٍ كُظّمِ *** عَنِ اللّغا ورفَثِ التّكلمِ
فإذا كان اللغو ما وصفت ، وكان الحالف بالله ما فعلت كذا وقد فعل ولقد فعلت كذا وما فعل ، واصلاً بذلك كلامه على سبيل سبوق لسانه من غير تعمد إثم في يمينه ، ولكن لعادة قد جرت له عند عجلة الكلام ، والقائل : والله إن هذا لفلان وهو يراه كما قال ، أو والله ما هذا فلان وهو يراه ليس به ، والقائل : ليفعلنّ كذا والله ، أو لا يفعل كذا والله ، على سبيل ما وصفنا من عجلة الكلام ، وسبوق اللسان للعادة ، على غير تعمد حلف على باطل ، والقائل هو مشرك أو هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل كذا ، أو إن فعل كذا من غير عزم على كفر ، أو يهودية أو نصرانية جميعهم قائلون هُجْرا من القول ، وذميما من المنطق ، وحالفون من الأيمان بألسنتهم ما لم تتعمد فيه الإثم قلوبهم . كان معلوما أنهم لغاة في أيمانهم لا تلزمهم كفارة في العاجل ، ولا عقوبة في الاَجل لإخبار الله تعالى ذكره أنه غير مؤاخذ عباده بما لغوا من أيمانهم ، وأن الذي هو مؤاخذهم به ما تعمدت فيه الإثم قلوبهم . وإذ كان ذلك كذلك ، وكان صحيحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «مَنْ حَلَفَ على يمينٍ فرأى غيرَها خيرا مِنْها فَلْيأتِ الّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفّرْ عَنْ يَمِينِهِ » فأوجب الكفارة بإتيان الحالف ما حلف أن لا يأتيه مع وجوب إتيان الذي هو خير من الذي حلف عليه أن لا يأتيه ، وكانت الغرامة في المال أو إلزام الجزاء من المجزيّ أبدال الجازين ، لا شك عقوبة كبعض العقوبات التي جعلها الله تعالى ذكره نكالاً لخلقه فيما تعدّوا من حدوده ، وإن كان يجمع جميعها أنها تمحيص وكفارات لمن عوقب بها فيما عوقبوا عليه كان بينا أن من ألزم الكفارة في عاجل دنياه فيما حلف به من الأيمان فحنث فيه ، وإن كانت كفارة لذنبه فقد واخذه الله بها بإلزامه إياه الكفارة منها ، وإن كان ما عجل من عقوبته إياه على ذلك مسقطا عنه عقوبته في آجله . وإذ كان تعالى ذكره قد واخذه بها ، فغير جائز لقائل أن يقول : وقد واخذه بها هي من اللغو الذي لا يؤاخذ به قائله ، فإذ كان ذلك غير جائز ، فبين فساد القول الذي روي عن سعيد بن جبير أنه قال : اللغو : الحلف على المعصية ، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن على الحالف ، على معصية الله كفارة بحنثه في يمينه ، وفي إيجاب سعيد عليه الكفارة دليل واضح على أن صاحبها بها مؤاخذ لما وصفنا : من أن من لزمه الكفارة في يمينه فليس ممن لم يؤاخذ بها .
فإذا كان اللغو هو ما وصفنا مما أخبرنا الله تعالى ذكره أنه غير مؤاخذنا به ، وكل يمين لزمت صاحبها بحنثه فيها الكفارة في العاجل ، أو أوعد الله تعالى ذكره صاحبها العقوبة عليها في الاَجل ، وإن كان وضع عنه كفارتها في العاجل ، فهي مما كسبته قلوب الحالفين ، وتعمدت فيه الإثم نفوس المقسمين ، وما عدا ذلك فهو اللغو وقد بينا وجوهه .
فتأويل الكلام إذًا : لا تجعلوا الله أيها المؤمنون عرضة لأيمانكم ، وحجة لأنفسكم في أقسامكم في أن لا تبرّوا ، ولا تتقوا ، ولا تصلحوا بين الناس ، فإن الله لا يؤاخذكم بما لغته ألسنتكم من أيمانكم ، فنطقت به من قبيح الأيمان وذميمها ، على غير تعمدكم الإثم وقصدكم بعزائم صدوركم إلى إيجاب عقد الأيمان التي حلفتم بها ، ولكنه إِنما يؤاخذكم بما تعمدتم فيه عقد اليمين وإيجابها على أنفسكم ، وعزمتم على الإتمام على ما حلفتم عليه بقصد منكم وإرادة ، فيلزمكم حينئذ إما كفارة في العاجل ، وإما عقوبة في الاَجل .
القول في تأويل قوله تعالى : وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ .
اختلف أهل التأويل في المعنى الذي أوعد الله تعالى ذكره بقوله : وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ عباده أنه مؤاخذهم به بعد إجماع جميعهم على أن معنى قوله : بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ما تعمدت . فقال بعضهم : المعنى الذي أوعد الله عباده مؤاخذتهم به هو حلف الحالف منهم على كذب وباطل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : إذا حلف الرجل على اليمين وهو يرى أنه صادق وهو كاذب ، فلا يؤاخذ بها ، وإذا حلف وهو يعلم أنه كاذب ، فذاك الذي يؤاخذ به .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا حسين الجعفي عن زائدة ، عن منصور ، قال : قال إبراهيم : وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ قال : أن يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب ، فذاك الذي يؤاخذ به .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو ، عن منصور ، عن إبراهيم : وَلَكِنْ يُؤاخُذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ أن تحلف وأنت كاذب .
3حدثني المثنى ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِمَا عَقّدْتُمْ الأيمَانَ وذلك اليمين الصبر الكاذبة ، يحلف بها الرجل على ظلم أو قطيعة . فتلك لا كفارة لها إلا أن يترك ذلك الظلم ، أو يردّ ذلك المال إلى أهله ، وهو قوله تعالى ذكره : إنّ الّذِين يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وأيمَانِهِمْ ثَمنَا قَلِيلاً إلى قوله : وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ما عقدت عليه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عبد الملك ، عن عطاء قال : لا تؤاخذ حتى تقصد الأمر ثم تحلف عليه بالله الذي لا إله إلا هو فتعقد عليه يمينك .
والواجب على هذا التأويل أن يكون قوله تعالى ذكره : وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلوبُكُمْ في الاَخرة بما شاء من العقوبات ، وأن تكون الكفارة إنما تلزم الحالف في الأيمان التي هي لغو . وكذلك روي عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس أنه كان لا يرى الكفارة إلا في الأيمان التي تكون لغوا . فأما ما كسبته القلوب ، وعقدت فيه على الإثم ، فلم يكن يوجب فيه الكفارة . وقد ذكرنا الرواية عنهم بذلك فيما مضى قبل .
وإذ كان ذلك تأويل الآية عندهم ، فالواجب على مذهبهم أن يكون معنى الآية في سورة المائدة : لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ باللّغْوِ فِي أيمَانِكُمْ فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم ، أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ، ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم ، واحفظوا أيمانكم .
وبنحو ما ذكرناه عن ابن عباس من القول في ذلك كان سعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم وجماعة أخر غيرهم يقولون ، وقد ذكرنا الرواية عنهم بذلك آنفا .
وقال آخرون : المعنى الذي أوعد الله تعالى عباده المؤاخذة به بهذه الآية هو حلف الحالف على باطل يعلمه باطلاً ، وبذلك أوجب الله عندهم الكفارة دون اللغو الذي يحلف به الحالف وهو مخطىء في حلفه يحسب أن الذي حلف عليه كما حلف وليس ذلك كذلك . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ يقول : بما تعمدت قلوبكم ، وما تعمدت فيه المأثم ، فهذا عليك فيه الكفارة .
حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، مثله سواء .
وكأن قائلي هذه المقالة وجهوا تأويل مؤاخذة الله عبده على ما كسبه قلبه من الأيمان الفاجرة ، إلى أنها مؤاخذة منه له بإلزامه الكفارة فيه . وقال بنحو قول قتادة جماعة أخر في إيجاب الكفارة على الحالف اليمين الفاجرة ، منهم عطاء والحكم .
حدثنا أبو كريب ويعقوب ، قالا : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء والحكم أنهما كانا يقولان فيمن حلف كاذبا متعمدا : يكَفّر .
وقال آخرون : بل ذلك معنيان : أحدهما مؤاخذ به العبد في حال الدنيا بإلزام الله إياه الكفارة منه ، والاَخر منهما مؤاخذ به في الاَخرة ، إلا أن يعفو . ذكر من قال ذلك :
3حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وَلَكِنْ يُؤَاخُذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ أما ما كسبت قلوبكم : فما عقدت قلوبكم ، فالرجل يحلف على اليمين يعلم أنها كاذبة إرادة أن يقضي أمره . والأيمان ثلاثة : اللغو ، والعمد ، والغموس ، والرجل يحلف على اليمين وهو يريد أن يفعل ثم يرى خيرا من ذلك ، فهذه اليمين التي قال الله تعالى ذكره : وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقّدْتُمْ الأيمَانَ فهذه لها كفارة .
وكأن قائل هذه المقالة وجه تأويل قوله : وَلَكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ إلى غير ما وجه إليه تأويل قوله : وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقّدْتُمُ الأيمَانَ وجعل قوله : بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبِكُمْ الغموس من الأيمان التي يحلف بها الحالف على علم منه بأنه في حلفه بها مبطل ، وقوله : بِمَا عَقّدْتُمْ الأيمَانَ اليمين التي يستأنف فيها الحنث أو البرّ ، وهو في حال حلفه بها عازم على أن يبرّ فيها .
وقال آخرون : بل ذلك هو اعتقاد الشرك بالله والكفر . ذكر من قال ذلك :
3حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا إسماعيل بن مرزوق ، قال : ثني يحيى بن أيوب ، عن محمد ، يعني ابن عجلان ، أن يزيد بن أسلم كان يقول في قول الله تعالى ذكره : وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم مثل قول الرجل : هو كافر ، هو مشرك ، قال : لا يؤاخذه الله حتى يكون ذلك من قلبه .
3حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : لا يُؤَاخِذُكُمْ اللّهُ باللّغْوِ فِي أيمَانِكُمْ قال : اللغو في هذا : الحلف بالله ما كان بالألسن فجعله لغوا ، وهو أن يقول : هو كافر بالله ، وهو إذًا يشرك بالله ، وهو يدعو مع الله إلها ، فهذا اللغو الذي قال الله تعالى في سورة البقرة : وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم قال : بما كان في قلوبكم صدقا وَاخَذَك به ، فإن لم يكن في قلبك صدقا لم يواخذك به ، وإن أثمت .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أوعد عباده أن يؤاخذهم بما كسبت قلوبهم من الأيمان ، فالذي تكسبه قلوبهم من الأيمان ، هو ما قصدته ، وعزمت عليه على علم ومعرفة منها بما تقصده وتريده ، وذلك يكون منها على وجهين :
أحدهما على وجه العزم على ما يكون به العازم عليه في حال عزمه بالعزم عليه آثما وبفعله مستحقا المؤاخذة من الله عليها ، وذلك كالحالف على الشيء الذي لم يفعله أنه قد فعله ، وعلى الشيء الذي قد فعله أنه لم يفعله ، قاصدا لقيل الكذب ، وذاكرا أنه قد فعل ما حلف عليه أنه لم يفعله ، أو أنه لم يفعل ما حلف عليه أنه قد فعل ، فيكون الحالف بذلك إن كان من أهل الإيمان بالله وبرسوله في مشيئة الله يوم القيامة إن شاء واخذه به في الاَخرة ، وإن شاء عفا عنه بتفضله ، ولا كفارة عليه فيها في العاجل ، لأنها ليست من الإيمان التي يحنث فيها ، وإنما الكفارة تجب في الأيمان بالحنث فيها ، والحالف الكاذب في يمينه ليست يمينه مما يتبدأ فيه الحنث فتلزم فيه الكفارة .
والوجه الاَخر منهما : على وجه العزم عل إيجاب عقد اليمين في حال عزمه على ذلك ، فذلك مما لا يواخذ به صاحبه حتى يحنث فيه بعد حلفه ، فإذا حنث فيه بعد حلفه كان مواخذا بما كان اكتسبه قلبه من الحلف بالله على إثم وكذب في العاجل بالكفارة التي جعلها الله كفارة لذنبه .
القول في تأويل قوله تعالى : وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ .
يعني تعالى ذكره بذلك : والله غفور لعباده فيما لغوا من أيمانهم التي أخبر الله تعالى ذكره أنه لا يؤاخذهم بها ، ولو شاء واخذهم بها ، ولما واخذهم بها فكفروها في عاجل الدنيا بالتكفير فيه ، ولو شاء واخذهم في آجل الاَخرة بالعقوبة عليه ، فساتر عليهم فيها ، وصافح لهم بعفوه عن العقوبة فيها وغير ذلك من ذنوبهم . حليم في تركه معاجلة أهل معصيته العقوبة على معاصيهم .
لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ( 225 )
{ اللغو } سقط الكلام الذي لا حكم له ، ويستعمل في الهجر والرفث وما لا حكم له من الإيمان ، تشبيهاً بالسقط من القول ، يقال منه لغا يلغو لغواً ولغى يلغي لغياً ، ولغة القرآن بالواو( {[2137]} ) ، والمؤاخذة هي التناول بالعقوبة ، واختلف العلماء في اليمين التي هي لغو( {[2138]} ) ، فقال ابن عباس وعائشة وعامر الشعبي وأبو صالح ومجاهد : لغو اليمين قول الرجل في درج كلامه واستعجاله في المحاورة : لا والله ، وبلى والله ، دون قصد لليمين( {[2139]} ) ، وروي أن قوماً تراجعوا القول بينهم وهم يرمون بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فحلف أحدهم : لقد أصبت وأخطأت يا فلان ، فإذا الأمر بخلافه ، فقال رجل : حنث يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أيمان الرماة لغو لا إثم فيها ولا كفارة »( {[2140]} ) ، وقال أبو هريرة وابن عباس أيضاً والحسن ومالك بن أنس وجماعة من العلماء : لغو اليمين ما حلف به الرجل على يقينه فكشف الغيب خلاف ذلك .
قال القاضي أبو محمد : وهذا اليقين هو غلبة ظن أطلق الفقهاء عليه لفظة اليقين تجوزاً ، قال مالك : «مثله أن يرى الرجل على بعد فيعتقد أنه فلان لا يشك ، فيحلف ، ثم يجيء غير المحلوف عليه » ، وقال سعيد بن المسيب وأبو بكر بن عبد الرحمن وعبد الله وعروة ابنا الزبير : لغو اليمين الحلف في المعاصي كالذي يحلف ليشربن الخمر أو ليقطعن الحرم ، فبره ترك ذلك الفعل ولا كفارة عليه ، وقال سعيد بن جبير مثله ، إلا أنه قال : يكفر ، فأشبه قوله بالكفارة قول من لا يراها لغواً ، وقال ابن عباس أيضاً وطاوس : لغو اليمين الحلف في حال الغضب ، وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا يمين في غضب »( {[2141]} ) ، وقال مكحول الدمشقي وجماعة من العلماء : لغو اليمين أن يحرم الرجل على نفسه ما أحل الله فيقول مالي عليّ حرام إن فعلت كذا ، أو الحلال عليَّ حرام ، وقال بهذا القول مالك بن أنس إلا في الزوجة فإنه ألزم فيها التحريم إلا أن يخرجها الحالف بقلبه( {[2142]} ) ، وقال زيد بن أسلم وابنه : لغو اليمين دعاء الرجل على نفسه أعمى الله بصره ، أذهب الله ماله ، هو يهودي ، هو مشرك ، هو لغِيَة( {[2143]} ) إن فعل كذا ، وقال ابن عباس أيضاً والضحاك : لغو اليمين هو المكفرة( {[2144]} ) ، أي إذا كفرت اليمين فحينئذ سقطت وصارت لغواً ، ولا يؤاخذ الله بتكفيرها والرجوع إلى الذي هو خير ، وقال إبراهيم النخعي : «لغو اليمين ما حنث فيه الرجل ناسياً »( {[2145]} ) ، وحكى ابن عبد البر قولاً إن اللغو أيمان المكره .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وطريقة النظر أن يتأمل لفظة اللغو ولفظة الكسب ، ويحكم موقعهما في اللغة ، فكسب المرء ما قصده ونواه ، واللغو ما لم يتعمده أو ما حقه لهجنته أن يسقط ، فيقوى على هذه الطريقة بعض الأقوال المتقدمة ويضعف بعضها ، وقد رفع الله عز وجل المؤاخذاة بالإطلاق في اللغو ، فحقيقته ما لا إثم فيه ولا كفارة ، والمؤاخذة في الأيمان هي بعقوبة الآخرة في الغموس المصبورة ، وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة ، وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة ، فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة ، لأن المؤاخذة قد وقعت فيها ، وتخصيص المؤاخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم .
وقوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } قال ابن عباس والنخعي وغيرهما : ما كسب القلب هي اليمين الكاذبة الغموس ، فهذه فيها المؤاخذة في الآخرة ، والكفارة إنما هي فيما يكون لغواً إذا كفر ، وقال مالك وجماعة من العلماء : الغموس لا تكفر ، هي أعظم ذنباً من ذلك ، وقال الشافعي وقتادة وعطاء والربيع : اليمين الغموس تكفر ، والكفارة مؤاخذة ، والغموس ما قصد الرجل في الحلف به الكذب ، وكذلك اليمين المصبورة : المعنى فيهما واحد ، ولكن الغموس سميت بذلك لأنها غمست صاحبها في الإثم ، المصبورة سميت بذلك لأنها صبرها مغالبة وقوة عليها ، كما يصبر الحيوان للقتل والرمي( {[2146]} ) ، وقال زيد بن أسلم : قوله تعالى : { ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } هو في الرجل يقول هو مشرك إن فعل ، أي هذا لغو إلا أن يعقد الإشراك بقلبه ويكسبه ، و { غفور حليم } صفتان لائقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة ، إذ هو باب رفق وتوسعة .
استئناف بياني لأن الآية السابقة لما أفادت النهي عن التسرع بالحلف إفادة صريحة أو التزامية ، كانت نفوس السامعين بحيث يهجس بها التفكر والتطلع إلى حكم اليمين التي تجري على الألسن . ومناسبته لما قبله ظاهرة لا سيما إن جعلتَ قوله : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } [ البقرة : 224 ] نهياً عن الحلف .
والمؤاخذة مفاعلة من الأَخذ بمعنى العد والمحاسبة ، يقال أخذه بكذا أي عده عليه ليعاتبه أو يعاقبه ، قال كعب بن زهير :
لا تأخُذَنِّي بأَقْوال الوْشاةِ ولم *** أُذْنِبْ وإِنْ كَثُرَتْ فيَّ الأَقَاوِيل
فالمفاعلة هنا للمبالغة في الأخذ ؛ إذ ليس فيه حصول الفعل من الجانبين . والمؤاخذة باليمين هي الإلزام بالوفاء بها وعدم الحنث ؛ ويترتب على ذلك أن يأثم إذا وقع الحنث ، إلاّ ما أذن الله في كفّارته ، كما في آية سورة العقود .
واللغو مصدر لغا إذا قال كلاماً خَطَئاً ، يقال : لغا يلغُو لغواً كسعا ، ولغا يلغْى لَغْياً كسَعى . ولغة القرآن بالواو . وفي « اللسان » : « أنه لا نظير له إلاّ قولهم أسوته أسواً وأَسى أصلحتُه » وفي الكواشي : « ولغا يلغو لغواً قال باطلاً » ، ويطلق اللغو أيضاً على الكلام الساقط ، الذي لا يعتد به ، وهو الخطأ ، وهو إطلاق شائع . وقد اقتصر عليه الزمخشري في « الأساس » ولم يجعله مجازاً ؛ واقتصر على التفسير به في « الكشاف » وتبعه متابعوه .
و ( في ) للظرفية المجازية المراد بها الملابسة ، وهي ظرف مستقر ، صفة اللغو أو حال منه ، وكذلك قدره الكواشي فيكون المعنى على جعل اللغو بمعنى المصدر ، وهو الأظهر : لا يؤاخذكم الله بأن تلغوا لغواً ملابساً للأيمان ، أي لا يؤاخذكم بالأيمان الصادرة صدور اللغو ، أي غير المقصود من القول . فإذا جعلتَ اللغو اسماً بمعنى الكلام الساقط الخاطىء ، لم تصح ظرفيته في الأيمان ، لأنه من الأيمان ، فالظرفية متعلقة بيؤاخذكم ، والمعنى لا يؤاخذكم الله في أيمانكم باللغو ، أي لا يؤاخذكم من بين أيمانكم باليمين اللغو .
والأيمان جمع يمين ، واليمين القسم والحلف ، وهو ذكر اسم الله تعالى ، أو بعض صفاته ، أو بعض شؤونه العليا أو شعائره . فقد كانت العرب تحلف بالله ، وبرب الكعبة ، وبالهدي ، وبمناسك الحج . والقسم عندهم بحرف من حروف القسم الثلاثة : الواو والباء والتاء ، وربما ذكروا لفظ حلفت أو أقسمت ، وربما حلفوا بدماء البدن ، وربما قالوا والدماءِ ، وقد يدخلون لاماً على عَمْر الله ، يقال : لَعَمْرُ الله ، ويقولون : عمرَك الله ، ولم أر أنهم كانوا يحلفون بأسماء الأصنام . فهذا الحلف الذي يراد به التزام فعل ، أو براءة من حق . وقد يحلفون بأشياء عزيزة عندهم لقصد تأكيد الخبر أو الالتزام ، كقولهم وأبيك ولَعَمْرك ولعمري ، ويحلفون بآبائهم ، ولما جاء الإسلام نهى عن الحلف بغير الله . ومن عادة العرب في القسم أن بعض القسم يقسمون به على التزام فعل يفعله المقسِم ليُلجىء نفسه إلى عمله ولا يندم عنه ، وهو من قبيل قسم النذر ، فإذا أراد أحد أن يظهر عزمه على فعل لا محالة منه ، ولا مطمع لأحد في صرفه عنه ، أكده بالقسم ، قال بلعاء بن قيس :
وفارسٍ في غِمار المَوْت منغَمِس *** إذَا تَأَلَّى على مَكْروهَةٍ صَدَقَا
( أي إذا حلف على أن يقاتل أو يقتل أو نحو ذلك من المصاعب والأضرار ومنه سميت الحرب كريهة ) فصار نطقهم باليمين مؤذناً بالغرم ، وكثر ذلك في ألسنتهم في أغراض التأْكيد ونحوه ، حتى صار يجري ذلك على اللسان كما تجري الكلمات الدالة على المعاني من غير إرادة الحلف ، وصارت كثرته في الكلام لا تنحصر ، فكثر التحرج من ذلك في الإسلام قال كثيِّر :
قليل الألايى حافظ ليمينه *** وإن سبقت منه الأليَّة بَرَّتِ
فأشبهه جريانُ الحلف على اللسان اللغوَ من الكلام .
وقد اختلف العلماء في المراد من لغو اليمين في هذه الآية ، فذهب الجمهور إلى أن اللغو هو اليمين التي تجري على اللسان ، لم يقصد المتكلم بها الحلف ، ولكنها جرت مجرى التأكيد أو التنبيه ، كقول العرب : لا والله ، وبلى والله . وقول القائل : والله لقد سمعت من فلان كلاماً عجباً ، وغير هذا ليس بلغو ، وهذا قول عائشة ، رواه عنها في « الموطأ » و« الصِّحاح » ، وإليه ذهب الشعبي ، وأبو قِلابة ، وعكرمة ، ومجاهد ، وأبو صالح ، وأخذ به الشافعي ، والحجة له أن الله قد جعل اللغو قسيماً للتي كسبها القلب في هذه الآية ، وللتي عقد عليها الحالف اليمين في قوله : { ولكن يؤاخذكم بما } [ المائدة : 89 ] فما عقدتم الأيمان هو ما كسبته القلوب ؛ لأن ما كسبت قلوبكم مبيِّن ، فيحمل عليه مجمل { ما عقدتم } ، فتعين أن تكون اللغو هي التي لا قصد فيها إلى الحلف ، وهي التي تجري على اللسان دون قصد ، وعليه فمعنى نفي المؤاخذة نفي المؤاخذة بالإثم وبالكفارة ؛ لأن نفي الفعل يعم ، فاليمين التي لا قصد فيها لا إثم ولا كفارة عليها ، وغيرها تلزم فيه الكفارة للخروج من الإثم بدليل آية المائدة ؛ إذ فسر المؤاخذة فيها بقوله : { فكفارته إطعام عشرة مساكين } [ المائدة : 89 ] فيكون في الغموس ، وفي يمين التعليق ، وفي اليمين على الظن ، ثم يتبين خلافه ، الكفارة في جميع ذلك .
وقال مالك : « لغو اليمين أن يحلف على شيء يظنه كذلك ثم يتبيّن خلاف ظنه » قال في « الموطأ » : « وهذا أحسن ما سمعت إلى في ذلك » وهو مروي في غير « الموطأ » ، عن أبي هريرة ومن قال به الحسن وإبراهيم وقتادة والسدي ومكحول وابن أبي نجيح . ووجهه من الآية : أن الله تعالى جعل المؤاخذة على كسب القلب في اليمين ، ولا تكون المؤاخذة إلاّ على الحنث لا أصل القسم ؛ إذ لا مؤاخذة لأجل مجرد الحلف لا سيما مع البر ، فتعين أن يكون المراد من كسب القلب كسبه الحنث أي تعمده الحنث ، فهو الذي فيه المؤاخذة ، والمؤاخذة أجملت في هاته الآية ، وبينت في آية المائدة بالكفارة ، فالحالف على ظن يظهر بعد خلافه لا تعمد عنده للحنث ، فهو اللغو ، فلا مؤاخذة فيه ، أي لا كفارة وأما قول الرجل : لا والله وبلى والله ، وهو كاذب ، فهو عند مالك قسم ليس بلغو ، لأن اللغوية تتعلق بالحنث بعد اعتقاد الصدق ، والقائل : « لا والله » كاذباً ، لم يتبين حنثه له بعد اليمين ، بل هو غافل عن كونه حالفاً ، فإذا انتبه للحلف وجبت عليه الكفارة ، لأنه حلفها حين حلفها وهو حانث .
وإنما جعلنا تفسير ( ما كسبت قلوبكم ) كسب القلب للحنث ، لأن مساق الآية في الحنث لأن قوله : { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم } [ البقرة : 224 ] ، إما إذن في الحنث ، أو نهي عن الحلف خشية الحنث ، على الوجهين الماضيين ، وقوله : { لا يؤاخذكم الله } بيان وتعليل لذلك ، وحكم البيان حكم المبين ، لأنه عينه .
وقال جماعة : اللغو ما لم يقصد به الكذب ، فتشمل القسمين ، سواء كان بلا قصد كالتي تجري على الألسن في لا والله وبلى والله كان بقصد مع اعتقاد الصدق فتبين خلافه . وممن قال بهذا ابن عباس والشعبي وقال به أبو حنيفة ، فقال : اللغو لا كفارة فيها ولا إثم . واحتج لذلك بأن الله تعالى جعل اللغو هنا ، مقابلاً لما كسبته القلوب ، ونفى المؤاخذة عن اللغو وأثبتها لما كسبه القلب ، والمؤاخذة لا محالة على الحنث لا على أصل الحلف ، فاللغو هي التي لا حنث فيها ؛ ولم ير بين آية البقرة وآية المائدة تعارضاً حتى يحمل إحداهما على الأخرى بل قال : إن آية البقرة جعلت اللغو مقابلاً لما كسبه القلب ، وأثبت المؤاخذة لما كسبه القلب أي عزمت عليه النفس ، والمؤاخذة مطلقة تنصرف إلى أكمل أفرادها ، وهي العقوبة الأخروية فيتعين أنه ما كسبته القلوب ، أريد به الغموس ؛ وجعل في آية المائدة اللغو مقابلاً للأيمان المعقودة .
والعقد في الأصل : الربط ، وهو معناه لغة ، وقد أضافه إلى الأيمان ، فدل على أنها اليمين التي فيها تعليق ، وقد فسر المؤاخذة فيها بقوله : { فكفارته إطعام } [ المائدة : 89 ] الخ ، فظهر من الآيتين أن اللغو ما قابل الغموس ، والمنعقدة ، وهو نوعان لا محالة ، وظهر حكم الغموس ، وهي الحلف بتعمد الكذب ، فهو الإثم ، وحكم المنعقدة أنه الكفارة ، فوافق مالكاً في الغموس وخالفه في أحد نوعي اللغو ، وهذا تحقيق مذهبه . وفي اللغو غير هذه المذاهب مذاهب أنهاها ابن عطية إلى عشرة ، لا نطيل بها .
وقوله : { والله غفور حليم } تذييل لحكم نفي المؤاخذة ، ومناسبة اقتران وصف الغفور بالحليم هنا دون الرحيم ، لأن هذه مغفرة لذنب هو من قبيل التقصير في الأدب مع الله تعالى ، فلذلك وصف الله نفسه بالحليم ، لأن الحليم هو الذي لا يستفزه التقصير في جانبه ، ولا يغضب للغفلة ، ويقبل المعذرة .